مشرّعان أمريكيان في دمشق.. اختبار أم اعتراف؟
تباينت آراء الخبراء حيال أول زيارة يقوم بها مشرّعان أمريكيان إلى دمشق منذ اندلاع الأزمة السورية، بين من يعتبرها مجرد خطوة رمزية لا تعبّر عن تحوّل استراتيجي، وبين من يراها مؤشراً أولياً على انفتاح أمريكي محتمل تجاه السلطة الجديدة في سوريا.
وتطرح الزيارة، التي قام بها عضوان جمهوريان في مجلس النواب الأمريكي تساؤلات جدية حول مغزاها الحقيقي: هل هي جسّ نبض دبلوماسي مؤقت أم مقدّمة لمراجعة العقوبات المفروضة؟ وما الذي تغيّر في الموقف الأمريكي حتى يتم الانتقال من مرحلة الغموض والحذر، إلى إشارات توحي بانفتاح محتمل؟
توقيت حرج
الاهتمام المتزايد بهذه الزيارة ينبع من التوقيت الحرج الذي جاءت فيه، في ظل تحولات إقليمية ودولية، ومحاولات واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط بما يتقاطع مع ملفات شائكة، أبرزها أمن إسرائيل ومستقبل الوجود الفلسطيني.
وبينما يرى البعض أن المشرّعَين لا يحملان تفويضاً تنفيذياً، وبالتالي لا يُعوّل على الزيارة كثيراً، يعتقد آخرون أنها تمثّل بداية لمسار تفاوضي طويل قد يشمل في مراحله القادمة إعادة النظر في العقوبات، خصوصاً إذا ما توفرت شروط تتوافق مع الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة.
"لا تعبّر عن تحوّل استراتيجي"
حول ذلك، يقول الباحث والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ، إن زيارة مشرّعين أمريكيين إلى دمشق، في هذا التوقيت، لا ينبغي تحميلها أكثر مما تحتمل، مؤكداً أنها لا تعبّر عن تحوّل استراتيجي حقيقي في الموقف الأمريكي تجاه السلطة الانتقالية السورية، بل تعكس حاجة واشنطن لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع مختلف الأطراف، دون أن يُفهم من ذلك أنها تُشرعن أو تتبنى هذا الشكل من الحكم.
وأوضح في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الزيارة لا ترقى لأن تكون مؤشراً على رفع وشيك للعقوبات، ولا حتى على مراجعة جدية للموقف الأمريكي من تركيبة الحكم في سوريا، معتبراً أن السياق السياسي الراهن في الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ومواقف الكونغرس المتشددة تجاه الكيانات ذات المرجعية الأصولية، لا يسمح بأي انفتاح حقيقي.
تكتيك دبلوماسي
ورأى أن ما يبدو من "انفتاح" هو في حقيقته مجرد تكتيك دبلوماسي مؤقت لا يغيّر من جوهر الموقف الأمريكي، المتشكك والرافض لتحوّل سوريا إلى نموذج سلطوي بغطاء ديني.
وأشار إلى أن إرسال مشرّعين فقط، وليس مسؤولين تنفيذيين من وزارة الخارجية أو البيت الأبيض، يدل على أن واشنطن ما تزال تفضّل مراقبة المشهد السوري عن بُعد، وتسعى إلى جمع مزيد من المعلومات حول طبيعة السلطة الجديدة، دون الالتزام بأي موقف سياسي واضح، مبيناً أن هذا النهج يتكرر عادة في التجارب الانتقالية، حيث تفتح واشنطن قنوات جسّ نبض دون تقديم دعم فعلي.
وخلص إلى أن الزيارة لا تتعدى كونها خطوة استكشافية محدودة، لا تحمل وزناً تنفيذياً، ولا تعكس قناعة أمريكية بنجاح السلطة الانتقالية أو أهليتها، بل يمكن قراءتها كمحاولة لاختبار مدى قدرة هذه السلطة على مواجهة الضغوط، وليس باعتبارها اعترافاً أو دعماً سياسياً، وفق قوله.
إدارة ترامب بدأت تغيير موقفها
في المقابل، يرى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي الدكتور مهدي عفيفي أن الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل في تغيير موقفها تدريجياً من الحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن زيارة أعضاء من مجلس النواب الأمريكي تمثل خطوة أولى، جاءت بعد بحث في آليات رفع العقوبات عن دمشق.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن الولايات المتحدة وضعت شروطاً قد يُقبل بعضها أو يُرفض من قبل الإدارة السورية الجديدة، لكن من المرجّح أن يتم رفع العقوبات بشكل تدريجي وفقاً للسياسة الأمريكية، معتبراً أن هذه الزيارة تفتح المجال للمباحثات وقد تمهّد لتغيير في الموقف الأمريكي تجاه دمشق.
وأوضح أن زيارة مشرّعين من الحزب الجمهوري تمهّد لتفاهمات لاحقة مع الرئيس دونالد ترامب، الذي كان يُبدي تحفّظات على السلطة السورية الجديدة، لافتاً إلى أن الزيارة جاءت في سياق تغيّرات أوسع تشهدها السياسة الخارجية الأمريكية تجاه عدة دول، مما يعزّز احتمال بدء تحول في طبيعة العلاقة بين واشنطن ودمشق.
ملف أمن إسرائيل
وأشار إلى أن هذه العلاقة تتداخل أيضاً مع ملف أمن إسرائيل، الذي يظل أولوية مطلقة لدى واشنطن في الشرق الأوسط، مؤكداً أن هذا الملف سيكون مطروحاً على طاولة النقاش، وقد يشكّل إحدى نقاط التفاهم المستقبلية بين الجانبين.
وأضاف أن إدارة ترامب تسعى للنظر في إمكانية نقل بعض الفلسطينيين إلى دول مجاورة لفلسطين، خاصة في ضوء موقف مصر والأردن الرافض لهذه المسألة، وتسعى واشنطن، بالتعاون مع إسرائيل، لإيجاد دول يمكن أن تستقبلهم، في سياق مخطط معلن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|