فن

ما هو أبعد من حب فيروز

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فتحت ريما الرحباني الباب للناس كي يحكوا مع فيروز في عيد ميلادها. يسجلون فيديو من دقيقة واحدة يضعونه على بوست عنونته "من قلبي سلام"، على صفحة فيروز في فيسبوك. فتحت الباب على وجوه الناس وابتساماتهم الواسعة ورغبتهم الجامحة بأن تراهم وتسمع ما لديهم. فتحت الصورة واسعة على جدرانهم وما يحملونه من حب جارف ل"ست الكل"، كما يسمونها، كما نسميها.
الأجيال كلها مرت. من "شام" التي ربما عمرها أقل من سنتين، ترفع صوتها فوق صوت أمها التي تحملها، تغني قمرة يا قمرة، إلى الستينية التي تخاطب رفيقة قهوتها الصباحية. ترفع الكلفة معها. تسميها "أم زياد". تلامذة يعايدونها من مقاعدهم الدراسية في مدارس نائية. طفلة تؤدي "تك تك يا ام سليمان" بلهجة سورية صافية كأنها هكذا كُتبت في الأصل. والسوريون يغنون بلغتهم. يرفعون ألفاً مكسورة لبنانياً هنا، ويشدون عود حرف أفسدناه بالدلال الكثير هناك. يقولون اسمها كما حفظوا ياءه فتصير سورية مثلهم. وينساب الحب كنهر على مهله. ليس حباً فقط. كلهم كرروا "بحبك" و"منحبك"، مرة بعد مرة، كأنهم عجزوا عن التعبير، كأنهم يقولونها لحبيبة أو لأم. لكن كان هناك ما هو أبعد من الحب في ما قالوه، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ومصريين ومغاربة وعراقيين. كانوا ممتنين لها، امتناناً يقاس بكيف شكّل صوتها حياتهم، وكيف صاروا ما صاروا عليه، بسببها. "شكراً"، راحوا يقولون لها واحدة بعد واحد. الشاب المصري قال لها بقافه الصعيدية: "شكراً لله أنه خلقك. شكراً لوجودك". الشابة المصرية قالت لها من "كتر حبي ليكي سميت بنتي على اسمك"، ومن فوق كتف الأم، أطل الوجه الصغير المبتسم ليؤكد: أنا اسمي فيروز. بالعراقي قالت سيدة: "نحبك، سامحني يا رب، حد العبادة".

هناك حتماً ما هو أبعد من الحب. فيروز، الوحيدة التي كتب الشعراء غزلاً صافياً فيها، واعترفوا في قصائدهم نفسها بفشلهم في وصف صوتها، تدفع العاديين منا، الذين بلا ملكة شعر ولا شياطينها، إلى لغة تحاول لمس صوتها بلا بلاغة: "يا دعائي ويا رجائي". "أنا من كتار صوتك خفف عنهم صعب الطريق". "إنتِ الجمال يلّي بيشفي. الجمال يلّي ما بيخلص". "إنتي طريقة تفكير وأسلوب حياة". "في أصعب لحظات حياتي ما تركتيني". "ممتنة لكل يوم بيكون فيه فرصة جديدة لأسمعك". "إنتِ قلبي وروحي وحياتي وكل أملي بالحياة شوفك ولو على بعد مية متر قبل ما موت". "يا نور حياتي بحبك".

هذا شعر. عادي وتلقائي ونقي وجميل. فيه إيمان دفين، لا نراه إلا في الدين. في الصفاء الروحي الذي يرتفع إليه المؤمن فلا يعود بينه وبين السماء حاجز. هذه مشاعر متطرفة، لكنها بلا غاية. غايتها منها وفيها. مكتفية بذاتها. صوفية. تبدأ وتنتهي عند السيدة وصوتها. دينٌ خاص بها. إيمان. الفيديوهات صوّرت جدراناً ملآنة بصورها ورسوماتها وكلمات أغانيها. الرسامة دارت على جدران محترفها الأربعة. لم ترسم وطلابها غير فيروز. صورها في البيوت تشبه مزارات صغيرة. التمني لها بعمر لا ينتهي، إيمان بدوره. "الله يطول بعمرك"، ليست عندهم مجرد لياقة في عيد ميلاد، بل تضرع حقيقي للسماء كي تطيل بعمرها إلى الأبد. هذا هوس المراهقين بنجومهم في العادة، لا يعرف سقفاً. لكن المهووسين بفيروز ليسوا من المراهقين فحسب. هم، حرفياً، من كل الأعمار. وهو هوس هادئ ونبيل. يشبه علاقة شخصية بناها كل واحد فيهم معها، وظنّ أنها له وحده، وأن لا أحد يشعر بصوتها كما هو يشعر، ولا أحد يعرف الصوت كما هو يعرفه. "يا صديقتي"، قال لها شاب عشريني عندما لم يعد يجد ما يصفها به. هل ألطف؟

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا