الظهور المسّلح في بيروت... رسالة إلى الداخل
على رغم كلامه العالي السقف فإن بعض الذين يراقبون كل كلمة تُقال من هنا أو من هناك يرون أن "حزب الله" الرافض حتى الآن تسليم سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل من آخر شبر تحتله في لبنان قد تحوّل، وعلى لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، إلى عدّاد للخروقات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى لبدء سريان مفعول اتفاق وقف النار، والذي التزم به "الحزب" لأسباب يُقال إنها تعود إلى عدم قدرته الميدانية على الردّ على هذه الخروقات، التي بدأت تأخذ أشكالًا استفزازية لا يمكن السكوت عنها طويلًا بحسب ما يرّوجه بعض الإعلاميين، الذين يتقاطعون مع الأجواء التي يعيشها "الحزب" هذه الأيام.
وآخر ما سجّله العدو من استفزازات هو توغّله داخل الأراضي اللبنانية في الجنوب، ونسف ثلاثة منازل على الأقل خلال أسبوع، في تصعيد خطير هو الأول منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أقّله من جهة واحدة. وهذا الاستفزاز الجديد يدخل في إطار الحسابات الدقيقة، التي تجريها القيادتان السياسية والعسكرية داخل "حزب الله" قبل الاقدام على أي خطوة.
وفي خضّم الحديث عن شروط تسليم "حزب الله" سلاحه، وعشية عودة الموفد الأميركي إلى لبنان لتسّلم الرد اللبناني الرسمي على ما سبق أن طرحه عليهم بالنسبة إلى خارطة طريق متوازية بين الانسحاب الإسرائيلي الممنهج و"الممرحل" وبين تسليم "حزب الله" سلاحه، الذي ظهر بعض منه مؤخرًا في أحد شوارع
بيروت، الأمر الذي أعاد إلى ذاكرة أهالي المنطقة الأجواء التي سبقت حوادث 7 أيار، والتي عُرفت يومها بـ "القمصان السود".
ويعتقد كثيرون ممن هم في المقلب الآخر من الوطن أن هذا الظهور في مناسبة دينية غير بريء وغير عفوي، بل هو مقصود من حيث التوقيت، ومن حيث ما يحمله هذا الأمر من رسائل سياسية وأمنية للداخل والخارج. وقد يكون من بين هذه الرسائل أن "حزب الله" متمسّك بسلاحه الثقيل والخفيف إلى أقصى درجات التمسّك، وهو بالتالي لن يتخّلى عنه بسهولة، وهو لن يقدّمه على طبق من فضة لعدو لا يزال يحيك المؤامرات ضده وضد كل لبنان في آن. وما اكتشاف الخلية الإرهابية، التي كانت تخطّط لأعمال تخريبية في الضاحية الجنوبية لبيروت، سوى ذريعة إضافية لكي يبرّر "الحزب" لنفسه إصراره على التمسّك بسلاحه الثقيل والخفيف.
فهذا الظهور المسلح قد أخذ البلاد إلى مكان آخر، وقد جاءت ردود الفعل عليه فورية، وبالأخصّ ما جاء على لسان بعض المسؤولين بالتوازي مع تحرّك الجيش لإلقاء القبض على الذين ظهروا بأسلحتهم الفردية في منطقة زقاق البلاط.
ففي الوقت، الذي كان الحديث منصّبًا على صياغة الردّ اللبناني الرسمي، وما يمكن أن يتضمنه من مواقف لا تثير غضب الأميركيين من جهة، ولا تنفّر "حزب الله" من جهة أخرى. إلاّ أن ما كشفه هذا الظهور المسلّح قد أضعف ورقة الردّ اللبناني، ووضع المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في موقف حرج تجاه الذين يطالبونه بأن يلجأ إلى الحسم، من دون أن يعني ذلك إدخال البلاد في دوامة "لعبة الدمّ".
ومما لا شكّ فيه هو أن الموفد الأميركي سيكون له موقف جازم بالنسبة إلى خطورة هذا الظهور المسّلح في هذا التوقيت بالذات، وأنه سيبّلغ جميع المسؤولين بأن ما رافق المسيرة العشورائية من ظهور للسلاح الفردي هو أمر غير مقبول، خصوصًا أنه يؤشرّ إلى عدم استعداد "حزب الله" للالتزام بفرضية تسليم سلاحه، أقّله قبل أن يطمئن إلى أن الذين ينتظرونه عند كوع تسليم سلاحه لن ينقضّوا عليه سياسيًا، أو لمحاولة تحجيم دوره في اللعبة الديمقراطية، التي ستتجلّى في ربيع السنة المقبلة.
فإذا لم يضمن "حزب الله" أن النواب الشيعة الـ 27 سيكونون من حصّة "الثنائي الشيعي" في الانتخابات المقبلة فإنه لن يسلّم سلاحه إلاّ بعد أن يتأكد من أن دوره السياسي بعد انتفاء حاجته إلى السلاح سيكون كما هو عليه في ظلّ سلاحه، الذي لا يزال يؤّمن له حرية التحرّك داخل بيئته بما يتناسب مع أحجام القوى الأخرى من المعارضة الشيعية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|