قراءة مبكرة لحرب “الحزب” على نوّاف سلام
يطغى على المشهد السياسي اللبناني الخلاف “المفتعل” من “الحزب” بوجه رئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام، حتّى إنه يطغى على سببه “المعلن”: حصر السلاح بيد الدولة.
منذ تكليف القاضي نوّاف سلام تشكيل حكومة، ثمّ منح حكومته الثقة في مجلس النواب، وسهام “الحزب”، بيئةً حاضنةً وعناصر ونوّاباً وقياديّين، لا تخطئه. يحدث هذا بينما “الحزب” نفسه مشارك في الحكومة، وقد منحها نوّابه الثقة في مجلس النوّاب، ووافقوا على بيانها الوزاري، الذي لم يخرج عنه ولا عليه الرئيس سلام حتّى اللحظة، ولا يظنّ أحد أنّه ماضٍ في هذا الاتّجاه.
آخر سهم أطلقه الحاج محمد رعد رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” في مجلس النوّاب، ومن قصر بعبدا تحديداً. كان سهماً سامّاً على الرغم من “الودّ” الذي فيه. قال إنّهم لن يردّوا على تصريح الرئيس سلام “حفاظاً على ما بقي من ودّ”.
لكنّ ما الجديد والمستنكَر الذي قاله سلام؟ حصر السلاح بيد الدولة؟ هذا برنامج العهد كلّه، وعماد خطاب القسم، وجوهر البيان الوزاري، فلماذا يتحسّس “الحزب” من العبارة إن صدرت من رئيس مجلس الوزراء، ويشيد بها أو يطرب لها إن خرجت من فم رئيس الجمهوريّة؟
أكثر من ذلك، لم يخُض الرئيس سلام في موضوع السلام والتطبيع المطروح إعلاميّاً وفي الكواليس، والقابع خلف كلّ طرح محلّي وعربي وإقليمي ودولي، بل رفض التطبيع رفضاً قاطعاً، بينما غيره فعل وأكثَرَ!
أين وحدة الصّفّ الإسلاميّ؟
تدعو إلى الريبة تصريحات “الحزب” ومؤيّديه، وتفتح أبواباً لا رادّ لها. ولا تأتي الريبة من فراغ بل من سلوك “الحزب” نفسه. فـ”الحزب”، زمن الأمين العام الأسبق السيّد حسن نصرالله، كان جلّ اهتمامه منصبّاً على درء الفتنة السنّيّة الشيعية، وتوحيد الصفّ الإسلامي. حرب “الإسناد والمشاغلة” تصبّ هنا قبل أن تصبّ في القدس أو غزّة أو أيّ مكان آخر أو قضيّة أخرى.
إلى ذلك، حرب “الإسناد والمشاغلة”، بما جرّته من نتائج، هي لا غيرها من أتت بنوّاف سلام رئيساً للحكومة. فالرجل المطروح اسمه لرئاسة الحكومة، والمرشّح الدائم منذ سنوات لدخول نادي رؤساء الحكومة، لم يبلغ ما بلغه إلّا بعدما وضعت الحرب تلك أوزارها. والرجل واضح في مواقفه، صريح في الإفصاح عن أفكاره ومعتقداته السياسية، منذ أوّل يوم طُرح فيه اسمه قبل سنوات.
فهل غيّر “الحزب” أولويّاته؟ أم صدره رحب مع الجميع، وضيّق مع أهل السنّة والجماعة؟ أو هل وصل إلى قناعة بأنّ “حرب الإسناد والمشاغلة”، ذوداً عن غزّة السنّيّة ودعماً لحليفته السنّيّة والإسلامية حركة حماس، نزعت فتيل الفتنة السنّية الشيعية التي كانت الخطّ الأحمر الوحيد لدى “الحزب” حتّى أشهر مضت، وأطلقت يده؟
سلام أم التّطرّف؟
إقليميّاً، وقد أفضت عملية “طوفان الأقصى” إلى ما أفضت إليه، عربياً وإقليمياً ودولياً، من إضعاف “حماس” وحركة المقاومة الفلسطينية، وتقويض حكمها في غزّة، وإلحاق خسائر فادحة بها، مروراً بإضعاف “الحزب” وإبعاده إلى شمال نهر الليطاني والقضاء على قياديّيه البارزين، وفي مقدَّمهم أميناه العامّان، الأسبق السيّد حسن نصرالله والسابق السيّد هاشم صفيّ الدين، وصولاً إلى سقوط نظام بشّار الأسد “الحليف”، وجرّ إيران إلى طاولات مفاوضات “جدّيّة”… فعلى ماذا يراهن “الحزب”؟ وعلى من؟ مَن أقرب إليه: الرئيس نوّاف سلام المعتدل وغير الطائفي ورجل الدولة والقانون والفكر، أم التطرّف الإسلامي الذي يعبّر عن نفسه برجال ميليشيات، منهم من ينتشر في بعضٍ من سوريا؟
الحريري الثّالث؟
يذهب “الحزب” بعيداً في هجومه “المهذّب” و”الناعم” رسميّاً على الرئيس سلام، وغير المقبول والفظّ والغليظ شعبيّاً عليه، والدليل على ما سبق بيان “الحزب” بُعَيد هتافات مؤيّديه و”شتائمهم” ولغتهم “المشبوهة” ضدّ سلام في المدينة الرياضية.
الحزب في ذلك، يتمسّك بدرء الفتنة ويحاول إبعادها لفظيّاً، بينما يعيد عمليّاً ارتكاب ما ارتكبه مع الرئيس رفيق الحريري ثمّ الرئيس سعد الحريري، اللذين لم يقدّم لهما شيئاً يُذكر أو يلاقيهما في منتصف الطريق بعدما قطعا أكثر من نصفها إليه. وها هو يعيد الكرّة مع سلام، مفتعلاً خلافاً لا يصبّ في مصلحة “الحزب” ولا مصلحة اللبنانيين دولةً وجيشاً وشعباً… ولا حتى “المقاومة” نفسها. فهل يسعى إلى جرّ فصيل متطرّف إلى لبنان؟ أم هل يخطّط لإيصال إسلاميّ متشدّد ليتزعّم سُنّة لبنان؟
ما يقوم به “الحزب” لا تفسير له خارج هذا السياق. تؤكّد الأمر تصريحات المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، بما يمثّل، خاصةً الأخير منها الذي بالغ فيه في رفع السقف مشترطاً ما يشبه المعجزة للحديث عن سلاح “الحزب”: منظومة “ثاد” وطائرات F-35.
أن يصرّح “الحزب” ومناصروه ضدّ الرئيس سلام، ممثل السُّنّة في الدولة ورئيسهم “الرسمي” حاليّاً، أمر قد يبقي الباب مفتوحاً ليظلّ الخلاف سياسيّاً بين “الحزب” والرئيس. ولكن أن يدخل المفتي الجعفري الممتاز، غير المحسوب على “الحزب”، على الخطّ، فأمر جلل ينفي كلّ صفة سياسية عن الخلاف، ويلبسه لباساً طائفيّاً.
هجوم “الحزب” الرسمي والشعبي على الرئيس نوّاف سلام لا يبطئ حصر السلاح بيد الدولة ولا يحمي “المقاومة”. وأقصى ما قد يفضي إليه هو إكثار الخصوم وقطع طريق اللبنانيين إلى الدولة والمؤسّسات والمواطنة ومحو “حسنة” حرب “الإسناد والمشاغلة” الوحيدة، وهي إبعاد شبح الفتنة السنّية الشيعية.
أيمن جزيني -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|