هل تتقاطع مصالح واشنطن ودمشق مجدداً على حساب بيروت؟
كلما تقاطعت مصالح الولايات المتحدة وسوريا يدفع لبنان الثمن والتاريخ خير شاهد على ذلك، بخاصة عندما انضمّ نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي في العام 1990، وما حصل عليه في المقابل من إطلاق يده في لبنان، فكانت عملية 13 تشرين التي أنهت حكم العماد ميشال عون على رأس الحكومة العسكرية الإنتقالية، وانتهت باحتلال جزء كبير من المناطق التي كانت غير خاضعة للسيطرة السورية، وأخرجت عون من لبنان لاجئاً سياسياً في فرنسا حتى تاريخ عودته في آذار العام 2005. في تلك الحقبة كان النظام السوري يتحكّم بمفاصل الدولة اللبنانية: يسمّي المرشّحين على اللوائح النيابية ويحدد رئيس الحكومة والوزراء، فتولد التشكيلة في غضون أيام قليلة. لم يقتصر التدخل السوري على الصف السياسي الأول بل طال المدراء العامين والتعيينات العسكرية فحَكَمَ لبنان في زمن الوصاية السورية ضباط لبنانيون تعاونوا بشكل تام مع سوريا. ليس هذا فحسب، إذ سُرقت موارد لبنان ودخلت شخصيات سورية كشركاء في الكثير من المرافق اللبنانية، وتحكّمت أحزاب بعينها بحياة اللبنانيين فقط لأنها تدور في الفلك السوري.
ما يحصل اليوم يعيد إلى الذاكرة اللبنانية تلك الحقبة السوداء، فلبنان المشتت الولاءات الخارجية يعيش لحظة مصيرية، يصعب على السلطة منفردة إتخاذ القرار بسحب السلاح من يد حزب الله خشية تعريض السلم الأهلي للخطر، ويبدو أن الحزب الذي خرج مدمّىً وضعيفاً من حرب الإسناد لا يزال يعيش حالة من الإنكار، من خلال الحديث عن التصدّي والمقاومة والوعد بالنصر، متجاهلاً ما ألحقه أوّلاً ببيئته الحاضنة وقرى الشريط الحدودي والضاحية الجنوبية والبقاع من دمار، يطالب الدولة بتحمّل مسؤولياتها لإعادة إعماره، وكأنه استشارها وأخذ بركتها يوم أعلن دخول الحرب ضد إسرائيل نصرة لغزة وحركة حماس، وثانياً ما لحق بلبنان بشكل عام من خسائر تقدّر بأحد عشر مليار دولار أضيفت إلى الخسائر المتراكمة من جراء الانهيار المالي.
وعلى الرغم من تدمير أسلحة حزب الله وبنيته التحتية العسكرية في جنوب الليطاني ومواصلة الجيش الإسرائيلي تعقّب عناصره بعد القضاء على قياداته السياسية والعسكرية من الصفين الأول والثاني، ما زال أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يعتبر تسليم السلاح استسلاماً لإسرائيل وأميركا، ويضع الشروط على الورقة الأميركية وكأنه هو من ربح الحرب.
في الغضون، تواصل سوريا التقدّم بخطوات ثابتة في استعادة علاقاتها الدولية والعربية، وتجري مفاوضات مع إسرائيل للتوصّل إلى إتفاقية سلام تنهي التوتر المزمن على حدودها الجنوبية، ولكن لا سلام من دون أثمان بحسب التسريبات والسيناريوهات المتنوعة الموضوعة على الطاولة، وبعضها أشار إلى ضمّ طرابلس وعكار وقسم من البقاع إلى السيادة السورية في مقابل احتفاظ إسرائيل بالجولان المحتل. هذا التسريب ليس بريئاً، في ظلّ الصور المرفوعة للرئيس السوري أحمد الشرع في تلك المناطق وقول أحد النواب المستقبليين السابقين "إن انتخابات العام 2026 سيكون عنوانها أحمد الشرع" بالإضافة إلى ما نُقل عن لسان أحد الزعماء الروحيين من قول "إن شعبية الرئيس الشرع في لبنان قد تخطت شعبية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان".
هذه المواقف تعيد إلى الذاكرة القريبة قتال مجموعات طرابلسية وعكارية إلى جانب جبهة النصرة التي تحوّلت لاحقاً إلى هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني أو الرئيس أحمد الشرع، ولكن هل ستعيد التطورات الراهنة تحت عباءة الشرق الأوسط الجديد تشكيل خرائط المنطقة؟ وهل يمكن إلحاق هذه الأجزاء اللبنانية بسوريا؟
يضع خبير في العلاقات الدولية "هذه التسريبات في خانة ملاقاة الضغوط الأميركية على لبنان لدفعه إلى تقديم تنازلات في موضوع سلاح حزب الله، بالإضافة إلى الضغط العسكري الإسرائيلي الأخير بالتزامن مع زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك، أما الحكم في سوريا الذي يطمح لوضع اليد على أجزاء من لبنان فيعجز عن فرض سيطرته على الأراضي السورية كافة، بالإضافة إلى عدم قدرة قواته على خوض مواجهة مع الجيش اللبناني الجاهز لصدّ أي محاولة سورية توسّعية على حساب السيادة اللبنانية".
ويضيف الخبير "أن الأميركي يدير اليوم الملف اللبناني بطريقة مباشرة، خلافاً لما كان يحصل في الماضي من تلزيمٍ لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك. اليوم يدير الأميركي الوضع اللبناني من خلال سيطرته التامة ولن يسمح بانفجار أمني في لبنان، لأن أي محاولة لتوكيل الحكم السوري الجديد الذي أعلن عداءه التام لحزب الله، سيؤدي إلى تفجير الوضع اللبناني وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة".
جاكلين يونس -ليبانون فايلز
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|