لبنان يرفض “حشداً” في جيشه: طهران تردّ من بغداد؟
لم يخطر في بال رئيس الجمهورية جوزف عون، ولم يصدر عن رئيس الحكومة نوّاف سلام ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أو حتى في أيّ تحليلات وتعليقات تتناول مسألة حصريّة السلاح بيد الدولة في لبنان، أيّ تلميح إلى دراسة نموذج “الحشد الشعبي” في العراق والتفكير في جعله صيغة لدمج “الحزب” وسلاحه داخل الجيش اللبناني.
سُئل الرئيس اللبناني سؤالاً مباشراً بسيطاً: هل يكون استنساخ لتجربة “الحشد الشعبي” العراقي في حالة “الحزب”؟ فجاء الجواب مباشراً بسيطاً: لن يكون هناك “حشد شعبي” ولا وحدة مستقلّة داخل الجيش. فغضبت بغداد.
قبل ذلك الغضب بأيّام، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين في عدّة فصائل مسلّحة عراقية موالية لطهران، أنباء عن قرب التوصّل إلى صيغة مع حكومة محمد شيّاع السوداني في بغداد لتسليم سلاح تلك الفصائل إلى الدولة العراقية واندماجها داخل هياكل الدولة العراقية. قيل إنّ التسريب الـ”رويترزيّ” يضاف إلى تسريبات سابقة تستخدم فيها طهران وأذرعها، بما فيها “الحزب” في لبنان، وكالة الأنباء هذه بالذات لتمرير رسائل وإطلاق بالونات اختبار.
جرت جلبة فصائل العراق وحكومتهم في بغداد عشيّة جلبة انعقاد أولى جلسات المفاوضات بين إيران والولايات المتّحدة في مسقط. قبل ذلك في منتصف آذار الماضي أجرى إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني زيارة للعراق، قيل إنّها مفاجئة، اجتمع خلالها مع الفصائل الولائيّة وبعض أركان “الإطار التنسيقي” الشيعي الموالي لطهران.
وصايا قاآني
لم تخجل التسريبات المقصودة من كشف أنّ الرجل أوصى “جماعته” في العراق بعدم التدخّل في شؤون سوريا وبالخضوع لسياسات السوداني وحكومته. لم تكن تلك الزيارة غريبة عن تهديدات أصدرتها واشنطن ضدّ طهران من جهة وضدّ بغداد من جهة أخرى. بدا أنّ إيران تبلغ من يهمّه الأمر في المنطقة والعالم المرونة والتعاون والتقيّد بشروط “هذا الزمن”، على الرغم ممّا تشكّله مبادرات قاآني وزياراته المفاجئة ووصاياه الحنونة من إحراج لسيادة العراق وحكومته واستقلال قرارهما. وفي بغداد من فسّر الانفراج الطارئ في تعامل العراق مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، وإعلان توجيه دعوة له إلى حضور قمّة بغداد العربية في سياق وصايا قاآني ورسائل طهران.
تسعى طهران إلى إظهار النأي بالنفس عن سلوك أذرعها وتزعم استقلال قرار تلك الأذرع في اليمن والعراق ولبنان. وتسعى طهران أيضاً إلى التذكير بأنّها ما زالت تملك أوراقاً قويّة في المنطقة بما يسمح لـ”حزب الله العراقي” بالتشويش على تقرير “رويترز” بشأن تسليم السلاح للدولة في بغداد، فيرفض ذلك، وبما يتيح خروج أصوات من داخل “الحزب” في لبنان تَعِدُ بـ”قطع اليد” التي تمسّ سلاحه. أمّا وصايا قاآني وتراجع “الحزب” عن قطع الأيادي، فهي تفاصيل من عُدّة الشغل التي تجد حيّزاً لها على طاولة التفاوض في مسقط أو روما أو مدن أخرى.
غضب إيرانيّ العبق
بدا غضب بغداد من تصريحات الرئيس عون إيرانيّ العبق. يملك العراق ولبنان علاقات ممتازة تواصلَ عبرها البلدان على مستويات مختلفة، وأظهرت فيها حكومة السوداني حرصاً واهتماماً بتوفير ما يحتاج إليه لبنان، لا سيما من مادّة الفيول الضرورية لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء. جرى دائماً حلّ الإشكالات بين البلدين وتدوير زوايا أيّ سوء فهم. حتّى إنّ خروج بغداد وبيروت من نادي “العواصم الأربع” التي تفاخرت إيران بالسيطرة عليها، يجري بشكل متزامن وفي ظروف متشابهة. تأخذ حكومة السوداني إجراءات تبتعد فيها عن طهران كما تسعى بيروت إلى ذلك تماماً.
قد يمكن فهم أنّ احتجاج بغداد تدبير مبدئي دفاعاً عن مؤسّسة هي جزء من الجيش العراقي. ومع ذلك فمن حقّ رئيس الجمهورية اللبنانية أن يقول إنّ بلاده لن تتبنّى نموذجاً رسميّاً معتمَداً في الولايات المتحدة أو فرنسا أو إندونيسيا… أو العراق. فإذا ما كانت لـ “الحشد” حكاية عراقية مستندة إلى “فتوى” لها ظروفها وتوقيتها، فإنّه بالمقابل ليست لـ”الحزب” حكاية لبنانية ولا يستند سلاحه إلى أعراف دستورية لبنانية، علاوة على أنّ “الحشد” نموذج لا يروّج العراق لتصديره على منوال ما سبق أن اقترحته إيران لثورتها في العالم.
من تابع الصيغ الدبلوماسية التي استخدمها العراق يكاد يلاحظ توق وزارة الخارجية التي يقودها الوزير فؤاد حسين إلى تمرير هذا “القطوع” الذي فتح أعين “إطار” و”فصائل” تعتبر “الحشد الشعبي” مكتسباً شيعياً يحمي نظام ما بعد عام 2003 كما يحمي الحرس الثوري نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. أشارت الوزارة العراقية إلى “عدم ارتياح”، لا سيما أنّ العراق “لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب لبنان في مختلف الظروف”. وأعربت الوزارة عن أمل أن “يُصحّح الرئيس اللبناني هذا التصريح”. بالمقابل وعد سفير لبنان في بغداد علي الحبحاب “بالعمل على تصويب ما حصل”.
للتّمسّك بالعلاقة لا التّصويب
على لبنان التمسّك بعلاقات ممتازة مع العراق ومع البلدان القريبة والبعيدة. وليس على لبنان التصويب والتصحيح، ذلك أنّ في فعل الاحتجاج اقتراحاً إيرانيّاً بأن يقتدي لبنان بـ”حشد” العراق فيكون لـ”الحزب” في موسم الحوار الثنائي معه لسحب السلاح الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، جسم عسكري منفصل ومستقلّ يمثّل “سلاح الشيعة” داخل المؤسّسة العسكرية. قد لا يكون السؤال الذي طُرح على الرئيس بريئاً، غير أنّ ردّه الذي كان على مستوى خطاب القسم والبيان الوزاري، بحيث أغلق باباً قبل أن يُفتح، اعترضت عليه طهران من بغداد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|