الصحافة

من الصمت إلى الصوت: زراعة القوقعة تبعث الأمل في قلوب الأطفال

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

للمرة الأولى منذ ستّ سنوات، التقطت الطفلة عائشة خالد المحمد ذبدبات الصوت. توقفت لغة الإشارة، وتلعثمت الدنيا من حولها دهشةً حين بدأت رحلة جديدة مع السمع.

منذ ولادتها، لم تسمع عائشة. حرارةٌ مرتفعة أصابتها في أيامها الأولى سرقت منها صوت العالم، فغابت الكلمات، وسكنت الصمت الطويل.

لكن ذلك الصباح لم يكن ككل صباح. كانت الجدة تحتضن عائشة حين التقطت أذنها أولى الذبذبات. خفق قلب الجدة بعنف، وانهارت دموعها فرحًا. رفعت يديها بالدعاء، وقالت بصوت مرتعش: شعوري لا يوصف... لقد عادت الحياة إلينا من جديد".

لم تكن عائلة عائشة تملك كلفة العملية الباهظة. صمتها كان أثقل من الفقر. لكن حين تعجز الأُسر، تأتي أيادي الرحمة. جاءت جمعية "من حقي أسمع" وامتدّت بلسمًا على الجراح، بالتعاون مع الإغاثة الإسلامية الأميركية ومستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا، لتكتب لعائشة، ولأربعين طفلًا غيرها، بدايةً جديدة.

على مدى ثلاثة ايام متتالية، كانت قاعة مستشفى الهمشري تعجّ بنبضٍ مختلف. أطفالٌ من لبنان وفلسطين وسوريا، أُجريت لهم عمليات زراعة القوقعة في أيار الماضي، اجتمعوا ليبدأوا المرحلة الثانية من الرحلة: تركيب المعالج الصوتي الخارجي.

فِرَقٌ متخصصة من مؤسستي Med-El وHearLife العالميتين، وبالشراكة مع طواقم "من حقي أسمع" ومستشفى الهمشري، قامت بتركيب الأجهزة، وفحصها، ومعايرتها لتتناسب بدقة مع كل طفل، وتُمهّد له الطريق نحو السمع، ومن بعده إلى النطق.

لم تكن لحظات عادية، بل محطات مفصلية، حيث اجتمع الطب بالإنسانية، والعلم بالأمل. جلسات شرح تفصيلية أقيمت للأهالي، ليعرفوا كيف يعتنون بالجهاز، ويحافظون على نعمةٍ انتظروها طويلاً، بلهفة لا تشبه إلا لهفة الجدات حين يسمعن أحفادهن ينادينهن لأول مرة.

وقال الدكتور رياض أبو العينين، مدير عام مستشفى الهمشري: إنها أكثر من عملية جراحية، إنها معركة ضد العجز والصمت. زرع القوقعة مكلف وصعب، ونحن وضعنا إمكاناتنا في خدمة هؤلاء الأطفال، لأن هذا المشروع إنساني قبل أن يكون طبيًا." منوها بجهود البروفيسور حسن دياب، الذي أجرى وفريق عمله 40 عملية خلال 48 ساعة فقط، بينما أكد أخصائي الأنف والأذن والحنجرة الدكتور محمد الميعاري، الذي شارك في إجراء العمليات أن هذه الجراحة الكبرى تمنح الأطفال الصم فرصة جديدة للاندماج في المجتمع، موضحًا أن نتائجها تظهر مباشرة من خلال تحفيز العصب السمعي داخل القوقعة. واصفا لحظة تشغيل الجهاز الخارجي بالاستثنائية، مثنيًا على دور البروفسور حسن دياب.

من جهته، أكّد خليل محمد عينا، ممثل مؤسسة "من حقي أسمع" في لبنان، أن الدعم السخي من الإغاثة الإسلامية الأميركية، وتعاون جميع الأطراف، أثمر عن هذا المشروع النبيل، الذي لم يتوقف عند الزرع فقط، بل امتدّ إلى إنشاء مركز متخصص للنطق والسمع، ليواكب الأطفال في مشوارهم الطويل نحو النطق السليم، واكتساب اللغة، والاندماج في الحياة.

أوضح عينا أن الطفل لا يسمع لمجرد أن تُزرع قوقعة، بل يحتاج إلى تدريب وتأهيل. هناك جلسات متخصصة، ومتابعة دقيقة مع أخصائيي السمع والنطق، ترافق الطفل حسب قدراته وظروفه، حتى يصبح قادرًا على الاندماج كطفل طبيعي بين أقرانه.

وفي القريب العاجل، سيتم استقبال المزيد من الحالات وطلبات الزراعة، ضمن المركز الجديد المتطوّر الذي جُهّز داخل مستشفى الهمشري، وموّلته الإغاثة الإسلامية الأميركية، ونفذته مؤسسة "من حقي أسمع"، ليكون بيتًا دائمًا للأطفال الذين يريدون أن يسمعوا الحياة.

ومنذ تأسيسها في عام 2020، لم تترك مؤسسة "من حقي أسمع" بابًا للأمل إلا وطرقته. من فلسطين (الضفة وغزة) إلى لبنان وسوريا والأردن ومصر والسعودية، وقريبًا اليمن، زُرعت القواقع في أكثر من 700 طفل، استعادوا شيئًا من الحياة.

زراعة القوقعة ليست عملية طبية فقط، بل وعدٌ بالانتماء إلى هذا العالم. جهاز صغير خلف الأذن، لكنه يفتح نوافذ كبيرة على ضوء الحياة. يختصر الألم، ويترجم الذبذبات إلى نداءات أمهات، وضحكات آباء، وصخب أصدقاء، وصرخات فرح في باحات المدارس. عائشة اليوم تسمع، وغدًا ستنطق. والجدة ما زالت تبكي... ولكن من الفرح.

محمد دهشة - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا