عبد المسيح: نثمّن انطلاقة العهد والحكومة بإتمام هذا الاستحقاق الديمقراطي بنجاح
الحزب بين إنكارَين...
انتهى “الحزب” أو لا يزال على حاله؟ هو سؤال اللبنانيين اليوم وغيرهم من متابعي أحوال البلد والمنطقة وحتّى العالم. فماذا في الوقائع والمعطيات؟ وماذا تقول نتائج الانتخابات البلديّة والاختيارية غير أنّ “الحزب” هو ناسه وجمهوره وبيئته الحاضنة وعناصره ومؤيّدوه، وأولئك تثبت الانتخابات الجارية في لبنان، حتّى اللحظة، أنّ تغييراً لم يطرأ عليهم.
ينزل “الحزب” اليوم منزلةً وسطى بين إنكارَين:
– إنكار من يقولون إنّه انتهى وقُضي الأمر، منطلقين من رغباتهم أكثر من انطلاقهم من وقائع ومعطيات سياسية وعسكرية أكيدة.
– إنكار من يزعمون أنّه لا يزال كما هو، منطلقين أيضاً من رغباتهم وحنينهم إلى زمن مضى، متجاهلين معطيات سياسيةً وأمنيّةً ووقائع عسكريّةً لم تعد تخفى على أحد.
بين الإنكارَين، يلتزم “الحزب” الصمت، ربّما هو “الصمت الاستراتيجي”، من دون أن يقدّم لجمهوره، قبل اللبنانيّين الذين يختلفون معه، جردةً لما جرى، أو حتّى قراءة منطقيّةً للتطوّرات والمعطيات السياسية والأمنيّة الجديدة أو المستجدّة. وفي هذا، لا يخلّ “الحزب” بعلاقته بجمهوره وبيئته الحاضنة، والآخرين المختلفين معه وعليه فحسب، بل يقطع مع نهج عوّد أمينه العامّ الأسبق السيّد حسن نصرالله مؤيّديه ومعارضيه عليه: الصدق والشفافية.
حرص الأمين العامّ الأسبق لـ”الحزب” طوال مسيرته على تقديم قراءة سياسية وعسكرية وأمنيّة دقيقة إلى أبعد حدّ لما كان يجري في زمنه، ومنها أنّه في غالبيّة الأحيان كان يشير إلى عتاده وعديده بالأرقام، وإلى مكامن الخلل أو الضعف لديه، وأسباب وموجبات اتّخاذه الكثير من القرارات المصيرية والحاسمة، سواء أيّدناها أو اختلفنا معه فيها. وكان يكشف بين الحين والآخر بعض القدرات التي يتمتّع بها.
من يتابع خطابات نصرالله خلال حرب الإسناد والمشاغلة من أوّلها إلى آخر خطاب له فيها، يتأكّد ممّا سبق. في آخر خطاباته، وبدا فيه مودّعاً ومعترفاً ضمنيّاً بالكثير الكثير، قال: “الخبر ما ترون لا ما تسمعون”. جملة مكثّفة تشي بالكثير، حتّى إنّها تُعدّ بمنزلة كلمة وداع من رجل كان يعرف إلى أين يمضي، وما الذي قد يجري، وهو الأعرف بمجريات الأمور حتّى لحظة اغتياله.
لكنّ ما نراه اليوم ونسمعه لا يُخرج “الحزب” من المنزلة الوسطى تلك، ولا ينفي الإنكارين أو يؤكّدهما. فلا “الحزب” انتهى، ولا هو حافظ على ما كان له ولديه. إلى ذلك، اختلفت المعطيات السياسية والأمنيّة والعسكرية وحتّى الجغرافيّة كثيراً عمّا كانت عليه.
وعليه، للوصول إلى أقرب نقطة إلى الحقيقة لا بدّ من تفنيد الإنكارين.
لم ينتهِ
القول إنّ “الحزب” انتهى يجافي الحقيقة والواقع. هو قول عامّ لا ينطبق على “الحزب” بكلّيّته. “الحزب” بيئة حاضنة وجماهير وفكرة. والأفكار لا تموت، وإن عفّى عليها الزمن يوماً ما. إلى ذلك، يُعدّ “الحزب” من أنجح الأحزاب في تاريخ لبنان المعاصر التي استطاعت بناء مؤسّسات حقيقية، من التربية (مدارس المهدي والمصطفى وغيرها)، مروراً بالمؤسّسات الاجتماعية (مؤسّسة الشهيد وغيرها)، وصولاً إلى المؤسّسات الصحّيّة (المستوصفات والمستشفيات من “مستشفى الشهيد راغب حرب” إلى “الرسول الأعظم”… إلخ)، وحتّى الماليّة (القرض الحسن)، والإعلاميّة (تلفزيون “المنار” وإذاعة “النور” ومجلّة “العهد”…إلخ)، وغيرها.
الحزب
وعليه، القول إنّ “الحزب” انتهى، استناداً إلى مصادرة جزء كبير من مراكزه العسكرية وأسلحته الخفيفة والمتوسّطة، قول غير دقيق. انتهى دوره العسكري، ربّما، أقلّه في الوقت الراهن، لانتفاء الظروف السياسية التي كان يستند إليها في حروبه، فالزمن زمن مفاوضات لا زمن مواجهة، وزمن رياح عاتية لا خيار أمامها سوى الانحناء، لكنّها رياح قد تنقطع فجأةً وتهبّ بدلاً منها رياح عاتية أخرى، وعندها يكون الحصول على السلاح في ليل مقدور عليه ولو أنه في غاية الصعوبة مع سوريا الجديدة.
إلى ذلك، القائلون بانتهاء “الحزب”، استناداً إلى مصادرة جزء من ترسانته العسكرية، يغفلون عن أنّ سلاح “الحزب” الحقيقي ناسه، ناسه الذين يصلهم بمؤسّساته وغيرها. سلاح “الحزب” الحقيقي بيئته الحاضنة، لا غير، فما نفع سلاح في بيئة معادية؟ أو حتّى معارضة؟ كيف يتحرّك في مناطقه إن كان الناس والأهالي (الأهالي الذين لا يزال يواجه بهم القرارات الدولية وغيرها) ضدّه ورافضين لما يقوم به؟
ما ترون لا ما تسمعون
أمّا القائلون إنّ “الحزب” لا يزال كما كان، ولم يتغيّر شيء في المعادلة والمعطيات، فبالإمكان تفهّمهم وفهم منطلقاتهم. صعب على مؤيّدي “الحزب” فهم ما جرى. فجأةً جرت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، وغاب قائد تاريخي لهم وإلى الآن لم ينجح الأمين العامّ الجديد الشيخ نعيم قاسم في ملء الفراغ الذي أحدثه غيابه، ولا أحد يتوقّع أن يفعل.
صحيح أنّ “الحزب” بقي يقاتل حتّى اللحظة الأخيرة، وظلّت صواريخه تطال أهدافاً في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، لكن ما جرى ويجري منذ وقف إطلاق النار قلَب المعادلة.
صار “الحزب” منذ وقف إطلاق النار يُستهدف يوميّاً، على الأراضي اللبنانية كافّة، وتستهدف إسرائيل عناصره بل تصطادهم واحداً واحداً من دون أن يحرّك ساكناً. أبعد من ذلك، يقدّم “الحزب” منذ انتهاء “حرب الإسناد والمشاغلة” خطاباً مزدوجاً:
– هو مع القرارات الدولية كيفما تُطبَّق (عمليّاً وعلى أرض الواقع لا يواجه التفسير الإسرائيلي والأممي للقرار 1701)، ومع الشرعيّة اللبنانية فعليّاً، وإن أبدى بعض الملاحظات.
– وهو أيضاً يحافظ على بعض لغته، مثل ترداد أنّ اليد التي ستمتدّ إلى سلاحه ستُقطَع، لكنّها لغة يتوجّه من خلالها إلى بيئته لرفع المعنويّات وتبديد بعض الخسائر، إلّا أنّها لا تتجاوز إطار اللغة واللغو. سابقاً، كان قادة “الحزب” ومسؤولوه وممثّلوه يردّدونها قولاً وفعلاً (7 أيّار مثال واضح).
لا يبدو “الحزب” اليوم قادراً ولا حتّى عازماً على تبديد الإنكارَين. ربّما هو “الصمت الاستراتيجيّ”، الذي يشرّع الأبواب أمام الكلام من كلّ حدب وصوب. الكلام الذي لا يمحو حزباً ولا يثبّته، ولا ينقص منه شيئاً أو يضفي عليه أشياء. “الحزب” هو ناس “الحزب”، هو جمهوره وبيئته الحاضنة وعناصره ومؤيّدوه، وأولئك تثبت الانتخابات البلديّة والاختياريّة الجارية في لبنان، حتّى اللحظة، أنّ تغييراً لم يطرأ عليهم.
أيمن جزيني - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|