القوات والانتخابات البلدية: العين على المجلس النيابي
صحيح أنّ الانتخابات البلدية هي استحقاق دوري، إلّا أنّ هذه المحطة المحلية تتحوّل إلى ساحة اشتباك سياسي واسع، تتجاوز فيه المنافسة الطابع الإنمائي بين الأحزاب بشكل مباشر أو من خلال العائلات، فتأخذ بعداً سياسياً أوسع على مستوى الدائرة الانتخابية أو القضاء، انطلاقًا من المدينة أو البلدة والقرية التي تشهد تنافسًا محليًا بلدياً.
بشكلٍ متدرّج، تنظر القوات اللبنانية إلى الاستحقاق البلدي والاختياري. انطلاقًا من خوضها الانتخابات البلدية وسعيها إلى تزعم العدد الأكبر من اللوائح، حيثما أمكن، لتترأس بعدها المجالس البلدية، فإنّ عين "القوات" على رئاسة اتحادات البلديات.
البلديات منصة لتكريس النفوذ
ترى القوات اللبنانية في البلديات أداة تنفيذية لبسط النفوذ السياسي والشعبي على الأرض، في ظلّ الانهيار المتواصل للدولة المركزية وعجزها عن تأمين أبسط الخدمات. وبعد تراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات الرسمية، برزت البلديات كجسر مباشر بين الأحزاب والمجتمعات المحلية، وهو ما تسعى "القوات" إلى استثماره. في هذا السياق، يشكّل الفوز برئاسة المجالس البلدية واتحاداتها وسيلةً لتعزيز الحضور التنظيمي والإمساك بالقرار المحلي، فضلًا عن قطع الطريق على خصوم تقليديين مثل "التيار الوطني الحر"، ومنعهم من الفوز بأكثرية بلدية، سواء على مستوى البلديات أو اتحادات البلديات.
توضح مصادر مطلعة في "القوات اللبنانية" لـ"المدن"، أن المعركة البلدية بالنسبة إلى معراب ليست معركة طرقات محفّرة أو بنى تحتية مهترئة فحسب، بل هي مدماك أساسي في مشروع طويل الأمد لإعادة رسم موازين القوى، تمهيدًا لاستحقاقات أكبر، ولا سيّما الاستحقاق النيابي الذي يبعد عن الاستحقاق البلدي مسافة أشهر.
من البلدية إلى الاتحادات
تضع "القوات اللبنانية" ثقلها التنظيمي والسياسي في المواجهة البلدية. فإلى جانب تأكيدها أهمية العمل البلدي للإنماء والاستثمار على المستوى المحلي، في غياب اللامركزية الإدارية الموسعة، تدرك أن البلديات ليست مجرّد مجالس خدماتية، بل منصات ميدانية تتيح تعزيز النفوذ الشعبي، وتفتح قنوات تواصل مباشر مع المواطنين، في وقت تزداد فيه هشاشة الدولة المركزية. لا تكتفي "القوات اللبنانية" بالسعي إلى الفوز بأكبر عدد من رئاسات المجالس البلدية، بل تعمل بشكلٍ ممنهج على الإمساك برئاسة اتحادات البلديات، لما تشكّله هذه الكيانات من مفاتيح تمويل وتأثير تتخطّى حدود البلدات إلى مستوى الأقضية، وقد تُترجم لاحقًا إلى رصيد انتخابي في صناديق الاقتراع النيابية.
وفي هذا الإطار، أوضحت مصادر خبيرة بالعمل الانتخابي لـ"المدن" أن أهمية اتحادات البلديات تكمن أساسًا في انضواء عشرات البلديات تحت سلطتها، وأنّ تأثيرها يتجاوز النطاق البلدي إلى نطاق القضاء أو الدائرة الانتخابية في الانتخابات النيابية: "من هنا تسعى الأحزاب إلى السيطرة على اتحادات البلديات".
فوظيفة اتحادات البلديات تتجاوز التنسيق بين المجالس المحلية، وبما يمتلكه الاتحاد من صلاحيات وأدوات، يتحكّم بمسار المشاريع الكبرى، وبإدارة التمويل الدولي والوطني المخصص للمناطق. ومن هنا، تدرك "القوات" أن السيطرة على هذه الاتحادات تمنحها موقعًا حيويًا في القرار الإنمائي، وتسمح لها بتثبيت حضورها السياسي على الأرض. كما أن سيطرتها على الاتحاد ورئاسة البلديات تزيل، برأيها، عائق التعطيل والصدام الذي كان يحصل بين نوابها ورؤساء اتحادات بلديات أو رؤساء بلديات لا يدورون في فلكها السياسي.
وتزداد أهمية هذه السيطرة في ظلّ تجربة أظهرت أنّ وجود انقسام أو خصومة بين النائب والاتحاد، أو بين الاتحاد والبلديات، يفضي إلى التعطيل ويمنع الإنماء وفرص الاستثمار وتقديم الخدمات. وفي هذا المجال، أكدت مصادر معراب أنّ "القوات" ترى أنه من المهم أن تكون هناك وضعية سياسية نيابية تعمل بشكلٍ متكامل مع اتحادات البلديات، وأن تكون اتحادات البلديات بوضعية انسجامية تكاملية مع البلديات، لتكتمل حلقة الإدارة المحلية السياسية، والتي تترجم بأكثرية تمثيلية على المستويين النيابي والبلدي.
تحضير مبكر للاستحقاقات الأكبر
في رؤية "القوات"، يتطلّب تحقيق الإنماء الفعلي على مستوى الأقضية تكاملاً بين ثلاثة مستويات: التمثيل النيابي، قيادة الاتحاد، ورئاسة المجالس البلدية. فعندما يكون النائب متصالحًا ومنسّقًا مع رئيس الاتحاد، ويكون الاتحاد منسجمًا بدوره مع المجالس البلدية، تصبح القدرة على تحقيق المشاريع مضاعفة، وتُخلق رافعة ضغط قوية على المؤسسات المركزية لتأمين الحقوق الإنمائية للمناطق.
أما في حالات التناقض بين هذه المستويات، فإن المشاريع تتعثّر، ويفرغ التمثيل السياسي من مضمونه الإنمائي. لذلك، يسعى حزب "القوات" إلى ضمان التناسق الكامل بين ممثليه على هذه الجبهات، ريثما يُقرّ قانون اللامركزية الإدارية الموسعة.
ليست الانتخابات البلدية، في حسابات معراب، إلا محطة في مسار سياسي طويل. فالفوز البلدي يعني تثبيت قواعد شعبية وتحالفات موضعية، تُستخدم لاحقًا في بناء لوائح نيابية قادرة على حصد المقاعد. ووفق مصادر "القوات"، فإن طبيعة قانون الانتخابات النيابية، القائم على النظام النسبي مع الصوت التفضيلي، تفرض أحيانًا تحالفات غير تقليدية، وقد تقتضي الفصل بين الحلفاء ضمن الدائرة الواحدة وتوزيعهم على لائحتين لتحقيق أقصى نسبة تمثيل. من هنا، تعمل "القوات" على تعزيز موقعها البلدي في مناطق مثل بشري، البترون، جبيل، كسروان، المتن، وجزين، باعتبارها خزانًا انتخابيًا أساسيًا ومسرحًا لاختبار الاستراتيجية السياسية والانتخابية النيابية:"مطرح ما قادرين ما رح نقصر"، تقول مصادر معراب لـ"المدن"، وتتابع: "هي معركة ديمقراطية في نهاية المطاف."
إنها معركة على الهوية السياسية للمناطق، لا على شؤون إنمائية فقط، وهي سباق على حصر التمثيل المسيحي الأول بيد فريق دون سواه من الأفرقاء المسيحيين. كما أن الفوز البلدي يمنح "القوات" قاعدة صلبة لبناء تحالفات محلية فاعلة، وتحقيق انتصارات موضعية يمكن جمعها لاحقًا ضمن خارطة انتخابية وطنية.
الانتخابات الاختيارية والبلدية أكثر من استحقاق ومحطة. بالنسبة إلى "القوات اللبنانية"، هي معركة أساسية تسعى من خلالها إلى تثبيت موقعها على الساحة المحلية، من خلال تأكيد تمثيلها البلدي، على مسار حجز موقعها في الانتخابات النيابية المقبلة، لكن الطريق ليست بالضرورة معبّدة، ولا بدّ أنها حافلة بالتحديات والمطبّات... والمنافسين.
ندى أندراوس - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|