ثلاثة سيناريوات على الطاولة: أميركا لا تستعجل نهاية الحرب
تُواصل إسرائيل اعتمادها المقاربات نفْسها في حربها على قطاع غزة، مع إقناع ذاتها بإمكان تحقيق نتائج مختلفة في كل مرة، رغم ثبات الأدوات والأهداف: خُطط عسكرية وسياسية وهُدن مؤقّتة، من دون تغيير فعليّ في المسار، بل مع رهان دائم أنّ النتيجة ستبدو مغايرة في النهاية. هكذا، تُوافق إسرائيل والولايات المتحدة، مرة أخرى، على صيغة هدنة جديدة، أُطلق عليها اسم «خطة ويتكوف»، نسبةً إلى المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف؛ وتهدف إلى عقد صفقة تبادل محدّدة بين إسرائيل وحركة «حماس»، تتضمّن الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليّين في غزة، مقابل إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع ووقف مؤقّت لإطلاق النار لمدّة 60 يوماً، إضافةً إلى الإفراج عن عددٍ من الأسرى الفلسطينيّين.
ورغم الخطاب الإعلامي المتكرّر عن اختلافٍ في المقاربة بين الجانبَين الإسرائيلي والأميركي في هذه المرحلة، إلا أنّ الواقع قد يكون غير ذلك تماماً؛ إذ إنّ ما يجري يبدو أقرب إلى نسخة مكرّرة من تفاهمات سابقة فشلت في إنهاء الحرب أو في فتح مسار جدّي للخروج منها، لا بل إنّ «خطة ويتكوف» لا تحمل جديداً يُذكر، بقدر ما تمثّل إعادة تدوير لخطط سابقة، لم تنجح في تحقيق الأهداف المعلنة لها.
باختصار، لا تزال إسرائيل غير معنية بإنهاء الحرب في غزة ما لم تحقّق ما تصفه بـ«النصر»، وهو الهدف الذي أخفقتْ في بلوغه منذ بدء عدوانها. وبالتالي، فإنّ أي هدنة أو تسوية تقبل بها، تظلّ محكومة بحسابات الحرب نفسها، وتُعدّ تمهيداً لاستكمالها في ظروف ميدانية وسياسية أكثر ملاءمة، خصوصاً لجهة تخفيف الضغوط الدولية والداخلية، وإعادة تنظيم قواتها العسكرية، من دون تقديم أي تنازلات حقيقية أو إستراتيجية.
وعليه، من منظور إسرائيلي، لا تُعدّ «خطة ويتكوف» إطاراً لإنهاء الحرب، بل وسيلة إضافيّة لشراء الوقت. وهو ما يتماشى مع مقاربة الوسيط الأميركي الذي رغم إجرائه بعض التعديلات الشكليّة على الخطّة، لا يضغط فعلياً على إسرائيل للقبول بتسوية جوهرية. ومردّ ذلك أنّه بين تل أبيب وواشنطن، لا وجود لخلاف حقيقي على الأهداف، بل على إمكان تحقيقها، بشكل كامل أو جزئي؛ إذ تسعى إسرائيل إلى «نصر عسكري شامل»، في حين ترى الإدارة الأميركية أنّ العمليات العسكرية استنفدت جدواها. غير أنّ هذا الإدراك الأميركي لا يُترجم إلى خطوات حاسمة تجاه تل أبيب، بل تظلّ المقاربة محكومة بمنطق يهدف إلى تعزيز مصالح الأخير الأمنية، خاصةً لجهة تقليص نفوذ «حماس» أو تفكيك بنْيتها.
وانطلاقاً ممّا تقدّم، فإنّ الطرفين، الأميركي والإسرائيلي، يظلّان يراهنان على أنّ استمرار الدمار والتجويع والضغط العسكري قد يفضي إلى تراجع «حماس» عن شروطها. لكنّ المفاجأة كانت في رفض الحركة لـ«خطة ويتكوف»، وتقديمها مطالب أكثر وضوحاً وتشدّداً، تشمل ضمانات بإنهاء الحرب. إذ ترفض الحركة أي صيغة لا تضمن منع تجدّد القتال، وتطالب بضمانات جدّية ومتوازنة تكفل وقفاً حقيقياً للعدوان؛ وهو ما يقابَل بردّ فعل إسرائيلي دموي، يتمثّل بعمليات قتل ممنهجة بحقّ الفلسطينيّين، بهدف الضغط على «حماس» وإرغامها على تعديل موقفها.
وعلى أي حال، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمرحلة ما بعد رفض «حماس» خطة ويتكوف:
في السيناريو الأول، قد تعمل الولايات المتحدة، بالتعاون مع الوسيطَين القطري والمصري، على إعادة إحياء الخطة مع إدخال تحسينات جزئية عليها - من دون المساس ببنْيتها الإستراتيجية - كزيادة المساعدات الإنسانية، أو تعديل جدول تبادل الأسرى، أو رفع عدد الأسرى الفلسطينيّين المفرج عنهم. وقد تترافق هذه التعديلات مع وعود أميركية عامة حول السعي لإنهاء الحرب، وهي وعود يمكن التراجع عنها بسهولة عندما تحين ساعة الحقيقة.
وفي السيناريو الثاني، يمكن أن تندفع إسرائيل، برضى وتشجيع أميركيَّين، إلى شنّ عملية برية واسعة في غزة، مرفقة بضربات جوّية مكثّفة، بهدف رفع مستوى الضغط والتكلفة على «حماس»، ومن ثم العودة مجدّداً إلى طرح «خطة ويتكوف»، انطلاقاً من الرهان الإسرائيلي القديم: استخدام الأسلوب نفسه مراراً، طمعاً في نتائج مختلفة.
أما السيناريو الثالث، فيقوم على استمرار القتال بشكل متقطّع، وفق نمط الاستنزاف المفتوح، في ظل غياب أي رؤية استراتيجية واضحة. وهذا المسار قد يتحوّل إلى سمة أساسية للمرحلة الآتية، سواء بعد فشل الخطة أو حتى بعد تنفيذها، إذا لم تترافق مع إنهاء فعليّ للملفّين العسكري والسياسي.
ومن بين تلك السيناريوهات، يبدو الأول الأقرب إلى التحقّق في المدى القريب، بالنظر إلى رغبة واشنطن في إظهار أي اختراق دبلوماسي، يخفّف من الضغوط والانتقادات التي تواجهها في ظلّ عجز إسرائيلي واضح عن تحقيق الأهداف عبر الوسائل العسكرية. غير أنّ فشل هذا المسار الجزئي في إقناع «حماس» بالتنازل، قد يدفع إسرائيل بالعودة إلى الخيار العسكري الأوسع، وهو ما يجعل من احتمالية التصعيد المستمرّ، خياراً قائماً بقوة.
في المحصّلة، لا تزال الصورة ضبابية والمشهد مفتوحاً على احتمالات متعدّدة، لكن ما يبدو مرجّحاً الآن هو استمرار المحاولات لإعادة إحياء «خطة ويتكوف»، بصيغة معدّلة لا تمسّ جوهر المقاربة الإسرائيلية، ولا تُحدث تغييراً حقيقياً في مسار الحرب.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|