عودة: مَن يدّعي أنّ أيامنا صعبة فليتذكّر الإضطهادات في القرون الأولى
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “تكرم كنيستنا المقدسة اليوم جميع القديسين الذين أرضوا الله عبر العصور. لقد جعل هذا التذكار في الأحد الذي يلي العنصرة، عيد انحدار الروح القدس وتأسيس الكنيسة الأرضية، لكي نعاين أثمار أتعاب الكنيسة بين البشر. القداسة ليست أمرا غريبا عن الحياة الكنسية، بل هي الأمر الطبيعي فيها. إنها المسار الطبيعي الذي يسلكه الإنسان المؤمن بالمسيح. فكل من يقترب من الرب ويستجيب لمحبته الإلهية، لا يقدر إلا أن يعيش بحسب ما أوصاه الرب، وكما عاش السيد نفسه خلال حياته الأرضية. تضعنا الكنيسة اليوم أمام أجواق القديسين كتأكيد على أن الرب يعمل حقا في كنيسته، وأن على طبيعة الإنسان الساقطة، التي شوهتها الخطيئة وأفسدتها الأهواء والشهوات وعريت من كرامتها الأصلية، أن تتجدد وتقوم وتتجلى في جسد المسيح أي الكنيسة. هذا ما يحصل في شركة جسد المسيح، جسد الكنيسة، حيث تخلص النفس البشرية بقدر ما يتغلغل الإنسان في حياة الكنيسة في المسيح، ويحيا مع المسيح وبه. هذه هي القداسة، وليست مصادفة أن إنجيل اليوم يعلن لنا الدرب نحو القداسة حيث يقول الرب: «كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا به قدام أبي الذي في السماوات، ومن ينكرني قدام الناس أنكره أنا قدام أب الذي في السماوات» (مت 10: 32-33).”
أضاف: “يبدو أن قلة منا سوف تستحق هذا الإعتراف، خصوصا عندما توضع حدود قدراتنا البشرية على المحك، وعلى الحدود بين الحياة والموت، حيث سنكون مطالبين بالإعتراف بالمسيح كسيد على حياتنا، وبشجاعة البقاء أمناء له حتى النهاية، دون أن نتزعزع إن لم يرسل لنا الرب التعزية والفرح، بل قد يسمح بمرورنا في المعاناة والأحزان. تلك التجارب هي لتطهير نفوسنا ونيلنا الإكليل السماوي، شرط أن نقتبلها من أجل المسيح. مع ذلك، فإن رهبة البشر في مواجهة الموت طبيعية جدا، كيف لا وقد أصابت المسيح، بطبيعته البشرية، في الجسمانية. غير أن مهمتنا هي أن نرمي الموت تحت قدمي المسيح مخلصنا، إذ إن الموت الجسدي بالنسبة إلينا ليس ظلاما ونهاية، بل باب يفتح نحو حياة جديدة مع الله، ناقلا إيانا من حياة وقتية إلى أخرى أبدية. مع ذلك، علينا أن نبدأ منذ الآن بعيش الأبدية. قد نظن بسذاجة أن عيشنا الحياة المسيحية كامل، إلا أن المسيحي الحقيقي يحيا كل لحظة طالبا الرحمة، واعيا ضعفه وتقصيره وخطاياه، كأنه واقف أمام ناظري الله الأزلي، القوي، الذي لا يموت، كما نردد في صلواتنا: «قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الذي لا يموت، ارحمنا».
وتابع: “ليس المطلوب منا أن نعترف بالمسيح فقط في المصائب والأحزان، أو في مواجهة الموت، بل أن يكون ذلك خبزنا اليومي، بحيث نظهر للعالم يوميا أننا مسيحيون ليس بالكلام المنمق، ولا بالحركات التقوية، إنما من خلال التقى القلبي الحقيقي النابع من نفس عاشقة لله، تطبق ما علمها إياه الخالق، أي المحبة والرحمة والوداعة وطول الأناة وعدم دينونة القريب والتواضع الإلهي. بطريقة عيشه هذه، يعترف المسيحي بأن المسيح هو إلهه الحقيقي، وهذا هو نوع الإعتراف الذي ينتظره منا المسيح. فكيف أعترف بالمسيح في وقت الشدة أو الإضطهاد إن لم أتمرس بالإعتراف به يوميا في أبسط الأمور الحياتية؟ هذا مستحيل، لأن الطريق إلى القداسة هي الأمانة لله، والصدق معه في كل حين”.
وقال: “جوهر القداسة هو تلك المحبة الصافية الكاملة المجردة من الأنانية وحب الذات والغرور، التي لا تطلب ما لنفسها والتي لا تنتظر مقابلا أو مكافأة، بل تهمل كل ما يستعبدها ويشدها إلى الماديات والأرضيات. عند ذلك يغدق الله على حاملها نعمه ويسكب عليه مواهبه ليسير على درب القداسة التي هي في متناول كل إنسان يتبع خطى يسوع بنعمة الروح القدوس”.
أضاف: “في هذا الأحد الذي نعيد فيه لجميع القديسين، تدعو الكنيسة كلا منا ليكون مشروع قداسة لمجد الرب. ومن يدعي أن أيامنا صعبة والتجارب التي نمر بها أقسى من تجارب من سبقونا، ليتذكر الصعوبات والإضطهادات في القرون الأولى، ومكائد الشرير التي لا تزول. سمعنا في الرسالة «إن القديسين أجمعين بالإيمان قهروا الممالك… سدوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدة النار ونجوا من حد السيف… ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضا والسجن، ورجموا ونشروا وامتحنوا وماتوا بحد السيف…» لكنهم لم ينكروا المسيح ولا خجلوا من انتمائهم إليه. أين نحن من هذا الإيمان الذي لا تقهره الشدائد ولا تضعفه التجارب؟ أين نحن من المحبة والتضحية واحترام الآخر وصون كرامته واحترام حريته في زمن أصبح فيه كل شيء مباحا بحجة ممارسة الحرية الشخصية ولو مست حرية الآخر وأهانت كرامته. يعلمنا يوحنا الإنجيلي: «إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟» (1يو 4: 20).
وختم: “لنضع ثقتنا بالرب ولنسع إلى القداسة حاملين كل منا صليبه بفرح، تابعين المسيح ، واثقين به، وطالما الروح القدس موجود فالقداسة ممكنة، وقد وعدنا الرب قائلا: «وأنا أسأل الآب فيعطيكم معزيا آخر ليقيم معكم إلى الأبد، روح الحق الذي العالم لا يستطيع أن يقبله لأنه لم يره ولم يعرفه، أما أنتم فتعرفونه لأنه مقيم عندكم ويكون فيكم» (يو 14: 16-17). وإن وعود الرب صادقة”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|