محليات

لبنان بين لغة التصادم وضرورة التعافي: نحو مقاربة عقلانية تنقذ الوطن

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في وقت تتصاعد فيه التحديات في لبنان على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، تصبح الحاجة إلى عقل جماعي رشيد ومتماسك أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

على الساحة اللبنانية، نعيش انقسامات حادة، وتراشقاً سياسياً مستمراً، وافتقاراً للحد الأدنى من التوافق الوطني، ما يهدد ما تبقى من بنية الدولة ومقومات نهوضها. وفي هذا الإطار، تبرز ضرورة تبني مقاربة مختلفة لجميع القضايا الخلافية الداخلية، مقاربة تتسم بالروية والحكمة، وتؤكد على أولوية المصلحة الوطنية العليا فوق أي مصالح فئوية أو شخصية أو طائفية.

وفي حديثه لـ"وكالة أخبار اليوم"، أكد مرجع رئاسي سابق أن "أي خلاف داخلي لا يمكن معالجته إلا من خلال التواصل المباشر بين المعنيين، بعيداً من لغة الاستفزاز والاتهامات المسبقة والمزايدات التي تزيد الانقسام وتعزز القطيعة بين الأطراف. الخطاب التصادمي، على الرغم من أن البعض يراه جذاباً في الساحة الإعلامية والشعبوية، إلا أنه يحمل في طياته بذور الخراب الوطني، ويفتح الباب أمام فوضى يصعب ضبطها، خصوصاً في بلد مثل لبنان حيث التوازنات السياسية دقيقة، والتاريخ مليء بجراح الماضي التي لا تزال تنزف في بعض المحطات".

من هنا، يصبح الحوار الجدي الملزم بنتائجه بسقف زمني غير مفتوح، لا التصادم، هو السبيل الوحيد لمعالجة الخلافات. في هذا السياق، أضاف المرجع الرئاسي السابق "أن الحوار يجب أن يُفهم كمنطق تشاركي تصالحي لا مجرد تبادل مواقع الخطاب، مؤكداً على ضرورة أن يكون ثقافة متأصلة وليس مناورة عابرة. الرهان يجب أن يكون على بناء الثقة، لا على تسجيل النقاط أو استثمار الخلافات في صناديق الاقتراع. فالخلافات هي أمر طبيعي في أي نظام ديمقراطي، ولكن الطريقة التي ندير بها هذه الخلافات هي التي تحدد مصير الوطن: إما الاستقرار والنمو أو التآكل والانهيار".

ورغم الظرف المظلم الذي يعيشه لبنان في بعض الأحيان، يلمس المرجع الرئاسي السابق ان "ثمة مؤشرات إيجابية بدأت تظهر في الأفق، مما يوحي بأن قطار قيامة لبنان قد انطلق، ولو ببطء. خطوات إصلاحية قليلة، بعض الإشارات من المجتمع العربي والدولي لإعادة تموضع تجاه لبنان، محاولات محلية لجمع الفرقاء على طاولة الحوار فعلي لا "هلامي"، كلها إشارات تبعث الأمل، حتى وإن كانت هذه الجهود لم ترتقِ بعد إلى مستوى الخلاص الشامل".

وفي هذا السياق، أشار المرجع الرئاسي السابق إلى أنه "من الصعب تصديق أن هناك مسؤولاً حقيقياً، يمتلك حساً وطنياً، سيعمل على عرقلة هذا المسار أو تعطيل الفرص المتاحة. فكل تأخير أو تعطيل إضافي في مشاريع الإنقاذ والإصلاح وسيادة الدولة على جميع اراضيها وحصرية السلاح لا يعني تجميد اللحظة فقط، بل يعني عملياً إدخال لبنان في دوامة أعمق من الأزمات، ليس لدينا ترف الخروج منها لاحقاً. فقد كانت مسيرة لبنان التاريخية والحاضرة مليئة بالفرص الداخلية المهدورة التي أسفرت عن مآلات كارثية بسبب التعنت ورفض الإصغاء لصوت العقل".

إن مسؤولية النخب السياسية، والقطاعات الفاعلة، والمجتمع المدني، بل كل فرد لبناني، هي الدفع نحو ترسيخ ثقافة الحوار والتلاقي، ورفض الخطاب الانفعالي الذي يزرع الأحقاد ولا يبني دولة. وحده منطق الشراكة الوطنية والتكافل السياسي يمكن أن يعيد للبنان دوره وهويته ووجهه الحضاري، ويمنحه القدرة على النهوض مجدداً من ركام الانهيار.

لبنان الذي نعرفه، المتنوع، المنفتح، التعددي، لا يمكن أن يعيش إلا بالتفاهم، ولا يمكن أن ينهض إلا بالتضامن. ومن يراهن على لغة الغلبة أو يسعى لفرض خياراته بمنطق القوة، فهو يساهم، بوعي أو بغير وعي، في تدمير ما تبقى من هذا الكيان. ولذلك، فإن الطريق الوحيد المتاح أمامنا اليوم هو أن نضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وأن نتعامل مع كل خلاف بروحية المسؤولية لا بروح المغالبة، وأن نؤمن جميعاً أن لا أحد يمكنه النجاة إذا ما غرق المركب اللبناني بالجميع.

داود رمال – "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا