إسرائيل نجحت بتفكيك وحدة الساحات... وايران لم تخسر أوراق القوة!
في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، وفي وقت تتداخل فيه السياسة بالاستراتيجية والعسكر بالدبلوماسية، يقدّم العميد المتقاعد والخبير الاستراتيجي أندريه أبو معشر قراءة معمّقة للمواجهة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران. إذ يوضح أن ما جرى لم يكن سوى "عرض قوة" محسوب ومدروس بعناية، يكشف عن توازنات دقيقة بين الأطراف الفاعلة، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاوض الإقليمي والدولي. كما يسلّط الضوء على موقع لبنان من هذه المعادلة المعقّدة، داعياً إلى اغتنام الفرصة السياسية لإعادة بناء الدولة على أسس السيادة والاستقرار.
في هذا الإطار، اعتبر العميد المتقاعد والخبير الاستراتيجي أندريه أبو معشر، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن المواجهة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، بما تخلّلها من ضربات متبادلة، ليست سوى "عرض قوة"، كما وصفها، مشيرًا إلى أن الضربات بحد ذاتها، سواء الأميركية على منشأة فوردو أو الإيرانية على قاعدة "عين الأسد"، لم تكن تصعيدًا شاملاً بقدر ما كانت رسائل محسوبة.
وأوضح أبو معشر أن "الطرفين أعلنا فورًا استعدادهما للتصعيد، لكن ما حصل فعليًا هو أن إيقاع هذه المواجهة كان مضبوطًا منذ اللحظة الأولى، وضمن نافذة زمنية واضحة فتحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنفيذ العملية العسكرية التي أرادها خلال أسبوعين".
ويتابع: "بالفعل، استطاع ترامب ضبط هذا الإيقاع، بحيث يتم احتواء التصعيد ضمن سقف زمني، يسمح لنتنياهو بإتمام خطته، ومع نهاية الأسبوعين، تعود العملية السياسية التفاوضية إلى الواجهة، بغض النظر عن نتائج الضربات".
وشدّد أبو معشر على أن "ما يحصل اليوم يؤكد أن السياسة استُكملت بوسائل أخرى، وأن الدبلوماسية عادت لتتقدّم على الميدان. فالحكم على النصر أو الهزيمة، وعلى من انتصر أو خسر، لن يكون عبر السلاح، بل عبر نتائج طاولة المفاوضات".
ويسأل: "هل ستتمكن إيران من الحفاظ على ما كانت تنوي الحفاظ عليه قبل المعركة؟ هل ستحتفظ ببرنامجها النووي السلمي، وبقدراتها الصاروخية؟ وما هو إطار التفاوض اليوم؟ هل هو استسلام غير مشروط كما أراده ترامب في السابق؟ من الواضح أنه ليس كذلك".
ولفت أبو معشر إلى أن "إيران ما زالت تمتلك أوراق قوة ولم تستخدمها بعد، ولم تصل إلى مرحلة هزيمة ساحقة تُرغمها على تقديم تنازلات مجانية، بل هي دخلت في المواجهة وكانت مستعدة للذهاب أبعد من مجرد ردّ على استهداف قاعدة معينة".
وتابع: "في المقابل، ترامب أدرك أن لا مصلحة فعلية له في الذهاب إلى حرب استنزاف مفتوحة، فاختار القيام بضربة قوية هدفها تدمير وإظهار التدمير، مستخدمًا قدرات تقنية استراتيجية تؤكد تفوّق الولايات المتحدة، لكنه لم يتجاوز الخط الأحمر المؤدي إلى حرب مباشرة".
واعتبر أبو معشر أن ما جرى هو عملية "عرض قوة" مدروسة، والنتيجة النهائية لما حصل ستُحسم ليس في الميدان، بل على طاولة المفاوضات. وقال: "نحن نرجّح أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتظهر حلول جزئية، لكن القرار النهائي الذي سيُعلن رسميًا ما زال غير محسوم من الطرفين".
ولفت إلى أنه "لم نسمع إعلانًا رسميًا من نتنياهو حول وقف إطلاق النار، كما لم نسمع من إيران أنها أنهت عمليًا الجولة، والبيان الذي أصدره ترامب، وأشار فيه إلى أنه طلب من الإسرائيليين التراجع وعدم اتخاذ قرارات منفردة، يدلّ على أن هناك ضبطًا للقرار النهائي بانتظار التفاهم السياسي الكامل".
ورأى أن إسرائيل استطاعت خلال الفترة الأخيرة أن تحقق تفكيكًا تدريجيًا لما يُعرف بوحدة الساحات، وهو المفهوم الذي لطالما شكل تهديدًا لتفوقها العسكري والسياسي في المنطقة. ويقول: "اليوم تبيّن أن وحدة الساحات لم تعد قائمة فعليًا، وإسرائيل استفادت من هذا التدمير البطيء والممنهج لهذه الوحدة، واستطاعت أن تعزل بعض الساحات عن بعضها الآخر، ما منحها حرية أكبر في العمل العسكري والسياسي".
وبحسب العميد أبو معشر، فإن إسرائيل باتت تتحرك بأريحية نسبية على أكثر من جبهة: "في لبنان، وفي غزة، وحتى في التعامل مع التهديد الإيراني المباشر، باتت إسرائيل تتحرك بمرونة أعلى، والسؤال الأساسي اليوم هو: إلى أي مدى تريد إسرائيل الإخلال بالمناخ العام لوقف إطلاق النار والانخراط في مسار تفاوضي؟".
وأضاف: "التفاوض المفترض بين الولايات المتحدة وإيران قد يتجاوز الملف النووي ليشمل حلولاً إقليمية أشمل. فدور إيران الإقليمي، وقدراتها الصاروخية والعسكرية، كلها على الطاولة الآن. إذا استطاع الطرفان ــ الأميركي والإيراني ــ التوصل إلى صفقة مقبولة، بدعم روسي واضح، فذلك قد ينعكس إيجابًا على مجمل ملفات المنطقة، بما في ذلك الوضع في لبنان".
لكن، وعلى الرغم من هذه الدينامية، أشار العميد أبو معشر إلى أن إسرائيل تبقى الطرف الأقل التزامًا بأي مسار تفاوضي، واعتبر أنه على لبنان أن يلتقط اللحظة، وأن يقرأ التحولات الدولية جيدًا، ليعرف كيف يواكب احتمالات التسوية. فالعالم يتجه إلى حلول وتسويات، والمسألة ليست فقط عسكرية بل سياسية، وعلى الدولة اللبنانية أن تحسن التموضع وتستفيد من الزخم الدولي للانخراط في مسار تفاوضي إقليمي يحفظ مصالحها، قبل أن تُفرض عليها وقائع جديدة".
وبالنسبة إلى ملف لبنان، فنبه إلى أن ما سيتم على طاولة التفاوض لا يقتصر فقط على الملف النووي الإيراني، بل يتعداه إلى بحث الدور الإقليمي لإيران في عدد من دول المنطقة، من بينها سوريا، العراق، ولبنان. في حال قبلت إيران بهذا المسار، فإن ذلك سيفتح المجال أمام خط تصحيح سياسي وإقليمي يقود إلى اعتماد خيارات دبلوماسية بدل التصعيد، وهو ما يأمله لبنان، بأن يفضي التوافق الدولي – الإقليمي إلى حلحلة شاملة، لا فقط لتبريد الساحات، بل لمعالجة جذور المشكلة اللبنانية".
وشدد العميد أبو معشر على أن التحدي الأساسي بالنسبة للبنان هو فرض التزام دولي يُلزم إسرائيل بوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها، واحترام السيادة اللبنانية، قائلاً: "الحل الجذري يكمن في فرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وإنهاء حالة الاعتداءات الإسرائيلية، وتمكين الدولة من أداء دورها الكامل كسلطة قوية مركزية".
وختم بالقول: "عندما يتم تثبيت هذا الإطار السيادي والدولي، تنتفي الحاجة إلى السلاح خارج الدولة، وتُعاد هيبة المؤسسات، وتسقط مبررات المقاومة المنفصلة عن الإطار الرسمي. الدولة وحدها تصبح المرجعية، والسيادة لا تُجزّأ ولا تُفاوض".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|