الصحافة

سلامٌ حتمي في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تمرّ مراحل التحوّلات الكبرى بشيء من دهشة المصطلحات الداهمة والمستجدّة. مفردات جديدة يصعب هضمها سريعًا، داخل "إمعاء" دول وشعوب هذا الشرق "الإسبارطي" الذي لم يتعرّف عبر تاريخه إلى رفيقٍ دائم يُدعى السلام. غير أن الحروب ورغم قسوتها ووحشيتها، قد تطوي أزمنة قديمة وتؤسّس لعهود جديدة من الاستقرار والعلاقات الوديّة.

بعد توقّف ملاكمة الـ 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، ارتفعت حرارة الكلام عن توسيع معاهدات السلام بين إسرائيل ومزيد من دول المنطقة. ولعلَّ التصريح الأبرز، كان لمبعوث دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي قال: "إنّ لبنان وسوريا يمكن أن ينضمّا إلى اتفاقيات أبراهام".

واللافت في هذا السياق هو المواقف الإسرائيلية شبه اليومية، وآخرها إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر "اهتمام بلاده بإقامة علاقات دبلوماسية" مع البلدين المذكورين.

لذا، فإن السؤال الذي يدور في كواليس السياسة اللبنانية كما الغربية: هل أن لبنان جاهز للسلام المزعوم أم أن العصي في "دواليبه" كثيرة؟ على عكس المسار السوري الذي يشهد ديناميكية دبلوماسية لافتة في هذا الاتجاه. إذ تشير المعطيات والتقارير إلى إمكانية توقيع اتفاق سلام بين دمشق وتلّ أبيب قبل نهاية العام الجاري 2025.

ردًّا على هذه الإشكالية، يقول أحد الدبلوماسيين السابقين المطلعين على ترتيبات المنطقة، إن السؤال الحقيقي المطروح هو ليس إذا كان السلام سيحطّ عندنا أم لا، بل: متى؟ وترتبط هذه الظرفية الزمنية بجملة اعتبارات داخلية، منها ما هو مساعد ومنها ما هو مُعَرقِل.

ويؤكّد أن المتغيّرات الجذرية التي حلّت في الشرق الأوسط، بعد حرب "طوفان الأقصى" وارتداداتها البنيوية على سوريا ولبنان وإيران، وهزيمة "محور الممانعة"، أدّت إلى نشوء نظام إقليمي جديد، يرتكز على ما يعرف بـ "الاتفاقيات الإبراهيمية"، وما تحمله من فوائد اقتصادية وتنموية، في زيادة التبادل التجاري والاستثمار في مجالات الزراعات الذكية، والتكنولوجيا والأمن السيبراني والطاقة والسياحة وتطوير الموانئ وقطاعات النقل، لتسهيل الحركة التجارية الإقليمية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وهذا يتطلّب تصفير النزاعات والصراعات بين دول الإقليم. بالتالي، على لبنان أن يقرّر تموضعه في هذا العالم الحديث والمتسارع التكوين، إذا كان يريد مواكبة العصر، أم البقاء في السراديب المُمانِعَة للتطور واتجاهات المنطقة الجديدة.

ويعتقد الدبلوماسي أنّ طبخة السلام باتت ناضجة أكثر من المرحلة التي رافقت "إتفاق 17 أيار" عام 1983، حيث كان النظام الدولي القائم آنذاك على القطبين أي الولايات المتحدة الأميركية و"الاتحاد السوفياتي"، و"شطارة" حافظ الأسد المتحكّم بالورقة اللبنانية في اللعب بين حبال الجبّارين المتناقضة، إضافة إلى المزاج العام العربي الشعبي والرسمي المعارض لأفكار السلام والتطبيع وقتذاك. أما اليوم، فباتت سوريا سبّاقة في خوض رحلة السلام أو التطبيع، كما أنّ الشعور العربي- الإسلامي- السنّي بات متحمّسًا له.

في هذا الإطار، تكمن المفارقة، أنّ السياسات الإيرانية المُتَّبعة منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران ومحاولات تصديرها داخل العالم العربي وتهديد أمنه، والتدخّل في شؤونه واستغلال العامل الديني - الشيعي لتمدّد نفوذها، وموقف الإمام الخامنئي الشهير قبل أشهر بأنّ "المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية مستمرّة"، دفعت في أن تكون إسرائيل أكثر قبولًا من "الجمهورية الإسلامية". فـ "الكيان الصهيوني" الذي كان منبوذًا ومرذولًا، بات اليوم جزءًا من خريطة المنطقة وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والتنموية. وأردف قائلًا إن "صور السيد حسن نصرالله التي رُفعت على امتداد الساحة العربية، أسقطتها سياسات طهران". هذه العوامل، إضافة إلى هزيمة "حزب الله" العسكرية، تؤلّف عناصر داعمة لمسار السلام.

في المقابل، فإنّ الموانع والحجج الموضوعية الداخلية، المرتبطة بمعالجة النقاط الـ 13 الحدودية، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، واحترام فواجع الطائفة الشيعية وتحديدًا بيئة "الممانعة" العريضة، التي خسرت على مدى عقود من الصراع مع إسرائيل مئات الشباب والضحايا، قد تؤخّر صعود لبنان "القطار الإبراهيمي"، ولا شكّ بأن المفاوضات الأميركية الإيرانية وما سينتج عنها ستؤثّر سلبًا أم إيجابًا على موقف لبنان، إذ يصعب ولوج السلام من دون توافق داخلي عارم. لكن هذا المسار وفق الدبلوماسي السابق قد انطلق، وينتظر اكتمال آلياته واستواء ظروفه الداخلية والخارجية.

طوني عطية - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا