بحر ملوث وصمت رسمي: كارثة بيئية تهدّد الشاطئ اللبناني
رغم توقيع لبنان على اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط، لا يزال أكثر من 65 % من مياه الصرف الصحي تُصرّف مباشرة في البحر من دون أي معالجة، ما يشكّل خطرًا بيئيًا وصحيًا متصاعدًا. فقد كشف المجلس الوطني للبحوث العلمية في تقريره لعام 2024 أن أكثر من 20 موقعًا ساحليًا على طول الشاطئ اللبناني غير صالحة للسباحة، بسبب التلوّث البرازي والجرثومي.
وتعدّ مدن بيروت، طرابلس، وصيدا من بين الأكثر تضررًا. في ظل هذا الواقع، ومع تعطل أو غياب أكثر من 12 محطة معالجة، تبقى الشواطئ رهينة الإهمال، وسط غياب خطة مستدامة تحمي البحر والناس من كارثة صحية وبيئية وشيكة.
وفي هذا السياق يرى الخبير الدولي في البيئة والمياه د. جلال حلواني أن تصريف المياه المبتذلة أو ما يعرف بـ "الصرف الصحي" في البحر من دون أي معالجة، يُعد من أخطر مصادر التلوث البيئي، وهذا له آثار عميقة على البيئة البحرية وعلى صحة الإنسان، فهذه المياه المبتذلة تحتوي على جراثيم وفيروسات إضافة إلى مواد كيماوية وعضوية ومعادن ثقيلة، وعند وصولها إلى البحر تحصل عملية تفاعل مع هذه المواد، ثم تحصل عملية تحلل بيولوجي للجراثيم بشكل خاص.
ويضيف حلواني أن هذا التفاعل البيولوجي يستهلك الأوكسجين الموجود في البحر، وإذا لم يكن هناك كاسر موج، فهذا يؤدي إلى نقص بالأوكسجين المتاح للبيئة البحرية، وتحديدًا الكائنات كالأسماك، والنباتات البحرية، ما يتسبب بموتها وانتشار طحالب يمكن أن تكون خطرة.
وبالنسبة لرواد البحر، ومن بينهم عشاق السباحة في فصل الصيف في الشواطئ التي يتم فيها تصريف المياه المبتذلة، فيمكن لهؤلاء أن يبتلعوا مياهًا تحتوي هذه الجراثيم، وهذه الملوثات الكيميائية تتسبب لهم بأمراض خطيرة، وخاصة إذا كانوا أولادًا أو أشخاصًا يعانون من ضعف المناعة .
ويؤكد حلواني أن وجود هذه الجراثيم (Escherichia coli) أو "إي كولاي" يمكن أن يتسبب بإسهال أو بارتفاع الحرارة، إضافة إلى مرض التهاب الكبد (Hepatitis) ، وإذا كانت كمية المياه التي يبتلعها كبيرة، يمكن أن تتسبب بوفاته، إذا لم تتم معالجة هذا التلوث في جسمه وإعطائه المضادات الحيوية لمجابهة هذه الفيروسات.
كما يمكن لهذه الجراثيم والفيروسات أن تتسبب بأمراض جلدية، لأن هذه الجراثيم يمكن أن تدخل إلى جسم الإنسان عن طريق الجلد، وتتسبب بأمراض فطرية متعددة، بالإضافة إلى الملوثات الكيميائية كالزئبق، والرصاص، والكادميوم، وغيرها من المعادن الخطرة، تخرج إلى جسم الإنسان، وتتكدس، ويمكن أن تتسبب بأمراض سرطانية، وهذه المعادن السامة يمكن أن تكون غذاء للأسماك، وللكثير من الكائنات البحرية، وخاصة إذا كانت تؤكل نيئة، وبالتالي تنتقل هذه الملوثات عبر السلسلة الغذائية إلى جسم الإنسان، وتتسبب بأمراض خطيرة.
وينبه حلواني إلى أن هناك الكثير من الأقوال غير الدقيقة التي تقول إنَّ البحر قادر على أن يتخلص من كل المياه المبتذلة ومخاطرها، وهذا غير دقيق، لأن قدرته محدودة وتتعلق فقط بالملوثات الجرثومية، وتحلل المواد الكيميائية العضوية يتطلب فترة طويلة جداً، فيما المواد الكيميائية غير العضوية لا تتحلل أبداً.
كما يحذر من يرتادون الشاطئ للنزهة، أو للتمتع بالمناظر الجميلة، من انبعاث للروائح الكريهة وتغير لون مياه البحر، وهذا ما ينفر الزوار بسبب انبعاثات هذه الروائح، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي، حيث تصبح بعض المناطق منبوذة من قبل السياح.
من ناحيةٍ أُخرى، تفيد مصادر متابعة لهذا الملف بأن لبنان قد وقّع على اتفاقية برشلونة لحماية البيئة في حوض البحر المتوسط، وبالتالي فهو مُلزَم بمنع وصول الملوّثات من اليابسة إلى البحر، لأن البحر الأبيض المتوسط يُعد بيئةً مغلقة، وهناك متابعة من كل دول الحوض لتعهداتها المتعلقة بالتخلص من الملوثات، سواء كانت من الصرف الصحي أو ملوثات المصانع أو غيرها.
وقد تلقّى لبنان مساعدات وهبات وقروضًا من جهات داعمة، لإنشاء محطات للصرف الصحي على طول الساحل، من عكّار إلى الناقورة. لكن للأسف، فإن غالبية هذه المحطات، إن لم تكن جميعها، إما معطّلة، أو لم يكتمل بناؤها، أو لا تعمل كما يجب.
وتعطي المصادر مثالًا أننا في بيروت الكبرى، ننتظر منذ 30 سنة بناء محطة صرف صحي لبيروت. كان الخلاف دائمًا حول الموقع، إن كانت في الكرنتينا أو في برج حمود، رغم أن التمويل، والدراسات، والدعم الفني، كلها كانت جاهزة. وعندما تم استحداث مكب النفايات في برج حمود - الجديدة، خُصّصت مساحة بين 60 و80 ألف متر مربع لإنشاء محطة تخدم قضاء المتن وشمال بيروت، لكنها ما زالت حتى الآن حبراً على ورق، ويتم التخلّص من الصرف الصحي عشوائيًا في البحر.
أما في بيروت الجنوبية والمتن الجنوبي، فالصرف الصحي يُعالج جزئيًا في محطة الغدير، التي أصبحت غير قادرة على استيعاب الكميات الكبيرة. وفي كثير من الأحيان، يُصرف مباشرة في البحر. والزائر إلى لبنان قد يشم الروائح الكريهة المنبعثة منها بسبب الأعطال أو قصور المعالجة الأولية.
وتتابع المصادر أنه في الشمال، هناك محطة طرابلس الكبرى، وهي أكبر محطة في لبنان، تعمل بأقل من 15 % من قدرتها. ومحطات شكا والبترون تعمل أحياناً فقط. أما محطة العبدة في عكار، فبدأ العمل بإنشائها ثم توقف.
ومن هنا يمكن توصيف المشهد بـ "الكارثي"، والسبب الرئيسي بالتالي هو غياب التمويل لتشغيل وصيانة المحطات، حيث إن كلفتها مرتفعة. الكرة تُرمى بين مؤسسات المياه الإقليمية (بيروت وجبل لبنان، الشمال، الجنوب) ومجلس الإنماء والإعمار، حيث ترفض المؤسسات تولي المسؤولية عن التشغيل والتمويل، فيما الدولة تلجأ لاحتياط الخزينة أو الهبات الدولية، وأبرزها من "اليونيسف"، لتشغيل بعض المحطات بالحد الأدنى.
هذا الوضع يجعل لبنان في حالة إخلال بالتزاماته، كما كشف المجلس الوطني للبحوث العلمية في تقرير حديث نُشر في مؤتمر البيئة البحرية في السراي الحكومي، وأظهر بوضوح وجود نقاط بحرية ملوثة تمامًا وخطرة على الصحة العامة والبيئة.
مازن مجوز -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|