أزمة حليب في الأفق: غشّ الألبان بزيوت مهدّرجة لمواجهة الغلاء
يواجه مربو الأبقار في سهل البقاع مجموعة من الصعوبات والتحديات التي تهدد استمرارية هذا القطاع الحيوي وتطوره، وتؤثر على معيشة آلاف العائلات، كما تؤثر مباشرة على الأمن الغذائي الوطني، وتُلقي بظلالها الثقيلة على سوق الألبان والأجبان واللحوم.
يشرح المهندس الزراعي وصاحب مزارع الأبقار، خضر الجرّاح، في حديث لـ”المدن”، الصعوبات التي يواجهها المربون، وعلى رأسها الغياب التام للدولة في مؤسساتها المعنية، وفي مقدمتها وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد. فحتى اليوم، لم تُجرِ وزارة الزراعة أي إحصاء علمي دقيق لحجم قطيع الأبقار في لبنان عامةً والبقاع خاصةً، ما يحول دون وضع سياسات فعّالة لمعالجة التحديات. كما أن وزارتي الصناعة والاقتصاد لا تطبّقان القوانين المتعلقة بحماية الإنتاج المحلي، لا سيما في ما يخصّ مكافحة التهريب وتعزيز الرقابة.
وحيال غلاء أسعار الأعلاف والمواد الأولية لصناعة الألبان والأجبان، لجأ العديد من مربي الأبقار إلى استخدام الزيوت المهدرجة. والهدف، بحسب الجرّاح، هو الربح السريع وتلافي الخسائر الناجمة عن غلاء كلفة الانتاج. وحذّر من لجوء بعض التجار إلى استخدام هذه الزيوت كبديل رخيص للدهون الحيوانية. فهي من شأنها زيادة كمية المنتج لأكثر من النصف قيساً بالطرق المعتادة لصناعة الأجبان.
وأكد الجرّاج أن المخاطر الصحية لهذه الزيوت كثيرة، وقد أوصت منظمة الصحة العالمية (WHO) بعدم استخدام الدهون المتحوّلة (Trans Fats) الناتجة عن الزيوت المهدرجة من سلّة الغذائي العالمي، نظراً لمخاطرها على الصحة العامة، ما دفع العديد من الدول إلى حظر استخدامها جزئياً أو كلياً.
على المستوى القانوني يمنع استخدام هذه الزيوت، وهناك تعاميم رسمية في هذا الشأن. لكن الأمر بحاجة لرقابة لمنع التجاوزات. وتفيد مصادر في وزارة الاقتصاد أنَّ الوزير السابق جورج بوشكيان أصدر بتاريخ 21/12/2021 قراراً يمنع إدخال الزيوت المهدرجة في صناعة منتجات الألبان والأجبان. كذلك الأمر بالنسبة للوزير السابق أمين سلام، وذلك بناءّ على توصيات منظمة الصحة العالمية واستناداً الى استشارة مجلس شوري الدولة. وقد أصدر بتاريخ 24/8/2023 قراراً “يحدد الحدود القصوى المسموح بها من الأحماض الدهنية التقابلية في المواد الغذائية المخصّصة للاستهلاك البشري، باستثناء تلك الدهون المتحولة طبيعياً في الدهون ذات المصدر الحيواني”. لكن المشكلة تكمن في عدم التزام التجار بالتعاميم.
من أبرز المشاكل التي تواجه هذا القطاع ارتفاع أسعار الأعلاف – سواء المستوردة أو المحلية – نتيجة تقلبات السوق، مقابل انخفاض سعر الحليب، ما يؤدي إلى تراجع هوامش الربح ويؤدي إلى خسائر تحلق مربي الأبقار. ويؤكد عماد الحجيري، صاحب مزرعة في بلدة قب إلياس البقاعية، إن سعر طن “التبن” ارتفع من 110 دولاراً العام الماضي إلى 240 دولاراً هذا العام، ووصل في الشتاء إلى 300 دولار. أما “الذرة المخمّرة”، فارتفع سعر الطن منها من 90 إلى 160 دولاراً، في حين لا يتجاوز سعر كيلو الحليب 0.55 سنتاً.
ويضيف أن الأدوية البيطرية والمعدات الكهربائية وأدوات التخزين كلها مستوردة ومرتفعة الثمن، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الدولة لدعم هذا القطاع، خصوصاً صغار المربين أو ما يُعرف بـ”مربي المنازل”، الذين يعتمدون على انتاج الحليب كمصدر دخل رئيسي.
وسط هذه التحديات، يترقّب مربو الأبقار في البقاع موعدهم المرتقب مع وزير الزراعة الدكتور نزار هاني، بعد تأجيل اللقاء مرتين، آملين أن يحمل هذا الاجتماع حلولاً جديّة لمطالبهم المحقّة. وتشير مصادر في مصلحة الزراعة في البقاع إلى أن الوزارة اتخذت عدداً من الإجراءات الداعمة للمربين في المنطقة، أبرزها التنسيق مع وزارة الاقتصاد والجمارك لمنع تهريب الحليب السائل من سوريا والمجفف من الخارج، وهي إجراءات بدأت نتائجها بالظهور تدريجياً. كما أطلقت الوزارة مبادرات وبرامج لتحسين الإنتاج الحيواني وظروف العمل، من بينها تحديد سعر كيلو الحليب الطازج بـ0.77 سنتاً، وذلك بعد مشاورات مع ممثلي المربين وأصحاب المصانع.
وتؤكد المصادر أن الوزارة تعمل أيضاً على تحسين الوضع الصحي للأبقار عبر برامج تحصين شاملة ضد الأمراض الوبائية، ما يساهم في حماية الثروة الحيوانية وزيادة الإنتاج. وبعد إطلاق “بطاقة المزارع”، تعمل الوزارة على برنامج “قسائم المدخلات الزراعية” الذي يستهدف صغار مربي الأبقار، ويوفّر لهم قسائم لشراء مستلزمات الإنتاج. كذلك، افتتحت الوزارة مركزاً زراعياً في بلدة غزة لخدمة البقاع الغربي، وتقديم الدعم الفني والإرشادي للمزارعين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|