الصحافة

لهذه الأسباب لم تحدث الانتخابات البلدية تغييراً

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

جاءت الانتخابات البلدية والاختيارية في أعقاب حربٍ إسرائيلية مدمّرة على لبنان. تعرّض حزب الله لنكسة قوية، عسكرية وبنيوية، باستهداف قادته، وواجه هجومًا سياسيًا قلّ نظيره، على خلفية "حرب الإسناد" التي اتخذتها إسرائيل ذريعة لشن حملتها التدميرية. بعد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وتشكيل حكومة، كان لافتًا الإصرار الدولي على إجراء الانتخابات في موعدها، ظنًا منها أنها الفترة الأنسب لمعاقبة حزب الله في صناديق الاقتراع، من قبل جمهوره الذي هُجِّر ودُمِّرت منازله ولا تزال نسبة كبيرة منه خارج قراهم. وبذلك، تكون الانتخابات بمثابة اختبار حقيقي للمزاج الشعبي والسياسي في لبنان.
 

لكن النتيجة التي أظهرتها الانتخابات أكدت أن لا تغيير يمكن البناء عليه في لبنان. فالاستحقاق الإنمائي والاجتماعي حوّلته الأحزاب إلى استحقاق سياسي ومنافسة على السيطرة والنفوذ، وبقيت سطوة الأحزاب وسيطرتها كما هي، تتحكم بالمزاج الشعبي، لا العكس.

في الجنوب كما في الضاحية وبيروت، أرادها "الثنائي" استفتاءً على شعبيته، ودليلًا على مشروعيته وسلاحه أمام الرأي العام الدولي. وبتفصيل أدق، داخل الثنائي نفسه، أرادتها حركة أمل دليلًا على ديمومة حضورها في الجنوب والبقاع. وكلاهما -أي حركة أمل وحزب الله- سعى لأن يكون الأول بحجم التصويت، ولو على حساب الآخر.

على المقلب المسيحي، لم يكن الوضع أفضل. فقد سعت القوات اللبنانية جهدها لخوض المعركة سياسيًا، وإثبات حضورها في المرتبة الأولى مسيحيًا. ربحت معركتها إعلاميًا، بينما واقع الأرض يشير إلى أنها فازت كما التيار الوطني الحر، الذي حافظ على وجوده في الانتخابات البلدية.

جمود السياسة اللبنانية
وكدليل على أهمية هذه الانتخابات، حظيت برصد دولي لنتائجها، ومتابعة وتحليل عميقين. إذ رأى خبير "مجموعة الأزمات"، هايكو فيمن، في تقرير أعدّه، أن الانتخابات البلدية في لبنان كشفت عن "جمود السياسة اللبنانية بعد حرب مدمّرة".

وكتب تحت هذا العنوان يقول: "على الرغم من أن الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل أدّت إلى اضطرابات ونقاشات حادة، فإن المشهد السياسي في لبنان لم يشهد تغيرًا يُذكر. فالأحزاب التقليدية ما زالت متجذّرة، والمنافسون الجدد حققوا مكاسب أقل من تلك التي أحرزوها في الانتخابات السابقة".

ولاحظ التقرير أن حزبي "الثنائي الشيعي"، حركة أمل وحزب الله، حافظا على مواقعهما في معاقلهما في جنوب لبنان والبقاع. وقد توقّع المعارضون أن الدعم الشعبي للثنائي سيتآكل نتيجة الحرب الكارثية 2023-2024، التي أشعلها حزب الله بفتحه "جبهة دعم" ضد إسرائيل عقب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

لكن إذا كان الناخبون محبطين، فلم يُظهروا ذلك في صناديق الاقتراع. فقد ساعد الولاء الأيديولوجي والديني لدى الناخبين الثنائي، إلى جانب جهاز التعبئة الفعّال الذي لا يزال يعمل بكفاءة لدى الحزبين. كما ساهم غياب بديل سياسي موثوق داخل الطائفة الشيعية في تعزيز موقف الثنائي. وكان ذلك جليًا بشكل خاص في الجنوب، الذي كان الأكثر تضررًا من الحرب، ورغم ذلك فاز حزب الله وأمل بـ102 من أصل 272 بلدية من دون منافسة، إذ لم يجرؤ أحد على الترشح ضدهم، سواء لليأس أو بسبب هيمنتهم المُخيفة.


في المناطق ذات الغالبية المسيحية، يعتبر التقرير أن "القوات اللبنانية"، الخصم الأشد لحزب الله، حققت انتصارات على منافستها الرئيسية "التيار الوطني الحر". والسبب الأساسي لذلك هو الاستياء من التحالف الطويل مع حزب الله. ورغم أن باسيل أعلن إنهاء هذا التحالف خلال الحرب، فإن الاتهامات لا تزال تُوجّه إلى مؤسس الحزب، الرئيس السابق ميشال عون، بأنه قدّم تنازلات للثنائي الشيعي لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية. وهي اتهامات باتت تُصدّق أكثر من أي وقت مضى.

مرشحو التغيير
ويضيف التقرير: "تبدو نتائج أول استحقاق انتخابي بعد الحرب في لبنان تأكيدًا على أن الانقسام بين معسكري المؤيدين والمعارضين لحزب الله لا يزال يُهيمن على المشهد السياسي، وأن القوى التي تحاول تقديم بدائل تواجه تحديات هائلة". ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن القوى التقليدية تميل إلى تعليق خصوماتها والتكتّل ضد الوافدين الجدد، حتى لو كان احتمال صعودهم ضئيلًا. فعلى سبيل المثال، في العاصمة بيروت، شكّلت الأحزاب التقليدية لائحة موحّدة من المرشحين المفضلين، ما دفع ناخبي حزب الله والقوات اللبنانية إلى دعم مرشحين تابعين لخصومهم اللدودين، وذلك بهدف إقصاء المرشحين الخارجين عن المنظومة.


وبمواجهة هذا التكتل الحزبي، لم يتمكن المرشحون المنبثقون من حركة الإصلاح الشعبي لعام 2019 من الحفاظ حتى على المكاسب التي حققوها في انتخابات 2022 البرلمانية. ومع ذلك، يقول العديد من أنصارهم إن جزءًا من الخسارة سببه ضعف الأداء الذاتي، مشيرين إلى أن مرشحي التغيير الذين فازوا عام 2022 فشلوا في تقديم مشروع سياسي متماسك، وأضاعوا الكثير من الجهد والنوايا الحسنة في المزايدات الخطابية والخلافات الصغيرة.

هي إذًا انتخابات خرجت عن طابعها الإنمائي وغدت استحقاقًا سياسيًا، أرادتها الدول الراعية للبنان عيّنة لما ستكون عليه الانتخابات النيابية على مفترق عام من اليوم تقريبًا. لكن النتائج جاءت مخيبة على أكثر من صعيد: استمرار هيمنة الأحزاب بالشكل الذي حصل، وبالوقائع التي سُجّلت، حتى من قبل "الثنائي"، والضغوط التي مُورست، وبروز الأحزاب كمقرّر رئيسي في مقابل تراجع -إن لم نقل ضعف- حضور المجتمع المدني. كذلك تراجعت القوى التي ادّعت التغيير ودخلت إلى المشهد السياسي اللبناني كقوى "مغايرة" عن الطبقة السياسية التقليدية، لتجد نفسها إما متحالفة معها بحجج واهية، أو، إذا لم تتحالف، فقد أثبتت فشلها بسبب عوامل عدة، من بينها غياب المشروع، وسوء التحضير، والانقسامات، وحب السلطة والظهور، والمواقف غير المدروسة في غالبية الأحيان.


غادة حلاوي - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا