غروسي: "إيران تخصب اليورانيوم بنسبة قريبة من صنع القنبلة النووية"
“ضربة معلم” وجّهها عون لتل أبيب
ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
قبل أيام، بدت المؤشرات السياسية والعسكرية واضحة: إسرائيل تستعد لمرحلة تصعيد جديدة ضد لبنان. وضمن هذا السياق، شنّت غارات في ليلة عيد الأضحى على الضاحية الجنوبية لبيروت وبلدة عين قانا شمال الليطاني، مستندة إلى ذرائع أمنية مشكوك في صحتها. كما دفعت تل أبيب، عبر آلية الإشراف “الميكانيزم”، بالجيش اللبناني للتنقيب في الليلكي للتفتيش عمّا ادّعت أنه موقع عسكري يقع على عمق عشرة أمتار، وهو جزء من مبنى كانت قد دمّرته خلال الحرب الأخيرة!
لهذا التصعيد أسباب وعوامل متعددة، تبدأ باندلاع اشتباك داخلي إسرائيلي - إسرائيلي، ولا تنتهي بانفجار الخلافات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد شنّ الأخير حملة “تطهير” ضد من يُعرفون بـ”جماعة تل أبيب” أو “جماعة نتنياهو” داخل مجلس الأمن القومي، وأطاح بهم، بدءًا من مايك وولتز، وانتهاءً بمورغان أورتاغوس. ومن الطبيعي أن تردّ إسرائيل بمحاولة “زعزعة” الوضع اللبناني عسكريًا، وهي تُدرك أن “ورقة لبنان” تهمّ واشنطن كثيرًا.
إحدى أوراق الضغط التي تستخدمها إسرائيل ضد واشنطن، تمثّلت في الحملة التي شنّها وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزاف عون. تدرك تل أبيب أن عون يُعدّ من حصّة واشنطن سياسيًا، أو على الأقل ترى فيه الإدارة الأميركية شريكًا مهمًا للغاية. في الوقت نفسه، يتصرّف الرئيس عون باستقلالية واضحة فيما يخصّ الملف اللبناني. فعلى سبيل المثال، يرفض كل الخيارات التي تدعو إلى فتح معركة ضد حزب الله أو الضغط عليه بأساليب غير دبلوماسية، ويفضّل الحوار معه بشأن سلاحه.
حتى اللحظة، هناك قناتان تتحاوران مع الحزب باسم الرئيس: الأولى سياسية ويمثّلها الوزير السابق محمد عبيد، الذي يتواصل مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والثانية أمنية، ويمثّلها العميد المتقاعد أندريه رحال، أحد أبرز مستشاري الرئيس، ويتواصل مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، الحاج وفيق صفا. هذا الأسلوب يُثير استياء “معراب”، ولذلك دشّنت القوات اللبنانية حملة ضد الرئيس. كما يزعج تل أبيب، التي ترى أنه لا ينبغي التعامل مع حزب الله عبر مؤسسات الدولة اللبنانية، وبـ”نعومة” سياسية بعد الحرب، ولهذا جاء تصريح كاتس الحادّ الموجّه إلى الرئيس عون: “إذا لم تفعلوا المطلوب، فسنواصل العمل بقوة”. في هذا التصريح، تقول تل أبيب لواشنطن إن “رَجُلَكم في لبنان لا يسير وفق ما هو مرسوم”.
تهديد كاتس لعون هو، إذًا، نوع من الضغط السياسي المباشر على رئاسة الجمهورية، ومحاولة للتأثير على الحليف الأميركي لدفعه إلى التدخّل أكثر في مسار الملف الرئاسي اللبناني وفرض خيارات لا تفضّلها بعبدا. وهو أيضًا تلويح بإعادة إشعال الحرب.
من جهته، اختار رئيس الجمهورية التصعيد بأسلوب ذكي، مستفيدًا من الخلافات الأميركية - الإسرائيلية. ففي بيانه، الذي وصف فيه العدوان بأنه “رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسياستها، ومبادراتها أولًا”، وجّه عون رسالة إلى واشنطن مفادها أن هذه الغارات تستهدفها قبل غيرها. ويبدو أن هذا البيان استفزّ كاتس، الذي دفع بالأميركيين إلى التحرّك، على الرغم من أن تل أبيب أخطرتهم قبل دقائق من تنفيذ هجماتها على الضاحية، في أسلوب مشابه لما كان يعتمده نتنياهو مع الرئيس السابق جو بايدن.
ولكي يكون الرد أكثر فعالية، أوحت الرئاسة إلى قيادة الجيش باتخاذ موقف تمثّل في ما صرّح به قائده، العماد رودولف هيكل، مُلوِّحًا بوقف التعاون مع “الآلية” (الميكانيزم). وهذا التلويح، وإن بدا أنه موجّه إلى واشنطن، إلا أنه يطال تل أبيب مباشرة، لأنها تعتبر هذه الآلية أداة سياسية وعسكرية ضاغطة ومهمة جدًا. فهي تستخدمها يوميًا لإرسال طلبات إلى الجانب اللبناني. وفي حال قرّر الجيش وقف التعاون، ستعتبر إسرائيل أن أداة مهمة لها قد فُقدت، وأن بندًا أساسيًا من تفاهمات 27 تشرين الثاني لوقف الأعمال العدائية قد نُسف، وهو ما لا ترغب به واشنطن.
حتى الآن، وبحسب المعلومات، لا تزال الآلية فعّالة، بدليل ما جرى خلال عطلة عيد الأضحى، حين نشر الجيش اللبناني، بالتنسيق مع “الميكانيزم”، أكثر من 7000 جندي على طول خط جنوب الليطاني، خشية من أن يستخدم “طرف ما” وسائل عسكرية لإثارة التوتر، مثل إطلاق صواريخ، وهو ما يمنح العدو ذريعة للرد.
من جهة أخرى، وعلى عكس ما يُشاع، فإن رئيس هيئة الإشراف، الجنرال الأميركي مايكل ليني، ما زال يقيّم ويدير نشاطه في لبنان. وخلال الأيام التي سبقت غارات الضاحية والجنوب، قام بجولة ميدانية برفقة ضباط لبنانيين عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وشارك في اجتماع تنسيقي غير رسمي، لا يندرج ضمن الاجتماعات الدورية الخاصة بمناقشة الخروقات، ما يشير إلى أن الأميركيين يواصلون المتابعة الدقيقة للوضع مع الجانب اللبناني. وقد أبدى الأميركيون تعاونهم الكامل مع الجيش اللبناني، وحاولوا التبرؤ من أي علاقة بقرار تل أبيب قصف الضاحية الجنوبية، خصوصًا أن العملية نُفّذت أثناء وجود الجيش في أحد المباني لفحصه، ما يُعدّ تجاوزًا واضحًا للآلية المتفق عليها.
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|