هل دقت ساعة الترسيم مع سوريا؟
سلّمت قيادة الجيش الإحداثيات والخرائط التي تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي، وتبرز تفاصيل النقاط الحدودية بين لبنان وسوريا. وفي معلومات لـ “نداء الوطن” هذه الخرائط التي سبق وسلّمها السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو إلى وزير الخارجية يوسف رجي دقيقة للغاية، وبالتالي يفترض بعد مطابقتها في مديرية الشؤون الجغرافية مع الإحداثيات الموجودة، أن تصبح الصورة شاملة لتبدأ على الأرض مرحلة ترسيم الحدود شمالاً وشرقاً. تضيف المعلومات، أنّ هذه الوثائق تغطّي مناطق حدودية خلافية، من ضمنها مزارع شبعا، في مبادرة فرنسية لتسهيل الترسيم.
ستكون هذه الخطوة هي الأولى على خط تصحيح العلاقات. فمنذ توقيع وثيقة الوفاق الوطني في الطائف عام 1989، شُيّدت العلاقة بين لبنان وسوريا على ركيزة “العلاقات المميزة”، وهي عبارة صيغت آنذاك لتكريس واقع النفوذ السوري في لبنان، والذي تطوّر لاحقاً إلى وصاية سياسية وأمنية شاملة. وقد تُوّج هذا النفوذ بإنشاء المجلس اللبناني السوري الأعلى، وتوقيع سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات التي اعتُبر بعضها مخالفاً لمبدأ التكافؤ في السيادة، وأُبرم في ظلّ ضغوط سياسية غير متكافئة.
لكن اليوم، وبعد تغيّر المعادلة السياسية في سوريا، بات لزاماً على الدولة اللبنانية إعادة النظر في الأسس القانونية والدستورية الناظمة لتلك العلاقة، على أساس تحديثها نحو الشراكة الندية والسيادة المتبادلة.
أولاً: “وثيقة الطائف” ومبدأ العلاقات المميزة
تُشكّل “العلاقات المميزة، بين لبنان وسوريا أحد المبادئ المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني، لكنها لم تُترجم في حينه إلى شراكة قائمة على الندية، بل تحوّلت إلى غطاء دستوري للهيمنة السورية على القرار اللبناني. وكان المجلس اللبناني السوري الأعلى، الذي تأسّس بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق لعام 1991، الأداة التنفيذية لهذا الغطاء. وقد بات وجوده حالياً رمزاً لعصر انتهى ولا يمثل وقائع المرحلة الجديدة.
ثانياً: ما الذي يجب تعديله أو إلغاؤه؟
في ضوء التغيّرات الحاصلة، بات من الضروري:
1. إعادة النظر في معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق لعام 1991، التي أنشأت المجلس الأعلى.
2. إلغاء أو تعديل الاتفاقيات الثنائية الموقعة في ظل انعدام الإرادة السيادية للبنان.
3. إلغاء المجلس اللبناني السوري الأعلى أو استبداله بآلية تنسيق دبلوماسي.
4. إعادة تعريف “العلاقات المميزة” على أساس المصالح المتبادلة والسيادة المتبادلة.
ثالثاً: ترسيم الحدود البرية والبحرية:
يشمل هذا الملف ثلاث قضايا أساسية: مزارع شبعا، الحدود البرية، والحدود البحرية.
مزارع شبعا: لبنان يطالب باعتبارها أراضيَ لبنانية، والمطلوب اتفاق خطي من النظام السوري الجديد.
الحدود البرية: غياب الترسيم الرسمي يتسبّب في فوضى مزمنة.
الحدود البحرية: ضرورة ترسيمها لحماية الثروات البحرية.
رابعاً: أزمة النازحين السوريين: تحدّ سيادي واجتماعي
يشكّل ملف النازحين أزمة بنيوية للبنان، وقد بات من الضروري التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة لضمان عودتهم بشكل كريم وآمن، بالتعاون مع المجتمع الدولي، وحفظاً لاستقرار البلدين.
خامساً: الحقوق المائية المشتركة في نهر العاصي والنهر الكبير
إحدى أبرز الثغرات في العلاقات اللبنانية – السورية تكمن في غياب اتفاقيات واضحة وعادلة لتحديد الحصص المائية في الأنهار العابرة للحدود، وعلى رأسها نهر العاصي والنهر الكبير الجنوبي.
في ما خص نهر العاصي، لا يتمتع لبنان بأي اتفاق رسمي واضح يكرّس حصته المائية، بل تعمد السلطات السورية تاريخياً إلى التحكم الكامل بمجرى النهر واستثماره.
أما النهر الكبير، فهو أيضاً يُستخدم من الطرف السوري بشكل غير منظم، دون التوصل إلى اتفاق ثنائي ملزم يُحدّد كيفية تقاسم المياه وفقاً للقواعد الدولية.
ومع اتساع ظاهرة الشحّ المائي، بات من الضروري تضمين ملف الحقوق المائية في أي مفاوضات ثنائية جديدة، على قاعدة القانون الدولي للمجاري المائية غير الملاحية (اتفاقية نيويورك لعام 1997).
إذاً، ما تشهده سوريا من تحوّلات بنيوية هو فرصة أمام لبنان لاستعادة المبادرة وصياغة جديدة تليق ببلدين جارين يربطهما التاريخ والمصير.
ملحق: الاتفاقيات الثنائية بين لبنان وسوريا
شهدت العلاقات اللبنانية – السورية، وخصوصاً خلال مرحلة ما بعد الطائف، توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية التي شملت مختلف القطاعات، وغلب على الكثير منها طابع التبعية وعدم التكافؤ. وفي ما يلي عرض لأبرز هذه الاتفاقيات التي ينبغي مراجعتها اليوم:
1. معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق – 22 أيار 1991 – الإطار العام للعلاقات وإنشاء المجلس الأعلى.
2. اتفاقية الدفاع والأمن – 1 أيلول 1991 – تنظيم التعاون الأمني والعسكري.
3. اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري – 16 أيلول 1993 – تعزيز التبادل الاقتصادي.
4. اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرّة – أيلول 1993 – تخفيض الرسوم الجمركية.
5. اتفاقية تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية – آب 1998.
6. اتفاقيات في قطاعات الزراعة، الصناعة، النقل، الصحة، الإعلام، التعليم، البيئة، الطاقة، وغيرها.
7. تفاهمات قضائية وأمنية غير منشورة بالكامل – أبرزها تسليم المطلوبين والتنسيق الأمني المباشر.
نخلة عضيمي - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|