الصحافة

الدور الفرنسي في سوريا على إيقاع المتغيّرات!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تخف فرنسا اهتمامها بالمتغيّرات في سوريا، ورغبتها في العودة إلى هذا البلد الذي كان لها فيه وجود سياسي، اقتصادي، وثقافي بارز، بدأ منذ القرن السادس عشر الميلادي، مع وصول الإرساليات إليه، بلوغاً إلى مطالع عشرينات القرن المنصرم، على إثر انتهاء الحرب الكونية الأولى، ووقوعه تحت الانتداب الفرنسي إلى جانب لبنان، تبعاً لاتفاقية سايكس- بيكو التي حدّدت مناطق النفوذ في البلدان العربية التي كانت خاضعة للاستعمار العثماني، وعُهدت إلى كل من فرنسا وبريطانيا حكمها إلى حين التأكّد من أهليتها في إمساك زمام السلطة فيها والنهوض بها.

وانطلاقاً من هذه النظرة التاريخية في علاقة باريس ودمشق، ومعرفة الأولى بدقائق الديموغرافيا السورية، والعوامل الجيوسياسية التي تحملها على صوغ مقاربة جديدة في التعامل مع الواقع المستجد بعد سقوط نظام بشار الاسد، فإنّ الرئيس إيمانويل ماكرون حرص على فتح الباب أمام الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع ومحاورته في شأن مستقبل العلاقة بين البلدين، خصوصاً انّ الأخير- وعلى رغم من الحذر الذي أشاعه وجوده على رأس السلطة في عاصمة الأمويين- يحظى بدعم أميركي مباشر، مصحوباً بحرص على تغيير «اللوك» الذي أثّر عليه، وإبرازه وجهاً مدنياً متقدّماً ليس فيه اي أثر من صورة «الجولاني». ولكن لفرنسا في سوريا تاريخاً من التواصل مع الأقليات فيها، عندما كانت تتشكّل ملامح الدولة فيها، وكانت يومها مقسّمة إلى مناطق عدة، وهناك وثائق تؤكّد مطالبة زعماء العلويين بالالتحاق بـ»دولة لبنان الكبير»، ومطالبات أخرى مماثلة من فاعليات مسيحية، لكن خيار السير بسوريا الواحدة الموحّدة هو الغالب.
ويقول مصدر ديبلوماسي واكب محادثات ماكرون ـ الشرع، إنّ الأول لم يكتم خوفه على مصير الأقليات الإسلامية والمسيحية، خصوصاً بعد الأحداث التي وقعت في الساحل السوري وطاولت العلويين والمسيحيين، وتلك التي تعرّض لها الدروز في جرمانا وصحنايا والسويداء، عدا ما أصاب المواطنين الشيعة في مناطق عدة وأدى إلى تهجير كثيرين منهم، وإنّ الرئيس الفرنسي شدّد على أمرين:
الاول، الحرّيات العامة. والثاني، حماية الأقليات.
ويضيف هذا المصدر، أنّ فرنسا ترى وجوب إعطاء الشرع فرصة، وتسهيل مهمّته، لأنّ المطلوب منه ليس القبض على زمام السلطة في كل أنحاء البلاد فحسب، بل لجم التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي لا تزال خارجة عن قبضتها، وحملها على الانخراط في أجهزة الدولة وإداراتها، والسير بمنطقه بعيداً من إيديولوجيتها المتعددة.
وتشدّد باريس على ضرورة منح الشرع فرصة السعي إلى تثبيت سلطته في سوريا، وعدم مواجهته بالتشكيك، وإطلاق أحكام مسبقة في حقه، لأنّ مرحلة ما بعد الاسد ستكون صعبة ومعقّدة على غير مستوى وصعيد، وأنّ كل تقدّم في سوريا سينسحب إيجاباً على لبنان، وأنّ تسليم ماكرون الشرع الوثائق الخاصة بالحدود اللبنانية - السورية التي ترقى إلى العام 1920، وتزويد الجانب اللبناني نسخة منها، هو من باب مساعدة البلدين على تجاوز المشكلات الحدودية المزمنة بينهما، ومساعدتهما في ضبط التهريب وإسقاط كل أسباب الشكاوى التي تتذرّع بها بعض الجهات ومنها إسرائيل لتبرير اعتداءاتها على لبنان. ويبدو أنّ الطريق سالكة حالياً بين باريس ودمشق، بدليل حصول الشركة العالمية CMA - CGM التي يملكها فرنسي- لبناني من أصل سوري، على التزام تشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لمدة ثلاثين سنة، لأنّ مثل هذا الأمر لا يمكن أن يتمّ بمعزل عن الحسابات السياسية آلانية والبعيدة المدى. وإذا كانت باريس تدرك أنّ سوريا الجديدة دخلت في المدار الأميركي، وأنّ الرئيس دونالد ترامب يتابع ملف التطورات فيها ويدرس حدود اهتمام واشنطن بها، فإنّها تجد أنّ ثمة فسحة لها تمكّنها من الحضور في المشهد السياسي- الاقتصادي- الأمني فيها، ولذلك قرّرت التهيئة للعودة الديبلوماسية إلى دمشق، ومهّدت لها ببعثة فرنسية يرأسها السفير جان باتيستا فيفر، تتابع الشأن السوري من مكاتب خُصّصت لها في مقر السفارة الفرنسية في بيروت، على أمل الانتقال إلى العاصمة السورية بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للمنطقة، والتي ستشمل لبنان وسوريا، في حال كانت نتيجة الزيارة إيجابية، وإذا لم تطرأ معوقات غير متوقعة. ومن دلائل حرص فرنسا على أن تبقى سوريا بلد التنوع، زار سفيرها في لبنان هيرفيه ماغرو أركان الطائفة العلوية في طرابلس في حضور ممثلين عن النازحين العلويين إلى العاصمة الثانية بعد فرارهم من الساحل السوري على إثر المجازر التي حلّت بهم، واستمع إلى معاناتهم، واعداً بنقل ما تناهى إليه إلى دولته الحريصة على الحرّيات وضمان حقوق الأقليات. إنّ فرنسا تسعى إلى تثبيت موطئ قدم لها في منطقة الشرق الاوسط، وسع ما تسمح به قدراتها، في ضوء المتغيّرات التي حصلت في المشهد الإقليمي، خصوصاً في لبنان وسوريا، والتي هي نتاج الحرب الإسرائيلية على الأول وسقوط نظام الحكم في الثانية، وما تلاه من اعتداءات صهيونية، ومحاولات قضم لوحدتها الجغرافية.
فإلى أي حدّ تنجح في انتزاع الدور الذي تتشبث به؟

جوزف القصيفي
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا