محليات

سعيد في مواجهة منفردة لحماية روح النظام المصرفي في لبنان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في بلد أصبح فيه انهيار المؤسسات القاعدة لا الاستثناء، وأضحت معظم المعارك العامة تُخاض من أجل مصالح شخصية أو مكاسب سياسية، يخوض حاكم مصرف لبنان معركة استثنائية وفريدة من نوعها — معركة لا تخدم مصالحه الشخصية، ولا تعود عليه بأي مكافآت أو أرباح. إنها معركة مبدئية، يخوضها دفاعًا عن استقلالية مصرف لبنان وعن روح التنظيم المصرفي في لبنان.

ويرى خبراء في المجالين النقدي والمالي وواكبوا اندلاع الأزمة بانه منذها تشل الأزمة المالية المدمّرة في عام 2019، حيث شُلَّ النظام المصرفي اللبناني، مثقلاً بالخسائر، وانعدام الثقة، والشلل السياسي. وفي خضمّ هذا الانهيار، أخذ حاكم مصرف لبنان المركزي الدكتور كريم سعيد على عاتقه الدفع نحو إنشاء هيئة مستقلة لحلّ أوضاع المصارف — كيان متخصص يُمنح صلاحية تقييم المصارف المتعثرة، وإعادة هيكلتها، أو، عند الضرورة، تصفيتها، بناءً على معايير واضحة، وتقييمات مستقلة، وخطط عمل ذات مصداقية. هذه الهيئة ليست ترفًا؛ بل حجر الزاوية لأي تعافٍ مالي حقيقي. لكن في لبنان، حيث كل مؤسسة تُعتبر غنيمة محتملة للنفوذ السياسي، أثار هذا الاقتراح مقاومة خفية ولكن شرسة.

لماذا؟ لأن هذه الهيئة ستكون صاحبة القرار في مصير المصارف اللبنانية: هل تُنقذ وتُدمج وتُعاد رسملتها؟ أم تُصفّى وتنتهي؟ ولهذا بالتحديد يسعى الفاعلون السياسيون إلى وضع أيديهم عليها. التيار السني التقليدي الذي يدعي حماية حقوق الطائفة يسعى على وجه الخصوص إلى تمكين لجنة الرقابة على المصارف من لعب الدور الأبرز — رغم أن اللجنة هي جهة رقابية، ولا يمكنها أن تكون القاضي والجلاد في الوقت نفسه. بل يسعون إلى منح اللجنة حق التصويت في الهيئة نفسها، إلى جانب تمثيل من وزارتي الاقتصاد والمالية. وهكذا، تصبح عملية الحلّ برمّتها عملية سياسية لا مهنية.

ويتابع الخبراء بان سعيد لم يستسلم. بل قام بتكليف ودراسة قانونية مقارنة تستند إلى أفضل الممارسات الدولية، مستلهمًا من نماذج البنك المركزي الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، وغيرها من الدول المتقدمة. وكانت النتيجة واضحة: لا يمكن لأي هيئة حلّ مصرفي أن تكون ذات مصداقية ما لم تكن مستقلة تمامًا عن التأثيرات السياسية، وغير خاضعة لتدخلات الوزارات أو الهيئات الرقابية القائمة. فالجهة التي تقرر مصير المصارف لا يمكن أن تكون نفسها الجهة التي أشرفت على فشلها.

ويضيف هولاء بان الحاكم واضح ، ولا يسعى إلى سلطةً، ولا إلى حق فيتو، ولا إلى سيطرة. بل اقترح أن يكون لمصرف لبنان صوت واحد فقط في الهيئة، هو صوته. لا يحمل هذا الصوت وزنًا خاصًا، ولا يحدد النتائج. في الواقع، هو يقترح تقليص صلاحياته لصالح نظام محكوم بالعدالة والموضوعية والمساءلة. وفي بلد تسوده ثقافة الإفلات من العقاب، فإن مجرد ذلك يُعد ثورة.

ومع ذلك، يجد سعيد نفسه في مواجهة قوى داخلية مترسخة، مثل وزارة المالية ورئاسة الحكومة (اللتين تعملان، عن قصد أو غير قصد، تحت ظل شخصيات مثل فؤاد السنيورة)، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي نفسه. الصندوق، الذي يفترض أنه نصير الإصلاح، يبدو غافلاً عن كونه يمنح الشرعية لمشروع قد يؤدي إلى ترسيخ التدخل السياسي الذي يدّعي معارضته. وتحت شعار تمكين المؤسسات، يساعد عمليًا حكومة تسعى إلى تقويض ما تبقى من استقلالية مصرف لبنان.

وفي البرلمان تكشف الأوساط ، بان هناك من يسير خلف هذا المقترح بلا تروٍّ، لا بدافع الإصلاح، بل سعيًا وراء رضا السفراء الأجانب، الذين بدورهم يتّبعون، دون تمحيص، مقترحات صندوق النقد — تلك المقترحات التي تبدو وجيهة من حيث المبدأ، لكنها سيئة وخطيرة من حيث الجوهر.

في صلب هذه المواجهة سؤال جوهري: هل المعركة من أجل السلطة؟ أم من أجل الوطن؟

لو أن الحاكم سعيد يبحث عن حماية نفسه، لانحاز إلى القوى النافذة، وناور من أجل تسوية، وضمن موقعه من خلال التنازلات. لكنه اختار الطريق الأصعب. اختار النزاهة المؤسسية على حساب الراحة. الوضوح القانوني بدلًا من الغموض. والمصلحة الوطنية فوق المصالح الفئوية.

إنها معركة عادلة، ولكنها معركة منفردة وظالمة.

وعندما يحين وقت المحاسبة التاريخية، سيتبيّن من حاول استغلال الأزمة لصالحه، ومن وقف — وغالبًا وحيدًا — لبناء أسس تعافٍ حقيقي. معركة الحاكم ليست من أجل سلطة شخصية، بل من أجل إعادة إحياء ثقة الناس بدولة القانون، واستقلالية النظام المالي. ولهذا، فهو يستحق ليس فقط الاحترام، بل الدعم

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا