أبو الغيط يكشف عن أخطر موقف للشرع!
كانت صدفة غير متوقعة أن تلتقي "نداء الوطن" الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال زيارته الأخيرة لبيروت. تحقق اللقاء عندما كان المسؤول العربي الكبير يتنزّه على الواجهة البحرية عشية مشاركته في مؤتمر "الاسكوا" الذي رعاه رئيس الجمهورية جوزاف عون بالحضور والكلام.
افتتحت "نداء الوطن" الحوار في حضور مساعد الأمين العام السفير حسام زكي وعدد من مرافقي الأمين العام باستعادة المذكرات التي نشرها أبو الغيط قبل أعوام قليلة والتي بلغت طبعاتها عندما تلقى كاتب هذه السطور نسخة عنها في نيسان 2022، إحدى عشرة طبعة. حمل الكتاب الأول عنوان "شاهد على الحرب والسلم". وحمل الكتاب الثاني من هذه المذكرات عنوان "شهادتي السياسة الخارجية المصرية 2004-2011". وصدرت هذه المذكرات عن "دار نهضة مصر".
وانطلق الحوار من زاوية لا بد من إظهارها ألا وهي أن المذكرات تمثل خطوة نادرة في العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن التي يمتلك فيها المسؤول شجاعة إبلاغ القارئ اسراراً عاشها. فكيف الحال أن يبوح بهذه الأسرار من وصل في مساره الدبلوماسي إلى أعلى الهرم الدبلوماسي في مصر، وزيراً للخارجية ثم لينتقل بعد ذلك الى موقع الأمين العام لجامعة الدول العربية ولا يزال إلى اليوم.
بلغت حصّة لبنان في هذه المذكرات قدراً كبيراً كمّاً ونوعاً. ويمكن للمرء أن يتصوّر لو أنّه جرى العمل على هذه المذكرات مجدداً لكي يتم نشر ما ورد فيها حول لبنان من قريب أو بعيد. وسيتبيّن عندئذ أنه سيكون بين أيدينا كتاب يحمل على سبيل المثال عنوان "شهادة أبو الغيط : لبنان في أخطر مراحل تاريخه الحديث".
ما باح به الأمين العام لجامعة الدول العربية لـ"نداء الوطن" من معطيات قبل أيام، يضيف معطى مهم عمّا كان يدور في لبنان وخارجه قبل 21 عاماً. ولا ضير في استعادة ما كتبه أبو الغيط حول تلك المرحلة قبل ذكر هذه المعطيات.
جاء في المذكرات: "بدأت اتصالاتي مع السوريين بموافاتهم بتقرير مهم وصل إلينا من بعثتنا في نيويورك حول نوايا فرنسية وأميركية ضد سوريا بالنسبة للقرار 1559 الخاص بالوضع في لبنان. ثم التقيت وزير خارجية سوريا (وليد المعلم) بالقاهرة حيث تناولنا بالتقييم المشترك الوضع في لبنان، وأهمية أن تتحسب سوريا من احتمالات إثارة المشاكل لها في لبنان أو على حدودها مع العراق بسبب مواقفها مع إيران وتجاه العراق. وكان الهدف تنبيههم ونصحهم وليس تحذيرهم أو العمل ضدهم. والتقيت في أيلول 2004 رفيق الحريري الذي كان بطبيعة الحال، يؤيد كل متطلبات القرار 1559، سواء الانسحاب (السوري) من لبنان، أو تناول موضوع سلاح "حزب الله". وأخذ الحريري يعبّر عن إنتقادات حادة لسوريا رغم سعيه للحفاظ على علاقات عمل معها".
أضاف أبو الغيط: "أصبحت الاتصالات المصرية السورية ذات إيقاع عال. وفي زيارة الى دمشق، إلتقيت الرئيس بشار الأسد في بداية شباط 2005، وكان هناك الكثير من الاحاديث عن عودة سوريا وإسرائيل للمفاوضات المتوقفة منذ عام 2000. واستفسرت من الأسد عن الموقف في هذا الشأن، فأفاد بأنه يبلغ الجميع باستعداده للعودة الى المفاوضات، ولكن من النقطة التي توقفت عندها في السابق، في إشارة الى ما سبق أن حصلت عليه سوريا من إسرائيل بخصوص خط الحدود والانسحاب من الجولان... كان الطرح السوري، طبقاً لتحليلي للموقف، هو محاولة تفادي الضغوط الغربية المتصاعدة ضدّ دمشق في مسألة الانسحاب من لبنان، واستخدام المفاوضات مع إسرائيل لتهدئة التحركات الأميركية ضدّها بسبب الوضع العراقي".
وتابع أبو الغيط: "وقع اغتيال رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005 أثناء وجودي في واشنطن (14 شباط بتوقيت الشرق الأوسط). وكان تقييمي أن هذه الجريمة ستكون لها إنعكاساتها على الموقف في لبنان، وستمثل فرصة للولايات المتحدة وحلفائها في المزيد من الضغط على سوريا بشكل غير مسبوق. وأتلقى إتصالاً تلفونياً من فاروق الشرع (وزير الخارجية السوري) قبل دقائق من لقائي مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، يطلب فيه نقل رسالة سورية بضرورة ألا تكون ردود الأفعال الأميركية متعجلة، وأنهم في سوريا، ليس لهم أي صلة بهذا الاغتيال. وأنقل الرسالة الى الوزيرة الأميركية، ويجيء التعليق، برفض الموقف السوري والتقليل من مصداقيته. ويحضر فاروق الشرع للقاهرة بعد عودتي من واشنطن بعدة أيام. وأقول له أن على سوريا التحرّك بإيجابية في موضوع تنفيذ القرار في موضوع تنفيذ القرار 1559، وأن ردود الفعل في واشنطن، كانت غير إيجابية في مواجهة سوريا.
وأضيف ان عدم البدء في تنفيذ متطلبات القرار، سيؤدي الى مشاكل لهم في العالم العربي، وأن إغتيال الحريري، سيستخدم كمبرّر للهجوم عليهم. ويرد الشرع، بأنهم سيتفاعلون مع القرار، لكن سوريا لا تنوي الانسحاب من كل لبنان، بل ستبقى داخل البقاع لحين التوصل الى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي أو السوري الإسرائيلي، إذ أن تخلّي دمشق عن هذه المنطقة، سيسهّل على إسرائيل القيام بعمليات عسكرية تهدّد سوريا من هذه المناطق. وأذكر لفاروق الشرع، أن الاميركيين يتحدثون عن التنفيذ الفوري للقرار، في حين أن فرنسا تظهر بعض المرونة، حيث تتحدث عن التدرج في التنفيذ. ويصمّم فاروق الشرع على رؤيته التي نقلها الى الرئيس مبارك معه. وأتحدث من جانبي مع الرئيس مبارك، قائلاً: إنّني إطلعت على نوايا سيئة تجاه سوريا بواشنطن، وأن وجود الأميركيين في العراق، هو عنصر مهم يجب ألا يغيب عن السوريين. ويعقّب الرئيس مبارك بتسخيف الموقف السوري من البقاء في البقاع، بإعتباره مطلباً دفاعياً حيوياً لسوريا، ويقول إن إسرائيل، إذا ما رغبت في مهاجمة سوريا، فهي لن تستخدم القوات البرية، ولا يتصور انها ستسعى لدخول دمشق، أو فرض معاهدة سلام على سوريا من خلال المزيد من إحتلال الأراضي السورية، بل ستقوم بعمليات جوية ضد الأهداف السورية الحيوية، وبما يضعف النظام السوري".
وأردف أبو الغيط قائلا :"يلتقي الرئيسان السوري والمصري في القمة العربية بالجزائر، ويتحدث الرئيس مبارك، في حضوري وحضور وزير خارجية سوريا، مع الأسد ناصحاً وبقوة أن تنسحب سوريا من لبنان تنفيذاً للقرار 1559. ويقول الأسد انه يحتاج لشهور لكي يوجد مقار داخل سوريا للقوات المنسحبة، ويرد عليه الرئيس المصري: نواياهم سيئة تجاهك، وعليك ان تتحرّك، وسنساعدك للتوصل الى ما يؤمّن سوريا. ونغادر إلى باريس لمقابلات رئاسية مصرية-فرنسية، ونطلب من الفرنسيين عدم الضغط الحاد على سوريا التي نعتقد أنها ستنفذ القرار، وكذلك نيتها في تنفيذ كل عناصر إتفاق الطائف عام 1989. وأقوم بزيارة إضافية لدمشق من الطمأنة والتنسيق مع سوريا، وأستشعر وجود قدر من العصبية لدى السوريين مع تأكيد نيتهم في تنفيذ الانسحاب من لبنان طبقاً للقرار 1559".
واستطرد أبو الغيط: "كان الصبر الأميركي في علاقته بسوريا واتهامها بالتدخل في العراق يقترب من النفاد. واخذت الاتهامات تنهال على السوريين ومسؤوليتهم في تدبير إغتيال رفيق الحريري، وأن معلومات المحققين الدوليين تشير الى مسؤولية شخصيات معينة في دائرة الحكم في سوريا لهم يد في قضية الحريري".
ويختم أبو الغيط في مذكراته ما يتعلق باغتيال الحريري قائلاً: "في لقاء مع ستيفن هيدلي، مستشار الامن القومي الأميركي الذي حلّ مكان رايس، ذكر في نهاية أيلول 2005، أن الولايات المتحدة تأمل في سقوط الأسد الذي يسمح بتسرّب عناصر عربية وإسلامية عبر الحدود الى العراق، وأن هذه العناصر هي المسؤولة عن أعمال القتل الجارية".
فتش عن ايران في لبنان
ماذا أضاف أبو الغيط الى هذه التفاصيل المثيرة حول الجريمة التي أحدثت زلزالا في لبنان والمنطقة؟ يقول لـ"نداء الوطن" الآتي: "سمعت من وزير خارجية سوريا وليد المعلم خلال لقاء لي مع الرئيس بشار الأسد في دمشق يقول إن ايران ضالعة في كل ما حدث في لبنان" في أعقد عامين مرت بسوريا (2004 - 2005) ما يعني ان ايران متورّطة حتى في اغتيال رفيق الحريري.
أحمد الشرع وأنور السادات
اصبح الأسد اليوم في منفاه الروسي، وحلّ مكانه نظام جديد على رأسه أحمد الشرع. ونقلت "نداء الوطن" الى أبو الغيط وقائع حوار حصل بين الرئيس السوري الجديد وبين رئيس حكومة لبنان السابق نجيب ميقاتي عندما زار سوريا في نهاية رئاسته للحكومة السابقة. وكانت المفاجأة عندما تولّى أبو الغيط الحديث ليقول إن ميقاتي نقل له وقائع الحوار الذي دار بينه وبين الشرع.
فقد بادر الأخير، أي الشرع، إلى سؤال ضيفه، أي ميقاتي: "هل تعتبر الرئيس المصري الراحل أنور السادات خائناً أم وطنياً؟". وبدا ميقاتي وكأنّه قد أخذ على حين غرة. وخلال فترة تردّد سيطرت على رئيس الحكومة اللبنانية بادر الرئيس السوري الى الجواب بنفسه على السؤال الذي طرحه، فقال: "إن الرئيس السادات كان وطنياً عندما أعاد الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل وهو ما لم نستطع القيام به من خلال كل الوسائل التي جرّبناها حتى اليوم".
يعتقد كثيرون ان ما قاله الشرع في السادات هو أخطر موقف من موضوع السلام مع إسرائيل. وينطوي هذا الموقف على دلالات تتصل بمستقبل العلاقات بين سوريا وإسرائيل وهو موقف غير مسبوق في تاريخ سوريا الحديث.
يبقى القول، إن وقائع ما دار بين ميقاتي والشرع فتح نافذة ليقول أبو الغيط عبرها لـ"نداء الوطن" ما لم يرد في مذكرات ناهزت الألف صفحة. فقال: "كانت لدى السادات الشجاعة ليقوم بما عجز عنه سلفه الرئيس عبد الناصر. فقد خسر الأخير الحرب عام 1967. لم يستطع ان يفعل ما قام به السادات بسبب فارق هو ان عبد الناصر كان مثقلاً بتجارب قيّدته. أما السادات فقد بلغ الرئاسة وهو متحرّر من أيّ ماض. وذهب بشجاعة الى الاتفاق الذي أعاد كل شبر من أراضي مصر المحتلّة بعد انتصار حققته مصر في حرب عام 1973". وشرح أبو الغيط ان السادات حسم تردد القيادة العسكرية المصرية التي كانت تريد ارجاء قرار عبور القوات المصرية قناة السويس بالاصرار على انجاز العبور.
تعني الشجاعة الكثير عند من يكون في موقع المسؤولية. استحضر أبو الغيط الأمر على الواجهة البحرية لبيروت. فبدا ان هناك قدراً من الشجاعة ان يضيف من هو في مركز يتطلب اكبر قدر من الدبلوماسية هذه الإضافة الى مذكراته. ولعلّ لبنان قد فاز من هذه المذكرات هذا البوح بأسرار أخطر 20 عاماً عاش ويلاتها هذا البلد.
أحمد عياش-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|