“الدّرس” البلديّ الأوّل: لا زعامة مسيحيّة لكن…
فور انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في جبل لبنان، قدّم النائب جبران باسيل ورئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع مقاربتين مسيحيّتين مختلفتين تمهّدان للمعركة النيابية الكبرى في أيّار المقبل. على الرغم من الـ vibes العائليّ الحادّ للاستحقاق البلدي، وعلى الرغم من التحالفات الهجينة التي طبعت بعض اللوائح في بلدات لها رمزيّتها، يمكن استخلاص زبدة سياسية من أولى جولات البلديّات، التي ستُستكمل في الشمال الأحد المقبل، تحديداً في البترون، الكورة، بشرّي وزغرتا:
-“التيّار الوطني الحرّ” حافظ على نواته الصلبة على الرغم من تصويره وكأنّه شبه “ميّت سريريّاً” في السياسة.
-“القوّات”، على الرغم من تصوير نفسها بأنّها “المنتصر الأكبر” بخيارها السياسي بعد التسونامي الذي لفح المنطقة والداخل، لم تُثبت “فائض قوّتها” في الصناديق. وحيث سجّلت أهدافاً ذهبيّة، لم تفعل ذلك لوحدها، بل مع محادل الأحزاب والمرجعيّات المناطقية، كما في جونية. أمّا المواجهات الكبرى الآتية حول اتّحاد رئاسات البلديّات فلن تكون أقلّ شراسة.
في ما يتعلّق بالمزاج المسيحي في “جولته الأولى”، يقول النائب آلان عون لـ “أساس” إنّ “الانتخابات البلدية والاختيارية قد تعطي أحياناً مؤشّرات واستنتاجات سياسية، خاصة عندما يطغى الحضور السياسي للأحزاب على دعم اللوائح وتبنّيها. وهذا ما حصل في بعض المعارك السياسية، لكنّ هناك دائماً بعداً عائليّاً ومحليّاً في خيارات الناخبين”.
يضيف عون: “لذلك لا يمكن إصدار خلاصة عامّة حاسِمة للمزاج المسيحي، وما يجري من تبنّي بعض الأحزاب للوائح ومرشّحين، بعد فوزهم الآتي فعليّاً من عائلاتهم، فيما ليست لهذه الأحزاب علاقة بترشيحهم، هو بمنزلة مهزلة سياسية وفقاعة إعلاميّة”.
حارة حريك: انتفاضة؟
في المقابل، ارتدت معركة حارة حريك خصوصية سياسية وحزبية وطائفية عبر تنافس لائحة مدعومة من الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحرّ (كما في بلديّة الغبيري)، وتوزّعت الترشيحات كما جرت العادة بين 10 مقاعد للمسلمين، و8 للمسيحيين، على أن تكون الرئاسة للمسيحيين، وذلك بمواجهة لائحة “تجمّع عائلات حارة حريك” التي تألّفت من سبعة أعضاء مسيحيين، ومدعومة من النائب عون.
في هذا السياق يقول عون: “لقد فرضت عليّ معركة حارة حريك على الرغم من أنّني سعيت كثيراً إلى تجنّبها، وإنجاز توافق يرضي معظم العائلات، إنّما “تيار باسيل” أصرّ على الهيمنة على كلّ شيء، مستقوياً بتفاهم مُسبق مع الثنائي، وهمّش عائلات أساسيّة، وأقصى ممثّلين لها بـ “جُرم” تعاطفهم معي، أو لعدم قبولهم خوض المعركة الاختيارية مع التيّار لمواجهتي، فانتفضت هذه العائلات واتّخذت قراراً بخوض المعركة، وجاء الجواب الشافي في الصناديق”.
جعجع وباسيل
حَسَم جعجع “حدوث تغيير كبير في المجالس البلدية، خصوصاً في البلدات الكبرى، وهو ما يؤكّد أنّ الناس، بكلّ انتماءاتها السياسية، لم تعد ترضى بالفساد وسوء الإدارة”.
في مقابل الخطاب المُقتضب والعامّ لجعجع استفاض باسيل في “تشريح” العمليّة الانتخابية وإبراز قوّة التيّار، على الرغم من تأكيده سابقاً أنّه سيدعم اللوائح ولن يُشارك مباشرةً في الانتخابات. وأكّد باسيل أنّ “التيار أثبت أنّه محرّك أساسي”، وأنّ النتائج تدلّ “على انتشار التيّار في كلّ جبل لبنان، ولا يزال القوّة الأساسيّة فيه. وفي مدن أساسيّة خسرنا فيها، دخلنا انتخاباتها بهدف تأكيد وجودنا”.
قَصَدَ باسيل بذلك بلدات كجونية وجبيل والجديدة في المتن. وهي معارك خاضها التيّار مع معرفته بنتائجها مسبقاً. لكن في جونية تكمن كلّ القصّة، التي تثبت تماماً أنّ التيّار لم يتراجع، و”القوّات” لم تحدِث نتائج مفاجِئة تتماهى مع “عرض عضلات” معراب.
بالون جونية
“نَفّسَ” جبران باسيل بالون جونية المُنتفِخ حين قال إنّه “يتوسّم خيراً في رئيس بلدية جونية العتيد فيصل إفرام”، وأثنى على رئيس بلدية جبيل جوزف الشامي، ورئيس بلدية الجديدة أوغست باخوس. لا عجب في ذلك، فمثلاً أصوات آل افرام في العامين 2005 و2009 كانت تصبّ في مصلحة لوائح التيّار.
في جونية، للأرقام دلالاتها الكبيرة، والمُقارنة واجِبة أمام معركة لم تكن متكافئة بين طرفين:
لائحة سيلفيو شيحا “الشبابيّة” دعمها التيّار وحده، إلى جانب العائلات، وحصدت رقماً مُعبّراً. إذ مقابل مَحدلة “القوّات” والكتائب والقوّة التجييرية للنائبين نعمة افرام، شقيق فيصل، وفريد هيكل الخازن، والنائب السابق منصور البون، و”الإغراءات الدولوكس” التي قدّمتها اللائحة، “صبّ” هؤلاء جميعاً أصواتهم “الخاصّة” بهم، فوق بعض، ليحظى رئيس اللائحة فيصل افرام بـ 5,372 صوتاً ونائبه رشيد الخازن (شقيق فريد) بـ5,476 صوتاً، في مقابل 2,821 صوتاً لشيحا، و2,986 لنائبه روي الهوا. وهو ما يؤكّد متانة اللائحة الخاسرة، وقوّة التيار في مواجهة “المحدلة” الخماسيّة.
المهمّ أنّ الكباش سينتقل فوراً إلى داخل اللائحة الفائزة في جونية حيث يضغط نعمة افرام لانتخاب شقيقه فيصل رئيساً لاتّحاد بلديات كسروان، فيما يريد رئيس “القوّات” رئيس بلدية زوق مكايل إيلي بعينو. من المتوقّع أن “يلكّ” نعمة افرام سريعاً، ويرضى بخيار معراب.
تراجع “القوّات” في عقر دارها
في مقابل فوز “القوّات” في عدّة بلدات في جبل لبنان، ذات الثقل السياسي، وإثبات سيطرتها، فقد كان الفوز “الباسيليّ” واضحاً في بلدات أوجَعَت القوّات سياسياً، كما في العقيبة، مسقط رأس نائب “القوّات” شوقي الدكّاش، التي اجتمع فيها التيّار (رئيس اللائحة آلان عون) والكتائب في لائحة واحدة، ودير القمر، بلدة رئيس كتلة القوّات اللبنانية جورج عدوان التي خاضها بالتحالف مع الوزير السابق ناجي البستاني، في مقابل تحالف التيّار و”الأحرار”.
أمّا الحدث فقد شكّلت نصراً نظيفاً للتيّار، إذ ثبّت رئيس البلدية الحالي جورج عون موقعه ممثّلاً “حالة جامعة” حصدت جميع المقاعد الـ18 بفوارق كبيرة عن اللائحة المنافسة. في المقابل، خاضت القوات معركة أربعة مخاتير، من أصل عشرة، فازوا جميعهم وهمّ: نصرالله فرنسوا كرم وفرنسيس ياغي من، حاملي البطاقة الحزبية للقوات، وناجي عبدو الأسمر وجوني نمر من مناصري القوات. في المنصورية سجّل التيّار أيضاً فوزاً معبّراً للائحة نائب رئيس التيّار غسان خوري، على نجل رئيس البلدية وليم خوري، “المُعمّر” منذ 27 عاماً.
دروس “البلديّة”
في المتن، كما في باقي الأقضية، تداخلت التحالفات والاستنتاجات والقراءة السياسية للأرقام، لكن يمكن الإضاءة على عدّة نقاط:
– معركة رئاسة اتّحاد البلديّات تبدو شبه محسومة منذ الآن ببقاء ميرنا المر، ابنة الراحل ميشال المر، وعمّة النائب ميشال المر “جونيور”، في موقعها تحت وهج التحالف التيّاريّ-المرّيّ في معظم بلدات المتن الشمالي، الذي حصد كما قال الوزير الأسبق الياس المر 19 بلديّة من أصل 33، فيما ردّ عليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بـ”أنّه متقدّم جدّاً في معركة الاتّحاد، ولن تُحسم قبل يوم الانتخاب”، سيّما أنّ بعض البلدات التي حسمها المر لمصلحته كانت مدعومة من الكتائب وقوى خصمة. هذا يعني الكثير في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية بعد نحو عام.
– في بلديّة الجديدة-البوشرية-السدّ، المحسوبة تاريخيّاً على آل المر، فازت اللائحة المدعومة من “القوّات” والكتائب والنائب إبراهيم كنعان و”الطاشناق” برئاسة أوغست باخوس، في مواجهة لائحة التيّار برئاسة جان أبو جودة. وهي نتيجة معبّرة لجهة وقوف كنعان على المقلب المضادّ للتيّار في أولى المعارك بعد تقديم استقالته منه.
– أظهرت المتن، كما كسروان وجبيل وبعبدا والشوف، أنّ الزعامة المسيحية ليست معقودة لأحد، وأنّ بعض الحالات المناطقية فرضت نفسها، وبعض البلدات، كالكحّالة وقرطبا مثلاً، كرّست الفوز للجميع على قاعدة: tout le monde a gagné، وأخرى جمعت “القوّات” والتيّار على لائحة واحدة كبدادون.
-“نتائج المخترة”، التي تعكس التصويت النظيف، بمعنى معركة الصوت صوت لكلّ مختار، يمكن أن يُبنى عليها بالسياسة، وربّما أكثر من نتائج البلديّة. ولذلك العمل جارٍ على ما يشبه الـscan للناجحين في انتخابات المخترة، بدعم من الأحزاب الكبيرة، خصوصاً المسيحية منها في جبل لبنان، وفحص “دمهم” السياسي، والبناء على هذه الأرقام لتحديد النفوذ السياسي عند أهمّ “مفاتيح” النيابة.
ملاك عقيل -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|