الرياض والرئاسة: مرونة في الشكل وتصلّب في المضمون
لا يمكن معرفة اتجاه بوصلة الرئاسة من دون التطرّق إلى مواقف الدول الفاعلة في الملف اللبناني وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية. مذ قبض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على زمام الحكم في المملكة، تبدّلت السياسة السعودية تجاه لبنان، وتراجع الإهتمام، في حين سقطت الوكالات الحصرية وباتت الرياض تتعاطى مع الجميع بالمباشر، باستثناء «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، من منطلق فتح قنوات الحوار والتواصل.
وبرزت في الآونة الأخيرة العلاقة المميزة التي تربط الرياض بمعراب، كما شهدت علاقة السعودية ببكركي تطوراً بارزاً، بينما يشكو عدد من رؤساء الحكومات السابقين من سقوط الإمتيازات التي كانت ممنوحة لهم ولمؤسسات تدور في فلكهم. وظهرت في الأشهر الأخيرة معطيات تدلّ على انخفاض التوتّر بين الرياض وبعض المكونات اللبنانية التي ضربت علاقات لبنان بالمملكة وبدول الخليج. وفي هذا الإطار، فإن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله يخفّف من حدّة هجومه على السعودية، بينما لم توصل قنوات الإتصال السعودية - الإيرانية إلى أي تطوّر بارز.
ولم يخرج أي موقف سعودي علني من الإستحقاق الرئاسي، وينتظر الجميع ما ستفضي إليه نتائج القمة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع بن سلمان في بالي- اندونيسيا والتي تطرّقت إلى ملفات المنطقة بشكل عام، والأرجح أنّ الملف اللبناني حضر بقوّة في هذا الإجتماع.
وبينما يحاول بعض أركان 8 آذار الإيحاء بوجود رضى سعودي على ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، إلا أن الموقف السعودي ما زال متصلباً. وحسب المعلومات، فإن العلاقة الجيدة التي تربط فرنجية بالرياض لم تصل إلى حدّ القبول به كمرشّح رئاسي، إذ إن «الفيتو» السعودي لا يزال موجوداً. وتنطلق الرياض من مقاربة سياسية وليست شخصية، فهي لا تريد أن تكرّر خطيئة عدم رفضها انتخاب العماد ميشال عون عام 2016، وتعتبر أنّ أي مرشّح حليف لـ»حزب الله» سيقوم بنفس الخطوات التي قام بها عون في المواضيع الإستراتيجية. وفي خلاصة الموقف السعودي، إن كل الأسماء التي طُرحت على الرياض وقريبة من «الحزب» سقطت، وبالطبع فإن «الفيتو» السعودي الأكبر هو على رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل.
هذا بالنسبة إلى الموقف العام، أما داخلياً، فإن السفير السعودي وليد البخاري ينشط على الجبهة السنيّة ويحاول استكمال لقاء دار الفتوى وعشاء السفارة، وقد نجح في تحقيق خرق كبير في صفوف النواب المستقلّين وعلى رأسهم، كل من النواب وضاح الصادق وياسين ياسين ورامي فنج، في حين أن الحوار لا يزال مستمراً مع نائبي صيدا - جزين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، إضافة إلى تكتل قدامى «المستقبل» الذي ما زال قسم منه مصرّاً على السير بتسوية إنتخاب فرنجية بينما لا مانع للقسم الآخر من السير بالمركب السعودي.
وتحتاج عملية توحيد الساحة السنية إلى مزيد من الجهود، لكنّ الجهد السعودي لا ينصب على النواب السنّة فقط، بل إن الأمور تحتاج إلى تكوين رؤية وطنية. وفي هذا السياق، يبرز تصلّب سعودي في المواصفات ويظهر خلال لقاءات السفير السعودي بحيث هناك تشديد على أن يحترم الرئيس المقبل «إتفاق الطائف» ولا ينقلب عليه، وكذلك لا يشكّل غطاءً لدويلة «حزب الله» ولا يكون الناطق باسم «الحزب» في المحافل الخارجية، ويعمل على تعزيز العلاقات اللبنانية - العربية ولا يرهن البلد «للمحور الإيراني» بل يعيد لبنان إلى حضنه العربي.
تعلم الرياض أنّ دورها لا يزال كبيراً على الساحة اللبنانية وإن كانت لا تستخدمه في الوقت الحالي، لكن حقيقة الموقف أنّ الرياض لم تتخلَ عن لبنان، لكنها ترى الوقت المناسب للتدخل الحاسم في الرئاسة... وغير الرئاسة.
آلان سركيس - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|