سعَيد يستكمل مشاورات تقنية حول موضوع إصلاح القطاع المصرفي في باريس وواشنطن
7 أيار "داعشي"
بينما يعاد تصنيع وتصدير فزاعة «داعش» والاتّجار والترويج السياسي والإعلامي بها، لوضع السنة موضع الاتهام بنقص في الوطنية وفائض في الانفصالية، من أجل إعادة إنتاج قيم صراع سياسي – عقائدي تحرف النقاش عن سحب سلاح «حزب الله»، وتنفخ في عمره عبر ابتداع وظيفة جديدة له، تُنْتهك السيادة اللبنانية جِهاراً على بعد كيلومترات قليلة من عاصمة سيادة «الحزب الإلهي»، وأكثر منها بقليل المقرات الرسمية والأمنية، عبر جولات المصارعة بين كارتيلات المخدرات في مخيم «صبرا».
لم تكن تلك الزُّمر لتتمادى في غيّها لو تعاملت الدولة مع مسألة سلاح المخيمات بحزم كما تتعامل مع السيناريوات «الداعشية»، إلا أنها اظهرت فائضاً من البرودة، واعتبرت الأمر شأنًا داخليًا فلسطينيًا. في الوقت الذي لم يعد مقبولًا في ظل التحولات التي تعصف بالمنطقة، التعاطي مع القضايا التي تمس سيادة البلاد بذهنية تنتمي إلى الحقبة الماضية بكل إرهاصاتها.
وهذا ما دفع بمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان إلى رفع الصوت خلال الاحتفال بعودة الحجاج قائلاً: «لا دولة في لبنان بدون السنة، ولا مجال لأحد أن يهمشهم أو يستبعدهم أو يتجرأ على ذلك، وإن كنا نتريث في بعض الأحيان في رفع الصوت، فهو من أجل إعطاء فرصة للآخرين كي يصوبوا الأمور. ولكن إذا تجرأوا على حقوقنا أكثر، فلن ننتظر طويلًا بعد اليوم». وختم مواقفه النارية بالكشف عن إطلاق دعوة في الأيام المقبلة إلى لقاء موسع في دار الفتوى لجمع الصف السني على موقف واحد يكون أداة ضغط فعالة. أتبعها في اليوم التالي في الرسالة التي وجهها إلى اللبنانيين بمناسبة رأس السنة الهجرية، بالتحذير من «الظواهر السلبية التي تذكر بالعهد السابق».
مواقف المفتي، ومن قبله مواقف الشيخ المقرب منه، خلدون عريمط، تجتمع لتشكل إنذارًا بقرب الانفجار إن لم يسارع أهل الحل والعقد إلى تدارك الأمور. فإطلاق المفتين والمشايخ لمواقف من هذا النوع يكون من أجل احتواء الشارع، عبر سحب العوامل التفجيرية، والعمل على نقلها إلى مراكز القرار، حيث يرتكز النهج التاريخي لدار الفتوى المستقى من التراث الأزهري، على فكرة لعب المؤسسة الدينية دور الوسيط بين الشعب والحاكم، يعمل على الحؤول دون خروج الأمور عن السيطرة.
ذلك أن محاولة إعادة إنتاج المزاج «الداعشي»، وترويج انتشاره لتبرير ضرب السنة، وخصوصاً الفئات الأكثر تهميشاً، لا تعدو كونها «7 أيار» جديد بلبوس «داعشي»، وببصمة من الفاعل الأساسي نفسه وهو «حزب الله»، ومن خلفه رهطه في المحور المخلوع عن عرشه.
مقابل مناخ يتنامى تحت وطأة تحريض خبيث على طريقة «دسّ السم في العسل»، يتغذّى من جذور ضاربة في التربة الاجتماعية، أسهم في زيادة منسوب الضغط على الساحة السنية، التي تعاني في الأصل من حالة تفكك كارثية، حتى أوشكت على الانفجار، ويقف خلفه ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، ينتمون إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، أو يتأثرون بخطابها وتحديثاته الإسلاموية غداة «طوفان الأقصى».
يظهر هذا المناخ السنة كـ «أقلية» قلقة تعاني من تهميش متعمد، وتتهافت على منصب من هنا، وموقع من هناك، وترى في محاسبة فاسد أو نزاع عقاري استهدافًا لها، ليزيّن لهم فكرة قديمة أعيد بعثها من جديد وهي الانضمام إلى سوريا، بما يمنح هذه الأقلية طابعًا انفصاليًا خياليًا، منفصلًا تمامًا عن الواقع ومعادلاته الصلبة. تكمن المفارقة في أن «الإخوان» يحرضون على «سورنة» السنة، فيما هم على خصومة «عميقة» مع دمشق التي أوصدت بابها بإحكام أمامهم.
على أية حال، ليس لدى الرئيس أحمد الشرع ترف التمدّد خارج الجغرافيا السورية سياسيًا أو عسكريًا، في ظل انصرافه إلى تدعيم أركان حكمه ومواجهة التحديات الداخلية الصعبة، وسبق أن قال ذلك بنفسه غير مرة أمام ضيوفه اللبنانيين من رسميين وغيرهم، ومنهم «هيئة علماء المسلمين». فحسب أكثر من مصدر مشارك، أكّد الشرع على ضرورة تنمية العلاقات الطبيعية بين البلدين الجارين، والعمل على تنقيتها من السموم التي زرعها نظام الأسدين.
اليوم، ثمة فرصة ذهبية لتصحيح أخطاء تاريخية، أبرزها خطأ الخروج على الدولة الذي عمّ في منطقتنا، وانتشار الجماعات الموازية لها تحت تأثير الإحياء الإسلامي الراديكالي ورياح «الخمينية»، عبر إعادة التوازن الهوياتي الدقيق بين البعد الوطني والإسلامي والعربي. فالسنة لطالما كانوا أهل دولة، حتى عندما خرجت بعض الجماعات والمناطق على مؤسسة الخلافة، فإنها لم تبقَ ملتحفة رداء التمرد ولم تنشئ هياكل موازية، بل أسست دولًا لها جيوش وإدارات ومؤسسات.
سامر زريق - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|