"على عينك يا دولة".. خندق للموت مغطى برخصة زراعية!
تتفاعل في بلدة الصويري، قضاء البقاع الغربي، قضية سطو موصوف على أملاك عامة تابعة للجمهورية اللبنانية، استغلّ مرتكبها فراغًا إداريًا وغطاءً أمنيًا مفترضًا، ليراكم أرباحه غير المشروعة، وعلى حساب البيئة والسلامة العامة وحقوق الدولة.
الفعل منسوب إلى عمر ع. ف، الذي حصل على رخصة من وزارة الزراعة لاستصلاح أرضه الخاصة، لكنه استغلّها ليتمدد بالحفريات إلى مساحة نحو 1500 متر من الملك العام الملاصق، فسطا على ما في الأرض من صخور وأتربة، مخلّفًا في مساحة اعتدائه خندقًا عميقًا قدر عمقه بنحو 11 مترًا.
استغل عمر وفقًا للمعلومات فرصة حل مجلس بلدية الصويري السابق، وظروف التراخي الأمني. ولكنه ليس وحده، وعلى فعلة هؤلاء جميعًا ينطبق المثل الشائع "المال السائب يعلّم الناس الحرام." فبحسب أوساط بلدتي الصويري ومجدل عنجر الحدوديتين، كثيرون هم من يبحثون عن ملكيات خاصة ملاصقة للمشاعات العامة، طامعين بوضع اليد عليها وتحويل ملكيتهم المتوسعة إليها أمرًا واقعًا. ولكن "الإنسان ما بيشبع" وفقًا لما قاله أحد فاعليات بلدة الصويري الذي فضل عدم ذكر اسمه، معتبرًا أن ما فعله المعتدي أبعد من السطو على الأرض لاستثمارها، وإنما هو طمع بأرباح سريعة جعله لا يكترث لسلامة الآخرين بما ألحقه في المكان من تشوه ومن خطر على السلامة العامة.
عند منطقة المصنع الحدودية، وقبل الدخول في عنبر الجمارك، يطل مشهد الأراضي المستصلحة من أمام موقف برادات التصدير المخصص للشاحنات الخارجة من لبنان في لصق أجزاء من طريق الأوتوستراد العربي الذي لم يكتمل إنجازه. من بعيد تبدو أعمال الاستصلاح التي شارفت على نهايتها، مبهجة للنظر ومبشرة بجزيرة خضراء وسط أراضي السلسلة الشرقية القاحلة. ليتبين، أن هذا القناع الأخضر، يشكل أيضًا وسيلة لتمويه آثار التعديات، ومنع إثارة الشبهات، في منطقة تعتبر حساسة أمنيًا، وتتواجد في محيطها كافة الأجهزة من الأمن العام اللبناني إلى الجمارك وإلى مخفر لقوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش، هذا بالإضافة الى فوج الحدود الرابع المنتشر على المرتفعات المطلة على المواقع الحدودية وطرقات التهريب. كما يطل المنحدر على الطريق العام المؤدي إلى راشيا. وهذا ما يثير القلق لكون "الزلمة مش فارقة معه لا الدولة ولا أجهزتها".
بحسب المعلومات فإن هذه التعديات استفحلت في مرحلة حل المجلس البلدي السابق. بعد انتخاب المجلس البلدي الجديد رئيسه وتسلمه مهامه، بادر رئيس البلدية محمد الصميلي وفقًا لما شرحه، إلى مرافقة مسّاحين طوبوغرافيين في سعي لتحديد ملكيات الأراضي المستغلة.
يشرح الصميلي أن الأراضي "الجمهورية" التي تم الاعتداء عليها هي منتفعات عامة، وهي بالتالي حق لأبناء بلدة الصويري، ويمكن أن تستثمر في خدمتهم، وخصوصًا متى تحولت ملكًا بلديًا يسمح بتنفيذ مشاريع عامة، من مثل حدائق واسعة، أو حتى زرع أشجار مثمرة، كأشجار الزيتون، يمكن لمداخيلها أن تحسن واقع بلديتها الفقيرة.
ولكن هذا ليس الهم الأساسي للبلدية في المرحلة الحالية، وإنما مواجهة تداعيات التعدي الصارخ الواقع في هذا المكان، وبالتالي الحد من مخاطر الخندق الكبير المحفور بالمكان، والذي يخشى من أن يبتلع كل من لا يعلم بوجوده.
يقدر رئيس البلدية المساحة المقضومة من الأراضي بأكثر من 1500 متر، بينما يتحدث المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه عن كميات من المستخرجات من صخور وأتربة تقدر بحمولة تفوق المئة شاحنة.
واجه المعنيون المعتدي بفعلته، فحاول أن يحتمي برخصة استحصل عليها من وزارة الزراعة لاستصلاح الأراضي. الا أن الرخصة على ما يبدو ليست وحدها ما يغطي المعتدي. وإنما يخشى المعنيون في البلدة من أن القوى الأمنية أيضًا تغض نظرها عما يجري في المكان.
فالمتوقع لدى البلدية إثر رفع شكواها الأولى على المعتدي، أن يشكل ذلك أقله رادعًا يمنع مزيدًا من التعديات. ولكن ورشة قضم الأراضي استمرت في المكان بقوة أمر واقع بدا مستفزًا لسلطتها المحلية. فاشتكت البلدية مرة أخرى، إلى أن انتزعت من المعتدي تعهدًا بوقف أعمال الحفر وإعادة الأمر إلى ما كان عليه في المنطقة، وهذا يتضمن ردم الحفرة الكبيرة التي خلفها في المكان، وتسييج ملكيته الخاصة لفصلها عن الملكية العامة.
كان يُفترض بهذا التعهّد أن يُريح البلدية وأبناء البلدة، لولا أن المهلة التي حددها المعتدي لإزالة تعدياته هي شهر واحد فقط، وهي مهلة اعتبرها الصميلي غير واقعية، وتُعتبر قصيرة جدًا نظرًا إلى الأضرار التي ألحقت بالمكان وإلى الكلفة المتوقعة لإعادة الردميات، وهذا ما أثار شكوكًا مضاعفة حول صدق نواياه.
"نداء الوطن" تلقّت الشكوى من أحد الفاعليات الذي عاين الأضرار الواقعة، فتحدّث عن "مجزرة فعلية" تسبّبت بها الحفريات للبيئة. وأوضح المصدر أن كل الخشية حاليًا هي أن يلجأ الرجل إلى غرس بضعة أشجار معمّرة، في محاولة لوضع اليد على الممتلكات بقوة الأمر الواقع. ومن هنا، اعتبر أن الجهات الأمنية مسؤولة، وعليها التعاطي بجدّية أكبر مع الشكوى المقدمة، خصوصًا أن المعتدى عليه هو أملاك الدولة، التي يزاولون مهنتهم باسمها.
بينما التحرك الأمني، وفقًا للمصدر، لا يبدو حتى الآن بحجم الفعل وفداحته. ومع أن المعتدي تعهّد بوقف العمل، إلا أن الجهات التي اشتكت لم تلمس متابعة جدية للأمر، بل هناك تخوّف من تساهل القوى الأمنية، خصوصًا أنه قبل فترة، كما يقول المصدر، "توجهت الشرطة البلدية إلى المكان، ووجدت مجددًا ورشة لتحميل الركام والردميات، وهذا ما يفاقم من حجم الكارثة التي تسببت بها الفجوة المستحدثة في المكان".
سلسلة أسئلة يطرحها أهالي البلدة نتيجة هذا الواقع. فمن يمنح الغطاء لهذا الرجل حتى يتمادى باعتداءاته؟ وهل تمّ بيع الردميات المستخرجة من أرض الدولة علنًا؟ هل راقبت وزارة الزراعة حسن تطبيق الرخصة التي منحتها؟
وما دور القوى الأمنية التي يفترض أن تحمي الملك العام من التعديات؟
يعتبر رئيس البلدية أن كل هذه الأسئلة مطروحة فعلًا، ومن واجب الجهات الأمنية والقضائية إعطاء التطمينات للناس. ولتبيان حسن النوايا، يرى الصميلي حاجة لتصوين المكان، أقله حفاظًا على السلامة العامة، وحتى لا تتسبّب الحفرة الموجودة بسقوط أحدٍ فيها ومقتله. على أن يتم إنهاء إعادة الردميات بأقصى سرعة، وقبل حلول موسم الشتاء.
يلوح الصميلي في حال عدم تحرك القوى الأمنية بالجدية المطلوبة بتحويل الشكوى الى ادعاء لدى النيابة العامة المالية. بينما الخوف كل الخوف لدى أهالي البلدة وبلديتها من أن يتحوّل الأمر إلى سابقة تمعن في تظهير ضعف الدولة وتراخي أجهزتها.
فهل يتحرّك القضاء فعلًا وتتحمّل القوى الأمنية مسؤولياتها؟ أم تسقط كرامة الدولة وحق المواطن في حفرة الصويري أيضًا؟
لوسي بارسخيان- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|