الصحافة

الانفتاح على الشّرع يستحقّ المغامرة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هل احتضان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي كان يوماً على قوائم الإرهاب الأميركية بمكافأة 10 ملايين دولار، هو بمنزلة تشجيع للإرهابيين؟ هل يبعث هذا الانفتاح الخليجي والأميركي عليه رسالة إلى الجهاديّين بأنّ الراديكاليّة، إذا تُوّجت بتسلّم السلطة والحكم، تُكافأ بالشرعيّة؟

فرَض هذا النوع من الأسئلة نفسه حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 13 أيار الجاري، عزمه رفع كلّ العقوبات عن سوريا، مانحاً حكومة الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام ذات الجذور المرتبطة بتنظيم القاعدة، فرصة لإعادة بناء بلد دمّرته 14 سنة من الحرب. وتُوّج هذا الانفتاح بلقاء ترامب معه في اليوم التالي.

لا تخصّ هذه الأسئلة فقط البيئات السياسية والثقافية العربية المتوجّسة من مشاريع الإسلام السياسي، والمشتبكة مع معظم تشكيلاته طوال سنوات الربيع العربي. فهي ستُطرح بإلحاح أكبر على إدارة ترامب، في واشنطن، بسبب الارتباط السابق لهيئة تحرير الشام بتنظيم القاعدة، وإدراج اسم الشرع على لوائح المطلوبين في أميركا بمكافأة ماليّة. تنقسم، في هذا الخصوص، آراء النخبة السياسية والإعلامية الأميركية بين من يصف الشرع بـ”الجهادي المقنّع” ومن يراه “متحوّلاً وطنيّاً”، أعاد صياغة تنظيمه، وقيمه السياسية متبنّياً خطاباً حقيقيّاً يعِد بالحكم الشامل.

الثّقة بخيارات الحلفاء

تصحّ هذه الهواجس لو أنّ حقائق السياسة، في الشرق الأوسط تحديداً، تقارَب بثنائيّة الأبيض والأسود. فهذا التحوّل في الموقف تجاه الشرع ومجموعته التي تحكم سوريا ليس تهاوناً مع الإرهاب، بل استراتيجية بنكهة المغامرة، تهدف إلى تعزيز فرص الاستقرار في المنطقة، وتثبيت تراجع النفوذ الإيراني حيث تراجع، وتوسعة الآفاق الاقتصادية أمام الجميع، مع الاحتفاظ بجرعات صحّية من الحذر من أيّ جنوح إسلامويّ.

عليه، ليس هذا الانفتاح مكافأةً للراديكالية أو قبولاً بماضي الرجل وتنظيمه، بل استثمار في تحوّله البراغماتي ومستقبله، ومحاولة لتعزيز فرص الحوكمة الرشيدة، البديل الموضوعيّ عن التطرّف العقائدي أو الفشل السياسي.

السياق السياسي، إذاً، هو المحرّك الأوّل للخيارات حيال الشرع. فالسعوديّة، بدعم خليجي وعربي أوسع، وبتفاهمات ناشئة مع واشنطن، ترى في سوريا الجديدة فرصة ذهبية لتقليص النفوذ الإيراني أكثر، والتأكّد من أن لا تقوم قائمة لميليشياتها في دولتين مهمّتين في المشرق العربي هما سوريا ولبنان. تدعم أميركا بدورها، هذا التوجّه لأسباب متشابكة، أبرزها تعزيز الشراكة مع الخليج، والاستماع إلى الحلفاء والثقة بخياراتهم في منطقتهم بعدما أشاعت عقودٌ طويلة من السياسات الأميركية المنفردة الدمار والتخريب والفوضى في الشرق الأوسط. وعليه، لم يكن من باب المجاملة قطّ أن يقرّ الرئيس ترامب بأنّ قراره رفع العقوبات عن سوريا هو استجابة لرغبة الأمير محمّد بن سلمان شخصيّاً. ولا كان كذلك قوله، إنّ الزمن الذي تحاضِر فيه واشنطن في أهل المنطقة بشأن خياراتهم في العيش قد ولّى إلى غير رجعة.

إسلام سياسيّ براغماتيّ

لا يقلّ السياق الاقتصادي أهمّية عمّا سبق. فإعادة إعمار سوريا، التي تحتاج إلى ما بين 250 و400 مليار دولار، هي سوق واعدة للاقتصاد الإقليمي، في لحظة تحوّلات اقتصادية مهمّة في الخليج والمنطقة. ورفع العقوبات عنها، يفتح الباب لاستثمارات في البنية التحتية والطاقة والإسكان، وهو ما يعزّز النفوذ العربي عامّةً، والسعودي تحديداً، في منطقة ضعف فيها هذا النفوذ. بيد أنّ الأهمّ هو أنّ هذه الفرص العملاقة تغري الشرع نفسه بالمزيد من التحوّلات السياسية والعقائدية وتشجّعه على مضاعفة البراغماتية والانفتاح وتعزيز انخراطه في منظومة قيادة إقليمية، اقتصادية وسياسية، على نحو يؤمَل منه أن يكون سبباً لترسيخ الاعتدال.

زد على ما سبق، أنّ المنطقة، تعاني من إرهاق حربي تسبّبت به فوضى الميليشيات، والسياسات الثورية، وخيارات المواجهة المسلّحة، بحيث بات التوق إلى الاستقرار هو الرافعة الأولى للقرار السياسي متى توافرت الحدود الدنيا للاستقرار.

حقيقة الأمر أنّ خطاب الشرع الجديد، الذي يعكس تحوّلاً فكريّاً من أدبيّات الجهاد العالمي والعداء لأنظمة الحكم في المنطقة إلى الحاكميّة الوطنية، يتماشى مع رؤية لإسلام سياسي براغماتي، يخدم الاستقرار ولا يسعى إلى تهديد أنظمة الحكم، على عكس المشروع الانقلابي للإخوان المسلمين.

كما كلّ الخيارات الصعبة في المنطقة، لا يخلو هذا الانفتاح من المخاطر، التي تُلزم بالحذر، والموازنة بين سياسات الاحتضان والتشجيع وبين استعدادات الردع وجهوزيّة عُدّته.

أمّا أميركا فتحتفظ بالقدرة على إعادة فرض العقوبات أو تنفيذ ضربات عسكرية كرادع ضدّ أيّ انقلاب محتمل على الخيارات الجديدة في سوريا.

إنّها، بلا شكّ، مغامرة كبيرة انطلقت من الرياض، لكنّها، بلا شكّ أيضاً، مغامرة تستحقّ.

نديم قطيش -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا