الصحافة

استقبال "ناقص" للشرع: باريس تبحث عن تجذير نفوذها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في زيارته الأولى إلى أوروبا، وصل الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث أجرى لقاء مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي تسعى بلاده لتجذير حضورها في الملف السوري، في مرحلة ما بعد نظام الأسد. وتأتي زيارة الشرع تلبية لدعوة سابقة وجّهها إليه ماكرون، الذي كان أجرى اتصالاً مرئياً بالأول، في آذار الماضي، خلال زيارة للرئيس اللبناني، جوزيف عون، لباريس، لبحث التطورات الأمنية على الحدود بين سوريا ولبنان، وسبل ترسيمها.

وسبق الزيارة إعلان الإليزيه عن جملة من المواضيع الموضوعة على طاولة الحوار، وأبرزها العدالة الانتقالية، والحوار الوطني، والمسار السياسي الانتقالي، ومكافحة الإرهاب، واللاجئون والحدود مع لبنان، بالإضافة إلى العقوبات وإعادة الإعمار، ومعاقبة مرتكبي الجرائم الطائفية. كما استبق وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، وصول الشرع بالتأكيد أن بلاده لن تقدّم «شيكاً على بياض» لسوريا، وستحكم على الأخيرة بناءً على أفعالها، في إشارة إلى السياسة التي أعلن الاتحاد الأوروبي انتهاجها حيال سوريا، بعد تجميد بعض العقوبات المفروضة على هذا البلد.

ولم يحظَ الشرع، الذي رافقه رئيس جهاز الاستخبارات حسين سلامة، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح - في أول مشاركة لوزير غير الشيباني في زيارات الرئيس الانتقالي الخارجية -، بالاستقبال البروتوكولي المعتاد الذي تلقى به باريس ضيوفها الزعماء، في دلالة على التزام الأخيرة بالنهج الأميركي غير المعترِف حتى الآن بحكومة الشرع، ومحاولة استثمار هذه الزيارة إلى أقصى حد ممكن من دون تقديم اعتراف كامل بتلك الحكومة.

وأشار الرئيس الفرنسي، بعد لقائه الشرع، إلى أن بلاده تدعم إعادة بناء سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مضيفاً أنه أخبر ضيفه بضرورة حماية كل السوريين وملاحقة المسؤولين عن أعمال العنف، مشدّداً على أنه «لا يمكن تجاهل موجة العنف الطائفي الجديدة في سوريا». وقال: «يجب ألّا يفلت من العقاب أي مسؤول عن المجازر في سوريا».

كما أعلن ماكرون أن بلاده مستعدّة لإطلاق مفاوضات بين سوريا ولبنان لترسيم الحدود. وتابع «(أنني) أكّدت للرئيس السوري أننا سنلاقيه في منتصف الطريق إذا واصل السير على نهجه»، مشيداً بالاتفاق الموقّع بين الإدارة الجديدة و»قوات سوريا الديمقراطية». وحذّر من أن «داعش ما زال يشكّل تهديداً ونريد من سوريا مكافحة جميع الفصائل الإرهابية»، مضيفاً أن باريس ستعمل مع شركائها الأميركيين والأمم المتحدة من أجل دعم سوريا، معلناً عن وجود مساع «لرفع تدريجي لعقوبات الاتحاد الأوروبي عن سوريا والضغط على واشنطن لاتّباع المسار نفسه أيضاً»، وفق تعبيره.

بدوره، حاول الشرع التخفيف من حجم المجازر التي تمّ ارتكابها في الساحل السوري على خلفية طائفية، معتبراً أنه «جرى تضخيمها». وسرد جملة من الملفات التي تؤكّد تعاون إدارته مع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، من بينها محاربة المخدّرات والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وقال إن «مستقبل سوريا لن يصاغ في غرف مغلقة ولن يُقرر في عواصم بعيدة»، مشيراً إلى أنه بحث مع ماكرون «أمن الحدود والهجمات الإسرائيلية المستمرة والوضع الحدودي مع لبنان».

ولفت إلى أن «إسرائيل قصفت سوريا أكثر من 20 مرة خلال الأسبوع الماضي، تحت ذريعة حماية الأقليات»، مؤكداً في الوقت ذاته ما تمّ تسريبه سابقاً حول وجود مفاوضات مع إسرائيل بوساطة إماراتية. وأوضح أن «المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل هدفها التهدئة ووقف الانتهاكات الإسرائيلية (...) نتحدث مع كل الدول التي تتواصل مع إسرائيل للضغط عليها لوقف انتهاكاتها في سوريا»، وفق تعبيره.

كما تطرّق الشرع إلى ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، والذي تشترط واشنطن إبعادهم عن السلطة وطردهم لفتح علاقات مع دمشق، مشيراً إلى أن إدارته قدّمت ضمانات لجميع الدول بأن «المقاتلين الأجانب سيلتزمون بالقانون السوري وعدم الإضرار ببلادهم». وادّعى بأن «هؤلاء جاؤوا إلى سوريا فرادى لا جماعات دعماً للشعب السوري خلال الثورة»، مضيفاً أن الدستور السوري سيحدد حق من سيحصل على الجنسية من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم. وكان أجرى الشرع، قبل لقائه ماكرون، لقاء استعراضياً مع المصوّر العسكري المنشق المساعد أول فريد المذهان، المعروف باسم «قيصر».

وبشكل عام، لا يمكن النظر إلى الزيارة على أنها مؤشر إلى انفتاح كبير بين سوريا وفرنسا، وإنما محاولة متبادلة لتحقيق أكبر مصالح ممكنة من هذه العلاقة، إذ تسعى فرنسا، التي سارعت إلى تصدر المشهد الأوروبي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد بالتعاون مع ألمانيا، لزيادة الضغوط على روسيا التي تملك قاعدتين عسكريتين في سوريا (حميميم الجوية وطرطوس البحرية)، وعدم التفريط في الملف السوري وتركه لتركيا، المتنفّذ الأكبر في الوقت الحالي. وفي المقابل، يسعى الشرع، الذي تلقّف دعوة فرنسا ولبّاها، إلى محاولة ترسيخ حكومته وتأكيد شرعيتها، وتوسيع قنوات التواصل مع المجتمع الأوروبي، بالإضافة إلى تجاوز الأزمات المتراكمة على إدارته على خلفية مجازر الساحل وغيرها.

«وساطة» إماراتية بين الشرع وإسرائيل

بعد يوم واحد من زيارة أجراها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث التقى عدداً من المسؤولين، بينهم الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، في إطار مساعي أنقرة لتوسيع قنوات التواصل مع تل أبيب وبحث إمكانية إبرام اتفاق ينهي حالة التصعيد على الأرض السورية، نشرت وكالة "رويترز" تقريراً يؤكّد وجود مساعٍ إماراتية لفتح الأبواب بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ونقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر مطّلعة أن الإمارات فتحت قناة اتصال لمحادثات بين الجانبين، وأوضحت أن مصدراً مطّلعاً ومسؤولاً أمنياً سورياً ومسؤول مخابرات إقليمياً أفادوا بأن الاتصالات غير المباشرة، والتي لم يُعلن عنها سابقاً، تركّز على "مسائل أمنية ومخابراتية وبناء الثقة بين دولتين لا تربطهما علاقات رسمية". ووصف المصدر الأول الجهود التي بدأت بعد أيام من زيارة الشرع للإمارات في 13 نيسان، بأنها تتمحور حول "مسائل فنية"، مضيفاً أنْ لا حدود لما قد يشمله النقاش في نهاية المطاف. ومن جهته، قال المصدر الأمني ​​السوري الكبير إن قناة الاتصال تقتصر فقط على القضايا الأمنية، مع التركيز على عدد من ملفات مكافحة الإرهاب، مضيفاً أن المسائل العسكرية، وخاصة تلك المتعلقة بالاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، خارج نطاق المناقشات حالياً. وذكر المصدر المخابراتي، بدوره، أن مسؤولين أمنيين إماراتيين وآخرين في المخابرات السورية ومسؤولين سابقين في المخابرات الإسرائيلية شاركوا في قناة الاتصال.
ولا يُعتبر تقرير الوكالة مفاجئاً، أو خارجاً عن سياق السياسة التي يتّبعها الشرع، الذي أعلن منذ وصوله إلى السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد، اتّباع سياسة النأي بالنفس عن أي صراعات إقليمية. كما ردّ على شروط أميركية للانفتاح على حكومته بالتعهّد بحماية الجوار، بما في ذلك إسرائيل، التي عمدت قبل أيام، في سياق محاولتها توسيع دائرة نفوذها على الأراضي السورية، إلى قصف القصر الجمهوري في دمشق، في وقت تقدّم فيه نفسها "حامية للدروز"، وتحتلّ مناطق واسعة في الجنوب.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا