معلومات مثيرة لم تُكشف عن الأجنّة البشرية في صيدا.. تنشرها "القناة الثالثة والعشرون"
وفاة طفلة تفضح قطاعًا مفككًا يُسلّم الأطفال للموت باسم الرعاية!
تعرّض قطاع دور الحضانة في لبنان خلال السنوات الأخيرة لانتكاسات متتالية، بدأت مع الأزمة الاقتصادية الخانقة، مروراً بجائحة كورونا، ووصولاً إلى تداعيات الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على البلاد. هذا القطاع الحيوي، الذي يُفترض أن يشكّل مساحة آمنة لنمو الأطفال في سنواتهم الأولى، عانى من إهمال كبير وغياب الرقابة، ما انعكس سلباً على سمعته وثقة الأهل به. ومع بداية محاولات التعافي، برزت جهود نقابات دور الحضانة في لبنان، لإعادة تنظيم القطاع عبر ورش تدريبية ومؤتمرات توعوية، تهدف إلى رفع مستوى الجاهزية المهنية والإنسانية للعاملين فيه.
وتقع على عاتق دور الحضانة مسؤوليات كبيرة، تبدأ من رعاية الطفل وتأمين بيئة آمنة له، ولا تنتهي عند تقديم الدعم النفسي والتربوي المناسب لعمره. أما الحضانة المتخصصة فهي التي تستقبل الأطفال في مراحل حرجة من نموهم، لا سيما الرضّع دون عمر السنة، وتتطلب وجود اختصاصيين في الرعاية الأولية والتمريض والتغذية، فضلاً عن موظفين مدرّبين على التعامل مع أي طارئ صحي أو سلوكي.
النظم عشوائية!
بناء على ما ذكر، كثيراً ما تُخرق هذه المعايير، ما يفسّر تكرار الحوادث المؤسفة داخل بعض الحضانات، من بينها حالات تعنيف، وآخرها وفاة الطفلة كارول أبو موسى خنقاً بالحليب داخل إحدى الحضانات في ذوق مصبح. وقد علمت "الديار" من مصدر مطّلع على شؤون القطاع، أن هذه الحضانة تحديداً غير مسجّلة في نقابة دور الحضانات في لبنان، بل تابعة لنقابة أخرى، ما يطرح علامات استفهام حول مدى التزامها بالضوابط المهنية المطلوبة".
ويشدّد المصدر على "ضرورة أن يكون طاقم الحضانة من أصحاب الاختصاص، خصوصاً عند استقبال أطفال دون السنة، حيث يجب توافر خبرات دقيقة تُمكّن من التعامل مع الرضّع واحتياجاتهم الخاصة". كما نبّه إلى "خطورة عدم تدريب العاملين كافة، من الحارس إلى المربية، على التعامل مع الأطفال وحالات الطوارئ"، مشيراً إلى "أن غياب هذا التدريب قد يؤدي إلى كوارث لا تُحمد عقباها".
وفيما يسلّط المصدر الضوء على ظاهرة التنقّل العشوائي للموظفين بين الحضانات، يوضح أن "بعضهم ينتقل من مركز إلى آخر مقابل فارق مالي بسيط، حتى دون تأمين بديل، ما يخلّف فراغاً خطراً في الرعاية". وتساءل: "كيف لمؤسسة تتقاضى مبالغ مالية من أهالي الأطفال، ألا تؤمّن رواتب لائقة تُبقي موظفيها وتحفّزهم على أداء مهامهم؟ ولماذا لا تُخضع العاملين لتقييم نفسي أو اجتماعي دوري، يضمن سلامة البيئة التربوية داخل الحضانة"؟
ويكشف المصدر ذاته ان "الملف معقد وان صدور القرار القضائي في هذه القضية ليس في الوقت القريب، نتيجة الضغوط التي يتعرض لها الملف لتحريف بوصلة التحقيق عن مساره العادل، إذ ان المرجع المعني ذو نفوذ، ويضغط من أجل سحب الشكوى من قبل أهل الطفلة. من هنا، فان إعادة الثقة بهذا القطاع تبدأ من احترام القواعد، ووضع مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، فالحضانة ليست مجرد مكان للرعاية النهارية، بل هي المحطة الأولى في بناء الإنسان".
تفاصيل الحادثة: كارول اختنقت فماتت!
تقول خالة الطفلة لـ "الديار": "عندما توفّيت كارول، اتصلوا من الحضانة بوالدتها، التي كانت في عملها عند تمام الساعة الثامنة والنصف صباحاً، ليخبروها أن ابنتها فاقدة الوعي. قالوا لها: "يا مدام، الحقينا". فسألتهم الوالدة بدورها عن السبب، وإذا كان قد أصابها شيء، إلّا أن المعنيين في الحضانة حاولوا طمأنتها بأن لا شيء خطِر، وأن الطفلة فقدت وعيها فقط. عندئذ طلبت منهم الأم الاتصال بالصليب الأحمر، ريثما تُخبر والد الطفلة، الذي كان قريباً من مكان الحضانة، أي في ذوق مصبح".
وتتابع الخالة: "لم تتذكّر أختي من شدة الصدمة، ما إذا اخبروها بأنهم اتصلوا بالصليب الأحمر، ولكنه لم يأتِ. إنما تتذكّر أنها سمعت منهم ان الدفاع المدني في طريقه إلى المكان لنقل الطفلة، التي وصفت بأنها "غائبة عن الوعي"، وفقا لرواية إدارة الحضانة. لكنها في الواقع، كانت قد فارقت الحياة، بحسب ما رآه والدها عندما وصل إلى الحضانة قبل وصول فرق الاسعاف. لكن شقيقتي أغلقت الهاتف، واتصلت بزوجها وطلبت منه الذهاب إلى الحضانة، وأخبرته أنها ستلحق به. وعلى الفور، انطلق الزوج، الذي كان يبعد حوالى 7 دقائق عن الحضانة، وتمكّن من الوصول بسرعة لأنه كان يستقل دراجة نارية. وعندما وصل، وجد أن العاملين في الحضانة كانوا يحاولون إسعاف ابنته، وكانت الفتاة بلونٍ أزرق وشبه منتهية. وهنا سأل الوالد عن الممرضة التي من المفترض أن تكون حاضرة بشكل دائم في الحضانة، فأجابه أحدهم بأنها في إجازة. وبعد مضي نحو 5 دقائق، وصل الدفاع المدني، وكانت الصدمة الكبرى أن أحداً من الحضانة لم يُرافق الوالد وابنته إلى المستشفى، في حين أن الفتاة الموجودة في سيارة الدفاع المدني هي التي تولّت إسعاف الطفلة".
وتقول: "بعد وصولهم إلى مستشفى سيدة جبل لبنان، تم إدخال الطفلة مباشرة إلى قسم الطوارئ، حيث كانت بلا نبض ولونها أزرق. حاولوا إنعاشها لمدة 45 دقيقة، وبينما كان طبيب الطوارئ يحاول إسعافها، تمّ شفط الحليب من مجرى التنفّس، والتقرير الطبي يؤكد ذلك. وبعد مضي نحو ساعة، أخبرنا الطبيب انها توفّيت، بعد استنفاد كل وسائل الإنقاذ، حيث توقّف القلب والنبض بشكل نهائي".
وتُضيف "طلب الأهل طبيبا شرعيا، الذي أكّد بدوره أن الرضيعة توفّيت نتيجة اختناق، ورجّح أن وفاة الطفلة قد تكون ناجمة عن ارتجاع الحليب الذي صعد وتسبّب بشردقة الطفلة، ما أدّى إلى وفاتها. وهنا أُشدّد على أن الطبيب قال بشكل حاسم إن الطفلة البالغة 4 أشهر توفّيت اختناقاً في الحضانة، ما يعني أنها فارقت الحياة بسبب الإهمال".
وتُشير إلى أن "شقيقتها سجّلت ابنتها منذ شهر في هذه الحضانة، علماً بأن أولادها الأكبر كانوا في الحضانة نفسها. كما أن شقيقتي كانت تعرف الممرضة وجميع الموظفين العاملين في المركز من خلال ابنتها الكبرى".
وتختم: "أختي لم تكن أمّاً مهملة، ولكن للضرورة أحكام. حتى إنها عندما عادت لتسجيل ابنتها التي توفّيت، سألت عن الممرضة وعن أدقّ التفاصيل، مثل كاميرات المراقبة والنظافة، وحتى وجود حمّام داخل الغرفة، حتى لا تترك ابنتها ولو لدقيقة وحدها. بل إنها قضت يوماً كاملًا في أوّل يوم للطفلة في الحضانة، لترى بعينها وتطمئن على طفلتها. وشقيقتي، قبل أن تكون عنصرا في الجيش اللبناني، كانت تعمل في مستشفى معروف في قسم حديثي الولادة، وفي قسم الولادة، لذلك هي تملك خبرة واسعة في هذا المجال".
"التملّص" من المسؤولية بات عادة!
من جانبه، يقول نقيب أصحاب دور الحضانات المتخصصة شربل أبي نادر لـ "الديار": "لا يمكنني الإدلاء بأي تعليق بشأن الحادثة، إذ لم تُعرف بعد تفاصيل الملابسات وما جرى بالضبط، في ظلّ التكتّم الذي يحيط بالتحقيقات. وتشرف على هذه القضية كلّ من وزارة الصحة والنقابة، ومن المتوقع صدور القرار الظني اليوم، أو في أقصى حدّ غداً".
ويُشير إلى أنّ "الممرضة التي كانت تعمل في الحضانة تركت وظيفتها منذ نحو شهر". ويستطرد موضحا: "في جميع الأحوال، يجب على الحضانة إبلاغ وزارة الصحة فوراً، ويُمنح لها مهلة تمتد الى شهرين لتوظيف بديل عنها. لا أعلم إن كانت الحضانة قد أبلغت الوزارة بهذا الأمر أم لا. فإن كانت قد فعلت فلا تُعدّ مخالِفة، أما إذا تقاعست عن الإبلاغ، فإنها بذلك تكون قد ارتكبت مخالفة صريحة".
ويُشدّد على أنّه، وبحسب الأعراف، ينبغي على الحضانة إبلاغ أهالي جميع الأطفال، سواء الرضّع منهم أو الأكبر سنّاً، بأن الممرضة قد غادرت، وبأن الوزارة أُخبرت بذلك، مع توضيح أنّ المهلة القانونية لتعيين بديلة قد تمتد الى شهرين".
المسؤولية القضائية
من الناحية القانونية، يقول المحامي عبادة لـ "الديار": "ان الحضانة التي تقع فيها وفاة طفل تعد مسؤولة مباشرة أمام القضاء، إذ يُفتح تحقيق جنائي لتحديد ملابسات الوفاة، وإذا كانت ناجمة عن إهمال أو تقصير، وإذا كانت شروط السلامة والرعاية مؤمنة. في حال ثبت التقصير أو الإهمال، يلاحق المسؤولون داخل الحضانة، سواء الإدارة أو الموظفون قضائياً بجرائم قد تصل إلى القتل غير العمد أو الإيذاء المفضي إلى الموت، وفقاً للقانون اللبناني".
ويتابع "يطرح هذا الواقع أسئلة أساسية حول مدى التزام الحضانات بالقانون المنظّم لهذا القطاع. فعلى الرغم من وجود إطار قانوني تنظيمي مرتبط مباشرة بوزارة الصحة العامة، فإن الواقع يُظهر أن عدداً من الحضانات تعمل دون ترخيص واضح، أو غير خاضعة للرقابة المباشرة من النقابة المعنية"، مشيراً إلى "أن بعض الحضانات، كالتي توفيت فيها الطفلة كارول أبو موسى، غير مسجّلة في نقابة دور الحضانة بل في نقابة أخرى، ما يفتح الباب أمام فوضى تنظيمية تستدعي تدخلاً تشريعياً عاجلاً يعيد ضبط هذا القطاع الحساس، ويمنع أي جهة غير مؤهلة من العمل تحت مظلة مؤسسات الطفولة المبكرة".
غياب التنسيق وتدني المقاييس
ويوضح مصدر في وزارة الصحة لـ "الديار" انه "بحسب القوانين اللبنانية، تخضع دور الحضانة لمراقبة وزارة الصحة العامة، وهي الجهة التي تمنح التراخيص وتتابع مدى التزام المؤسسات بالمعايير الصحية والبيئية والتربوية. كما يُفترض أن تتعاون الوزارة مع نقابة دور الحضانة، وهي الجهة النقابية المرجعية التي تنظم شؤون العاملين والمؤسسات ضمن هذا القطاع، وتحرص على التزامهم بالتدريبات والتحديثات المستمرة. غير أن غياب قاعدة بيانات موحدة وفعّالة، وتعدد المرجعيات بين النقابات والوزارات، أديا إلى خلل واضح في الرقابة، ما يسمح بوجود حضانات خارج الإطار القانوني أو غير مستوفية للشروط، دون أن تتم محاسبتها إلا بعد وقوع الكارثة".
ويؤكد أن "غياب التشدد في تطبيق القوانين، ووجود ثُغر في نظام التراخيص والمتابعة، يسهم في تفشي الحوادث المأسوية داخل الحضانات. كما أن انعدام نظام مراقبة داخلي يُلزم كل حضانة بتقديم تقارير دورية عن أوضاع الأطفال، وحالة الموظفين، وخطط الطوارئ، يجعل من هذه المؤسسات بيئة هشّة ومعرّضة للخطر".
قانون العمل صارم... من يلتزم به؟!
وسط هذه المعطيات، تشير المعلومات ان السيدة التي كانت تشرف على رعاية الطفلة كارول أبو موسى، التي توفيت اختناقاً بالحليب داخل الحضانة، هي من الجنسية السورية. وهنا تطرح علامات استفهام حول قانونية تشغيلها، إذ إن قانون العمل اللبناني بحسب مصدر في وزارة العمل "يشترط على أي أجنبي يرغب في العمل، الحصول على إجازة عمل مسبقة من وزارة العمل، وهو ما لا ينطبق عادة على العاملين في دور الحضانة، كون هذا القطاع يُصنّف ضمن المهن التربوية والرعائية التي يُفترض أن يشغلها لبنانيون، أو أجانب مرخّصون بشكل خاص. كما أن لوائح وزارة العمل التي تحدد المهن المسموح بها للسوريين، غالباً ما تقتصر على الأعمال اليدوية أو الزراعية، ولا تشمل العمل المباشر مع الأطفال في دور الحضانة.
وبالتالي، فإن تشغيل أي أجنبي في هذا القطاع، من دون إجازة قانونية واضحة والتراخيص المطلوبة، يُعد مخالفة صريحة للقانون، ويكشف عن فجوة خطرة في الرقابة على هذه الدور، ويطرح تساؤلات حول مدى التزام الحضانة المُشار إليها بالشروط القانونية، لتوظيف الكوادر المؤهلة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|