تقرير بريطاني يكشف: إيران تواجه أخطر اختبار لوجودها منذ عام 1979
سأل موقع "The Arab Weekly" البريطاني"هل تخضع إيران لواقع إقليمي جديد، مدفوعة بالضعف أكثر من الاختيار؟ يرى العديد من المراقبين الآن أن طهران، تحت وطأة الضغوط المتزايدة في الداخل والخارج، تسعى إلى تخفيف التوترات مع الدول العربية، وخاصة الجهات الفاعلة الرئيسية في الخليج مثل المملكة العربية السعودية، إدراكا منها للمشهد الاستراتيجي المتغير. لقد تطور الخليج والشرق الأوسط عمومًا، مما غيّر النظام الإقليمي وموقع إيران فيه، ولم تعد الجمهورية الإسلامية تبدو القوة الثورية الجبارة التي كانت في السابق عازمة على تصدير أيديولوجيتها للهيمنة على الدول المجاورة. عوضاً عن ذلك، يبدو أن طهران تميل بشكل متزايد إلى التخلي عن طموحاتها المتطرفة والتصرف كدولة قومية ذات مصالح ملحة وقيود صارمة، دولة قادرة الآن على التمييز بين الاستراتيجي والتكتيكي".
وبحسب الموقع، "تجلى هذا الاعتدال في الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية بدر عبد العاطي. وتُشير رغبة عراقجي المعلنة في تجنب المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة إلى تحول ملحوظ، فلم تعد إيران تُصنّف الدول العربية بشكل قاطع على أنها "عميلة لإسرائيل". بل يبدو أنها تسعى إلى التقارب، وتسعى إلى البحث عن وسطاء، من بينهم مصر، الذين قد يساعدون طهران في إيصال رغبتها إلى واشنطن وتل أبيب في حل النزاعات حول برنامجها النووي وتدخلها الإقليمي. وتشير زيارات عراقجي السابقة إلى عواصم الخليج، حيث أعرب عن تفاؤله بشأن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة عمانية، إلى الاتجاه عينه: إذ ترسم إيران خطاً أحمر واضحاً في الصراع العسكري، في حين تظهر مرونة في مسائل مثل تخصيب اليورانيوم ودور الفصائل المتحالفة معها".
وتابع الموقع، "خلال زيارته إلى لبنان، تجنب عراقجي بشكل ملحوظ أي ذكر لنزع سلاح حزب الله أو وضع ترسانته تحت سيطرة الدولة. ويشير هذا الصمت إلى أن إيران تعطي الأولوية للحفاظ على الذات والدبلوماسية المدروسة على التأكيد الأيديولوجي، على أمل تجنب الانتقام العسكري الإسرائيلي من النوع الذي ضرب في السابق عميقًا في طهران وسوريا، مما أسفر عن مقتل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وحتى زعيم حماس إسماعيل هنية. وتشير الكلمات التي صيغت بعناية من جانب عراقجي في بيروت، والغياب الواضح لحزب الله عن البيانات الرسمية، إلى أن القاهرة أرسلت تحذيرات خطيرة، ومن المرجح أنها تضمنت معلومات استخباراتية رسمية، ربما منقولة من مصادر إسرائيلية أو أميركية، تُشير إلى أن الضربات الإسرائيلية على إيران ليست مجرد تكهنات إعلامية، بل احتمالات وشيكة".
وأضاف الموقع، "تشير الإشارات المتبادلة خلال اجتماعات عراقجي مع المسؤولين اللبنانيين إلى انفتاح طهران الضمني على السماح للسلطات العسكرية والأمنية اللبنانية ببدء عملية نزع سلاح حزب الله، جزئياً على الأقل، ووضع أسلحته الثقيلة تحت سيطرة الدولة، إما بشكل دائم أو حتى بعد المصالحة المستقبلية بين الدولة اللبنانية و"المقاومة"، وهو احتمال لا يزال بعيداً في الوقت الراهن. ومع أن هذه التطورات تُشير إلى تحوّل في موقف إيران، إلا أنه من السذاجة اعتبار هذا التحوّل دائمًا أو مبدئيًا. فمبادرات إيران الحالية ليست إعادة توجيه استراتيجي بقدر ما هي تراجع تكتيكي، مدفوع بالضرورة لا بالقناعة".
وبحسب الموقع، "لا يزال النظام كما كان دائمًا: دولة دينية قائمة على أيديولوجية التحدي، لطالما استندت شرعيتها على ركيزتين: العداء للولايات المتحدة، وتصدير ثورتها إلى العالمين العربي والإسلامي. هذه ليست مجرد شعارات، بل هي دعائم هوية الجمهورية الإسلامية، والتخلي عنها كليًا سيقوض الأساس الذي بني عليه النظام لأكثر من أربعة عقود، ولا يمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي، بصفته حارسًا لهذا الإرث، أن يُنظر إليه متنازلًا عن هذه المبادئ الجوهرية. لقد ترك هذا التوتر إيران في مأزق خطير. فمن جهة، هي منعزلة واقتصادها يتدهور وهناك خطر المواجهة العسكرية. ومن جهة ثانية، هناك خطر الانهيار الأيديولوجي والانشقاق الداخلي. ويسلك النظام مسارًا ضيقًا بين الأيديولوجية والبراغماتية، حيث يحمل كلا الخيارين مخاطر وجودية".
وتابع الموقع، "تتضح هشاشة موقف إيران أكثر عند النظر في وضع ما يُسمى بمحور المقاومة، وهو شبكة واسعة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بُنيت بجهد بالغ على مدى ما يقرب من نصف قرن. غذّت إيران هذا التحالف، من لبنان إلى اليمن، ومن غزة إلى العراق، ليس فقط لاستعراض قوتها، بل لردع خصومها الرئيسيين، إسرائيل والولايات المتحدة. لكن هذه الشبكة الآن في أزمة. لقد جاءت هجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 بنتائج عكسية كارثية. فبدلاً من حشد الدعم، أثارت رداً إسرائيلياً انتقامياً مدمراً قضى على قيادة حماس، بمن فيهم يحيى السنوار ومحمد ضيف، وإسماعيل هنية في طهران. وتُركت غزة في حالة دمار، ودُمّرت شبكات أنفاقها المعقدة ومخابئ أسلحتها. كما وأدى قرار حزب الله بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل إلى تفاقم الوضع. فبدلاً من ردع إسرائيل، أدى ذلك إلى حرب شاملة ثانية. قُضي على قيادة حزب الله العليا، وقُتل آلاف المقاتلين، ودُمِّر جزء كبير من ترسانته. وتواجه إيران الآن تحديًا مُلِحًّا يتمثل في إعادة بناء حزب الله، ولكن من دون سوريا، الجسر البري القديم، تُصبح هذه المهمة أكثر تعقيدًا بكثير".
واضاف الموقع، "أما سوريا، حجر الزاوية في استراتيجية إيران الإقليمية وأقدم أعضاء المحور، فتتلاشى. فنظام بشار الأسد الذي كانت إيران تعتمد عليه انهار. من دون سوريا، ينهار التماسك اللوجستي للمحور، ويتقلص عمقه الاستراتيجي. ومع ذلك، لم تخسر طهران كل شيء بعد. فلا تزال إيران وحلفاؤها يحتفظون بنفوذ في العراق، حيث لا تزال قوات الحشد الشعبي قوة فاعلة. في غضون ذلك، برز الحوثيون كأكثر وكلاء إيران فعالية. ويُبرز استمرارهم في تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، ونجاحهم في شنّ ضربات صاروخية على أهداف إسرائيلية، بما فيها تل أبيب، أهميتهم الاستراتيجية. ونظرًا لتمتعهم بحماية جغرافية وتجذرهم في النسيج القبلي اليمني، يصعب تحييدهم، وهم يتحولون بسرعة إلى "حزب الله الجديد" لإيران".
وبحسب الموقع، "مع ذلك، لا تزال هناك تهديدات وشيكة، فالسلطات الجديدة في سوريا قد تُلهم تمردًا سنيًا في العراق، مما يُهدد هيمنة إيران. للعديد من القادة السوريين الجدد جذور عميقة في التمرد السني العراقي، وقد تُشعل عودتهم اضطرابات جديدة تُهدد قبضة طهران. ومن المرجح أيضاً أن يُنظر في طهران إلى صعود المملكة العربية السعودية باعتبارها وسيطاً إقليمياً وقوة اقتصادية ذات نفوذ سياسي متزايد باعتباره تحدياً مباشراً لأهمية الجمهورية الإسلامية. وفي حين أن الاتفاق بين السعودية وإيران الذي توسطت فيه الصين في آذار 2023 كان بمثابة اختراق دبلوماسي، واستعادة العلاقات الرسمية بعد سنوات من العداء، إلا أنه لم يمح التنافس العميق الجذور الذي شكل تفاعلات البلدين لعقود من الزمن. وراء الكواليس، يخيم الاستياء، مدفوعًا بالتباعد الأيديولوجي والتنافس الاستراتيجي وعدم ارتياح إيران لصعود الرياض كفاعل أكثر براغماتية وانخراطًا عالميًا. فبالنسبة لنظامٍ لطالما صوّر نفسه طليعة المقاومة في العالم الإسلامي، فإن النفوذ المتنامي للمملكة العربية السعودية الإصلاحية والنشطة دبلوماسيًا لا يؤدي إلا إلى تعميق الشعور بالتراجع".
وتابع الموقع، "رغم هذه الهزات، قد يأتي الخطر الأكبر من الداخل. قد لا يجد نظامٌ ضعيفٌ ومحاصرٌ ويائسٌ للحفاظ على نفسه خيارًا سوى تسليح برنامجه النووي. إذا شعرت إيران أنه لم يعد لديها ما تخسره، فقد تتخطى أخيرًا عتبة التسلح النووي، الذي طالما استُخدم كورقة ضغط، وسيُمثل ذلك تحولًا حاسمًا وخطيرًا، ليس لإيران فحسب، بل للمنطقة بأسرها. إن هشاشة موقف إيران اليوم تنبع من تناقض داخلي لم يعد بإمكانها إخفاؤه. فالنظام عالق بين الأيديولوجية والبراغماتية، بين العقيدة الثورية التي تُشكل أساس شرعيته والحاجة الوجودية للتكيف في مواجهة تحديات إقليمية ومحلية غير مسبوقة. إذا اختارت التشبث بجذورها الأيديولوجية، فإنها تُخاطر بالعزلة والانهيار الاقتصادي والمواجهة العسكرية المحتملة. ومع ذلك، إذا تبنت تغييرًا حقيقيًا وتعاملت مع خصومها بشروط تُمسّ بتلك المبادئ الثورية، فإنها تُخاطر بتقويض أسس الجمهورية الإسلامية ذاتها".
وبحسب الموقع، "إيران عالقة. لم تعد اللعبة كما كانت، وتكاليف سوء التقدير لم تكن يومًا بهذا القدر. وتجد الجمهورية الإسلامية نفسها عالقة في مأزق من صنع يديها، فلم يعد بإمكانها تصدير ثورتها بنفس القوة، ولا التراجع دون خيانة الأسس التي بُنيت عليها. لم تعد أساليب اللعب القديمة، المتمثلة في التحدي الأيديولوجي، والتشدد الإقليمي، والمخاطرة النووية، تُحقق النتائج نفسها. ومع ذلك، تفتقر طهران إلى خطة جديدة. تواجه إيران، المحاصرة والضعيفة والمتزايدة العزلة، أخطر اختبارٍ في تاريخها بعد عام 1979. إن التصلب والتحدي اللذين كانا دافعًا لصعودها قد يُعجّلان الآن بتفككها. وليست استراتيجية النظام الإقليمية وحدها هي المعرضة للخطر، بل مستقبل الجمهورية الإسلامية نفسها".
وختم الموقع، "لم تعد اللعبة تقتصر على النفوذ الإقليمي فحسب، بل أصبحت وجودية. وفي هذه اللعبة، قد لا يكون العناد علامة قوة، بل نذير انهيار".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|