الصحافة

الأسطورة التي لم تكن: كيف صنع «الموساد» كوهين... وساعده الصمت السوري؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

خاضت «اسرائيل» مبكرا معارك تثبيت كيانها على جبهات عدة،وهي كانت مدركة جيدا لنظرية «حدود السلاح»: أين يبدأ دوره؟وأين يجب أن ينتهي؟المستخلصة من دروس الحرب العالمية الثانية التي تفوّق السلاح النازي فيها إلا أنه لم ينتصر في النهاية، ولعل جبهة «الحرب النفسية» كانت إحدى أبرز تلك الجبهات، التي يصح توصيفها بالإسنادية، حيث سيجري تفعيل قسم للدراسات، وهو تابع مباشرة لرئيس هيئة الأركان، مهمته الأولى تقوم على وضع أطر ناظمة لعمل تلك الجبهة، فيما <أذرعه» تتنوع بين نشر مئات الكتب، أو الروايات، وصولا إلى الإفراج عن «حكايات» استخباراتية يجري صوغها بطريقة «الأسطورة»، التي من شأنها أن تحيط عمل <الموساد»،جهاز الإستخبارات الخارجية، بهالة تضفي عليه <قدرات خارقة».

ولعل المثال الأبرز لهذا الشق الأخير هو <حكاية <الجاسوس إيلي كوهين المولود لأسرة يهودية في حلب، والتي حملها» التيه اليهودي» للسفر إلى الإسكندرية، التي ستشهد تفتح وعي الفتى، قبيل أن يأخذه هذا الأخير للإلتحاق بـ» الوطن الموعود»، ومن ثم لأن يقدم حياته ثمنا لإيمانه به.

ساعد غياب الرواية الرسمية السورية لتلك» الحكاية» في ترسيخ <الأسطورة»، التي جاءت من طرف واحد وجد نفسه أمام ساحة مفتوحة، ووجد» نولا» على أتم الجاهزية، ولعل فعل الغياب كان نتيجة لحساسيات السلطة وتوازناتها، خصوصا أن حكم» البعث» كان حديث العهد بالتزامن مع بدايعها، لكن والظروف قد تغيرت تماما، ما الذي يمنع اليوم من تقديم رواية رسمية تستند إلى <حديث الوثائق»، لا إلى ترهات وأكاذيب جرى استخدامها بحرفية ؟ والأخطر هو أن العديد منها جرى تناقلها عبر الأجيال من دون تبصر أو تدقيق فيها، بالرغم من أن العديد منها لا يصمد أمام أدنى ربط للوقائع، والمؤكد أن فعلا كهذا يبدو اليوم أشد إلحاحا لاعتبارات تتعلق بالوعي الجمعي للسوريين، خصوصا أيضا أن الملف جرى إقفاله تماما مطلع شهر أيار، بإعلان مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» عن» استعادة أرشيف إيلي كوهين كاملا دون نقصان»، وفي 25 منه سيقول موقع

في مقابلة، نشرتها جريدة» الحياة» 22 آذار 2004، قال صلاح الضللي رئيس المحكمة العسكرية التي أصدرت حكما بالإعدام على كوهين، إن <كوهين لم يكن سوى جاسوس عادي»، والشاهد هو أن الكثير من المعطيات والوقائع تؤكد هذا التوصيف، هذا إن لم تضع كوهين في خانة الفاقد للمهارة، أو لـ» الحس الأمني» الذي يجب أن يكون طاغيا على سلوك من يقومون بهكذا مهام، والكثير من رسائله تبرز هذا الجانب بوضوح. ففي واحدة منها موجهة إلى صديق في الداخل «الإسرائيلي»، يعبر عن كوهين عن غضبه لهزيمة فريق كرة القدم «الإسرائيلي» أمام خصمه قائلا» ألم يحن الوقت كي ننتصر»؟

وفي إحدى زيارته إلى» الوطن» حمل معه حذاء كهدية لابنته، وعندما سأله شقيقه موريس، عن مصدر الحذاء أجاب كوهين: «إنه فرنسي»، في الوقت الذي كانت العلامة التجارية المسجلة على الحذاء مكتوبة باللغة العربية.

في الإطار العام، استمرت <مهمة» كوهين حوالي سنتين ونصف، يجب أن يزال منها أربعة أشهر، انطلاقا من أربع زيارات قام بها إلى «اسرائيل» في الغضون.

ومن المؤكد أن كل زيارة يجب أن لا تقل مدتها عن الشهر لاعتبارات تتعلق بهكذا نوع من المهام، وعليه فإن تلك المدة ليست كافية بالتأكيد لبناء شبكة معلومات قادرة على تقديم المطلوب منها، ولا كافية لبناء جسر» ثقة» مع فعاليات شتى تكون كفيلة بتأمين <سيل» المعلومات التي أوردها مسلسل» الجاسوس»، المعروض على شاشة <نيتفلكس» عام 2019، وهو بالتأكيد يمثل رواية «الموساد الإسرائيلي»، التي جاءت مليئة بالأخطاء التي تتأكد عبر ربط الأحداث مع مساراتها الزمنية.

في معايرة الوقائع، لا يصمد <الجسر» الذي استندت إليه الرواية «الإسرائيلية» عبورا إلى «الأسطرة» أمام هذا الربط آنف الذكر، والمقصود بـ <الجسر» هنا، هو العلاقة التي جمعت بين كوهين وأمين الحافظ الذي سيصبح رئيسا للدولة ما بين تموز 1963 وشباط 1966، حيث يشير تسلسل الأحداث إلى استحالة قيام تلك العلاقة، بل واستحالة اللقاء بين الإثنين. فالحافظ الذي كان يشغل منصب المحلق العسكري في السفارة السورية في بيونس آيرس منذ صيف 1962، أي في الوقت الذي سافر فيه كوهين على متن باخرة أقلته من الموانئ الأوروبية نحو بيروت، حيث سيتعرف خلال تلك الرحلة، بتدبير من «الموساد» أكيد، على ماجد شيخ الأرض الذي كان دليله للوصول إلى دمشق، وسمساره للحصول على شقة للإيجار في حي «أبو رمانة» الذي تتواجد فيه أغلب السفارات. لكن المؤكد هو أن شيخ الأرض لم يكن يعلم شيئا عن مهمة الرجل، الذي لم يكن بالنسبة إليه سوى <زبونا» عقاريا عاديا، وإن كان» المكسب» المتأتي جراء تلك العملية، والمثبت في تحقيقات المحكمة، يجب أن يثير الشبهة، وتلك بالتأكيد إحدى» سقطات» كوهين التي لا تحصى.

وفيها، أي في الوقائع، استند كوهين في معلوماته التي كان يرسلها على شخصين: الأول هو جورج سيف، موظف بوزارة الإعلام كان قد زوده ببطاقة صحفية، ومن ثم قام بتعريفه على موظف بالمطار يشغل مهمة <مساعد ملاح جوي» اسمه إيلي ألماظ.

والثاني هو الملازم أول معذى زهر الدين، وهو ابن أخت عبدالكريم زهر الدين الذي كان يشغل منصب قائد الجيش زمن الإنفصال، ومن الواضح أن كلا المصدرين لا يتمتعان بالأهلية التي تمكنهما من تقديم ما هو <ثمين» وفقا لما جرى تصويره. أما زيارة كوهين للجبهة، والمرجح أنها حدثت صيف العام 1963، فكانت على مبعدة تزيد عن أربع سنوات من عدوان حزيران 1967، وهي لا يمكن أن تقدم الكثير جراء التغييرات الحاصلة بالتأكيد في الجيش، إبان تلك المرحلة التي كانت محطتها الأبرز وصول البعث للسلطة.

وفي قضية الإعتقال، بعيدا عن كل الروايات المثارة حولها، وبعضها مصري، اشتكت السفارة الهندية، القريبة من الشقة التي يسكنها كوهين، من تشويش مؤثر على وصول رسائلها إلى دلهي، والحل عند ضابط الإشارة وداد البشير كان بسيطا، إذ طلب من السفارة إيقاف بثها لفترة محدودة، ليتمكن البشير وفريقه بواسطة جهاز روسي تحديد المكان الذي يشكل «إزعاجا» للسفارة الهندية، وليجد كوهين نفسه صبيحة 24 كانون ثاني 1965، وجها لوجه أمام البشير، وهو جالس إلى جهازه ليقول له، وفقا لرواية سعيد جاويش وهو أحد أفراد مجموعة الإقتحام : <أنا لا أفعل شيئا.. فقط كنت أراسل زوجتي>.

أبعد كل هذا : هل ثمة مبررات لعدم وجود رواية سورية عن <أسطورة» كوهين التي ساعد «الصمت» السوري في نسج الكثير من خيوطها ؟ 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا