قنبلة موقوتة تُهدّد الإنتخابات النيابية
لم يكن الإنفجار السياسي حول تصويت المغتربين داخل مجلس النواب مفاجئاً لأحد، فالجميع كان يعلم أن هذه "القنبلة" ستنفجر عاجلاً أم آجلاً، لأن الخلاف حول هذا الملف ليس تقنياً ولا قانونياً ولا حتى مبدئياً، بل هو في جوهره انتخابي بحت. فكل الأطراف السياسية، من دون استثناء، تتعامل مع حق المغتربين في التصويت على أنه مجرّد ورقة في معركة الربح والخسارة داخل صناديق الإقتراع لا أكثر.
الإنقسام في المواقف كان متوقعاً أيضاً، هناك من يريد أن يصوّت المغتربون للـ128 نائباً، كما المقيمين في الداخل، وهناك من يصرّ على حصر تصويتهم بستة نواب فقط، يمثل كل واحد منهم قارة من قارات الإغتراب. في العمق، لا أحد يناقش القضية من منطلق وطني أو دستوري أو ديمقراطي، لا أحد مهتم فعلاً بحقوق المغتربين، أو بأوضاعهم، أو بإشراكهم الفعلي في الحياة السياسية، فالنظرة العامة تختصرهم بصناديق اقتراع متنقلة، ومقدار تأثيرها يُقاس فقط بحجم ما تضيفه أو تنزعه من مقعد نيابي هنا أو هناك.
في هذا السياق، تتّخذ القوى السياسية مواقفها بحسب مصالحها المباشرة. "القوات اللبنانية"، والكتائب، وعدد من النواب التغييريين والمستقلين، يصرّون على خيار الـ128 نائباً، لأنهم يدركون أن الصوت الإغترابي يصبّ في مصلحتهم، وهو في غالبيته معارض للمنظومة الحاكمة. في المقابل، يرفض كل من "الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر" رفضاً قاطعاً هذا الطرح، لأنهم يعرفون جيداً أن هذا الصوت قد يقلب المعادلات، ويميل ضدهم في عدد من الدوائر. لذلك، يتمسكون بفكرة انتخاب ستة نواب فقط في الخارج، كما ينصّ عليها القانون.
لكن الأخطر من مضمون هذا الخلاف، هو ما بدأ يظهر خلفه. إذ تتزايد المؤشرات على أن هذا الصراع، بدل أن يُحلّ أو يُعالج، قد يتحوّل إلى غطاء سياسي لتأجيل الإنتخابات النيابية المقبلة، المقرّرة مبدئياً في ربيع العام 2026، فالخوف كل الخوف أن يتحوّل الخلاف حول تصويت المغتربين إلى توافق ضمني على تطيير الإستحقاق برمّته. ولعلّ الأخطر أن هذا الطرح لم يعد مجرّد تحليلات أو تكهنات صحافية، بل بات يتردد علناً على ألسنة بعض النواب، في الجلسات واللقاءات والمداولات، داخل مجلس النواب وخارجه.
والأخطر من ذلك، أن خريطة المجلس النيابي الحالي تكشف أن معظم الكتل النيابية باتت راضية عن تموضعها السياسي. "الثنائي الشيعي" مرتاح، نظراً لاحتكاره الكامل للمقاعد الشيعية الـ27، وبالتالي لا حاجة ملحّة لديه لتجديد المشهد. أما "التيار الوطني الحر" فيعتبر الإنتخابات المقبلة مصيرية في مساره السياسي، خصوصاً في ظل مؤشرات إلى احتمال تراجع كبير في عدد نوابه، ما يجعله يسعى لكسب الوقت، وليس للذهاب نحو معركة مجهولة النتائج، أما النواب التغييريون فيدركون أن الزخم الشعبي الذي حملهم عام 2022 تراجع، والأرضية التي وقفت خلفهم آنذاك لم تعد متوفرة، وبالتالي، فإنهم قد لا يمانعون تأجيلاً يمنحهم فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم.
"القوات اللبنانية"، رغم أنها الكتلة الأكبر في البرلمان، لا تُظهر موقفاً حاسماً رافضاً للتأجيل، خاصة إذا كان سيثبّت ميزان القوى الحالي، والنواب المستقلون، الذين جاء كثير منهم نتيجة ظروف استثنائية في 2022، قد يجدون في التأجيل فرصة لتمديد حضورهم السياسي. أما الحزب التقدمي الإشتراكي، فهو يمرّ بمرحلة صعبة، خصوصاً على الساحة الدرزية في لبنان وسوريا وفلسطين، وهو بأمسّ الحاجة إلى تهدئة داخلية، وإعادة تموضع، وصياغة موقف سياسي متماسك، قبل أن يخوض استحقاقاً قد ينعكس سلباً على حضوره التاريخي.
في ظل هذا الواقع، يصبح تأجيل الإنتخابات خياراً ممكناً، بل سهلاً، والتوافق عليه أسهل. أما الكلام عن استحقاق ديمقراطي، ومواعيد دستورية، ودولة قانون، فيبدو كأنّه صار من الماضي. لذلك، إن انتخابات العام 2026 لم تعد أمراً محسوماً، بل باتت على طاولة المساومات السياسية، تماماً كما حصل في كل استحقاق سابق، في نظام لا يضمن شيئاً، سوى مصالح من يتحكّمون به.
محمد المدني -ليبانون ديبايت
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|