تعديل استراتيجية واشنطن تجاه لبنان

بدأت تتضح تدريجيًا الأجواء السياسية التي حملها توم براك، المبعوث الأميركي، في زيارته إلى لبنان، والتي لا يمكن فصلها عن السياق العام للاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة. فالكلمات والمواقف التي عبّر عنها براك، وإن بدت في ظاهرها هادئة ومتوازنة، تعبّر عن تحول محسوب في مقاربة واشنطن للملف اللبناني، يقوم على التفهم المشروط، والانخراط الانتقائي، دون الوقوع في فخ التورط المباشر.

من الواضح أن الولايات المتحدة باتت تدرك طبيعة التعقيدات اللبنانية، وخصوصًا ما يتصل ببنية السلطة وتوازن القوى الداخلية، وهي لذلك لا تسعى إلى تفجير الداخل أو خلق فراغ يفتح الباب أمام الفوضى، بل على العكس، تُظهر تمسكًا ببقاء المؤسسات واستمرار الحكومة، ولو بحدها الأدنى، انطلاقًا من قناعة أن الفوضى لا تخدم مصالحها، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية في بيئة مشحونة إقليميًا.

لكن هذا التفهم الأميركي ليس مطلقًا. فواشنطن لا تُخفي رغبتها في تحقيق مكاسب سياسية واضحة تعكس نتائج الحرب الأخيرة في غزة وجنوب لبنان، وهي تدفع باتجاه ترتيبات جديدة تُقلّص من نفوذ

حزب الله وتحدّ من هامش حركته. هذا المطلب الأميركي محسوم، ولا مجال أمام اللبنانيين للتعامل معه كشرط قابل للتأجيل أو المساومة.

وتدرك واشنطن أن نزع سلاح حزب الله بالقوة مستحيل، وهو ما يبدو أنها باتت تتعاطى معه بواقعية أكبر. لذلك هي منفتحة، وفق ما نُقل، على مقاربة تقوم على "موافقة الحزب" وليس فرض الشروط عليه. وفي هذا السياق، قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات أو ضمانات من نوع ما، تُقنع الحزب بالدخول في تسوية شاملة تطال ملف السلاح.

لكن، وهنا بيت القصيد، الولايات المتحدة ليست في وارد الدخول في مفاوضات مفتوحة الأمد، بل هي ترسم حدودًا زمنية وسياسية لهذه العملية، وتُبقي ورقة الضغط قائمة من خلال شركائها في الداخل والإقليم. ما تحمله واشنطن إذًا هو مزيج من التفهم والضغط، من الواقعية والمطالبة، في محاولة لتحقيق تغيير تدريجي لا ينفجر في وجهها، لكنه لا يسمح أيضًا باستمرار الوضع القائم إلى ما لا نهاية.
المصدر: خاص "لبنان 24"