الصحافة

الجامعة الأميركية في بيروت في مواجهة محور الضحالة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نظّمت الجامعة الأميركية في بيروت الأسبوع الماضي سلسلة من الأنشطة في ذِكرى مرور خمسين عاماً على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. مَنَحَت هذه الفعاليات الفرصة للطلاب وللرأي العام للمشاركة في عملية التذكّر الجَماعي، ومواجهة ثقافة النسيان التي تحاول الطبقة الحاكمة في لبنان ترسيخها عبر فرض عباءة من التناسي على فترة خمسة عشر عاماً من الحروب الأهلية والإقليمية التي دمّرت الوطن وأبناءه.

شاءت الصُدف أن يتزامن "أسبوع الحرب الأهلية" مع موعد غير اعتيادي لـ "أسبوع فلسطين"، الذي تُنظّمه تقليدياً جهة طلابية في أول شهر آذار. فبادرت اللجان المُنَظِمَة، بالتنسيق مع إدارة الجامعة، إلى معالجة هذا التداخل بحكمة ومسؤولية، وبموافقة جميع الأطراف داخل الجامعة، لتأمين مناخ أكاديمي هادئ ومُنتج، يليق بالحَدَثَين معاً.

لكنّ هذا التفاهم لم يَرق لمحور الممانعة والضحالة، الذي يتزعمه "حزب الله" وبعض المستفيدين من مناخ الحرية داخل الجامعة، والذين لا يتوانون عن الدعوة إلى طَرح نماذج استبدادية – من كوريا الشمالية إلى ولاية الفقيه – لكنّهم يُغلّفونها هذه المرة بطابع "عِلماني" زائف.

خلال الأيام الماضية، خرجت من جحورها بعض الأصوات التي اعتادت التنمّر تحت عباءة المقاومة، وشنّت هجوماً على إدارة الجامعة، وعلى شخصي تحديداً، متهمةً إيانا بإهانة القضية الفلسطينية، وبتنفيذ "أجندة صهيو - أميركية"، وذلك بعد تأجيل "أسبوع فلسطين" لبضعة أيام، ومَنع حدوث نشاط يتضمن عرض أسلحة داخل الحرم الجامعي، تحت غطاء "أكاديمي" تفوح منه رائحة البروباغندا الإيرانية والخطاب المُعادي للسامية.

واللافت أن الفعاليات المرفوضة لم تُلغَ من قبل الإدارة، بل من لجنة "أسبوع فلسطين" نفسها، التي ضمّت أساتذة من كليات مختلفة، واتخذت قرارها بناءً على معايير أكاديمية واضحة. لكن، وكما جرت العادة، هذا الأمر لم يُعجب "حزب الله"، فاستنفر إعلامه الأصفر وشَنّ حملة شَعوَاءَ على الجامعة.

في المقابل، رأى البعض أن السماح بتنظيم فعاليات حول الحرب الأهلية اللبنانية يجب أن يُقابَل بفتح المجال لنشر خطابهم العقائدي في الحرم الجامعي. وهذا طرح عبثي، خاصة أن هذا الحَرَم العريق أُسّس عام 1866، قبل نشوء الجمهورية اللبنانية، وقبل ولادة الحرس الثوري ومجموعات القتل التي اغتالت الرئيس التاسع للجامعة، مالكوم كير، أستاذ دراسات الشرق الأوسط، وصديق القضية الفلسطينية الحقيقي.

بكل صدق ووضوح، إن الحرب الأهلية اللبنانية في ذكراها الخمسين تستحق أن تتصدّر جدول الأعمال الوطني والجامعي. لقد خلّفت هذه الحرب أكثر من 120 ألف قتيل، ونصف مليون جريح، وآلاف المفقودين والمهجّرين. من يَدّعي الدفاع عن فلسطين عليه أولاً أن يحترم حق اللبنانيين في الذاكرة، وفي السيادة، وفي التعبير عن ألمهم.

أما الادعاء بحرية التعبير من قبل من يُمَجّد القَمع و"كاتم الصوت"، فهو نفاق لا يمرّ. لا يمكن لمن يصرخ "الموت لأميركا" أن يتعلّم في جامعة تتلقى تمويلاً أميركياً، ويطلب من إدارتها حماية نشاطات يرفضها الضمير الأكاديمي. الحرم الجامعي ليس ساحة مفتوحة للدعاية الحزبية، ولا هو منصة لتسليح الطلاب بالأيديولوجيا بدلاً من النقد.

منذ عام 1999، ومن خلال تجربتي كرئيس لمجلس الطلبة عامي 2005 و2006، عايشت كيف تحافظ هذه الجامعة على مساحة حرّة للحوار، لكنها لم تكن يوماً ضعيفة أمام زمرة من المُزايدين. من يتخفّى خلف قضايا إنسانية عظيمة كالقضية الفلسطينية لتبرير أجندات عنفيّة، لا يمكنه أن يتواجد في أعمال ومؤسسات أكاديمية جدية. هذه القضية التي نحملها في وجداننا، متجذّرة في تاريخ الجامعة كما تتجذر أشجارها المعمّرة.

الجامعة الأميركية وأبناؤها لم يخافوا من الرصاص، ولم يُغلقوا أبوابهم في عزّ الحروب، فكيف ينكسرون أمام حملة تخوين تنضح بالتضليل والكذب؟

ختاماً، قَتلةُ مالكوم كير غير مرحب بهم هنا. هذه جامعة خاصة، تحترم القانون اللبناني والدولي، وتنشر قِيَم الليبرالية النقدية. فإن لم يرق ذلك لجنود التجييش الإلكتروني، أو للصحافة الصفراء، أو لمخبريهم، فكما يقول زميلي العزيز "الدكتور" فاروق يعقوب: "فليدقّوا للدرك".

مكرم رباح-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا