بعد سلام… القضاء يلاحق بوشيكيان: بين الحصانات السياسية واتهامات الابتزاز
من جديد، يعود المشهد السياسي – القضائي في لبنان ليشهد مواجهة جديدة بين “الحصانة” و”المحاسبة”، وهذه المرة مع النائب والوزير السابق جورج بوشيكيان، الذي دخل في دائرة الاتهام بعد أن كان وزيراً للصناعة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. فبعد تجربة وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، الذي انتهى به المطاف موقوفاً بعد تجريده من الغطاء السياسي، يبدو أن بوشيكيان يسير على خطى مشابهة، ولو أن وقائع الملف وظروفه مختلفة.
لجنة نيابية مصغّرة.. والحصانة على المحك
الملف لم يعد محصوراً بالقضاء فقط، إذ إن هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل شكلتا لجنة مصغّرة مؤلفة من النواب آلان عون وجورج عدوان ومروان حمادة، مهمتها إعداد تقرير خلال أسبوعين حول طلب رفع الحصانة عن بوشيكيان. تقرير اللجنة سيُرفع إلى الهيئة العامة للبرلمان التي تملك القرار النهائي بالبت في رفع الحصانة أو الإبقاء عليها. في موازاة ذلك، يطرح رئيس المجلس نبيه بري مقاربة واضحة: ملفات الفساد يجب أن تحال على القضاء، بينما ملفات الإهمال تناقش في البرلمان، مشدداً على أن “اللفلفة” أصبحت أصعب تحت ضغط الاعلام والرأي العام.
الأمر لا يتوقف هنا. فالنقاش النيابي يشمل أيضاً فتح ملفات ثلاثة وزراء اتصالات سابقين: بطرس حرب، جمال الجراح ونقولا صحناوي، في قضايا تتعلّق بملفات وزارية شائكة. الجدل يدور حول دمج القضيتين في جلسة واحدة أو مناقشتهما بصورة منفصلة، فيما يحتفظ بري وحده بقرار تحديد الشكل النهائي للطرح النيابي.
تهم مالية وإدارية خطيرة
القضية ضد بوشيكيان فتحتها التحقيقات الأولية للمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي وجّه كتاباً رسمياً إلى وزير العدل يطلب فيه رفع الحصانة النيابية عن بوشيكيان، تمهيداً لملاحقته بتهم خطيرة أبرزها الاختلاس والتزوير والابتزاز المالي خلال توليه وزارة الصناعة.
التحقيقات كانت تتضمن استجواباً أولياً لبوشيكيان بصفة شاهد نهاية حزيران الماضي، إضافة إلى وثائق ومستندات مالية وإفادات من أصحاب مصانع تتحدث عن ابتزازات مالية مقابل تراخيص إدارية، وتسجيلات صوتية ووثائق تثبت وجود مخالفات.
لكن الملف تعقد عندما لم يحضر بوشيكيان إلى جلسة الاستماع، متذرعاً بوعكة صحية، في وقت كانت شعبة المعلومات قد أوقفت عدداً من موظفي وزارة الصناعة بناءً على تحقيقات باشرتها النيابة العامة التمييزية.
دفاع بوشيكيان: أنا من فضحت الفساد
في المقابل، أصدر مكتب بوشيكيان بياناً مطولاً نفى فيه كل الاتهامات، وقدم رواية مغايرة، تقول إنه هو من كشف الفساد داخل الوزارة، ووجّه كتباً رسمية إلى النيابات العامة وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي لكشف هذه المخالفات، معتبراً أنه يتعرض اليوم لحملة سياسية وإعلامية بسبب مواجهته مافيات داخل وزارته.
بوشيكيان اعتبر في بيانه أن قلب الأدوار وتحويل المبلّغ عن الفساد إلى متهم “خدمة لمصالح من طاولتهم إجراءات إصلاحية اتخذها خلال ولايته الوزارية”، ملمحاً إلى أن أحد الموظفين الذي أوقف عن العمل بقرار رسمي يقف اليوم خلف تحريك هذا الملف ضده.
وإذ شدد على احترامه للقضاء ودولة المؤسسات، أكد أنه لا يختبئ خلف الحصانة النيابية، مرحباً بأي مسار قانوني “جدي ومتوازن” لكشف الحقيقة، لكنه لوّح في الوقت نفسه بمقاضاة كل من يروّج لـ”شائعات كاذبة” بحقه.
بين بوشيكيان وسلام: دروس السياسة والقضاء
القضية أعادت إلى الأذهان ملف الوزير السابق أمين سلام، الذي سقط سياسياً وقضائياً عندما خسر دعم القوى التي أوصلته إلى الحكم.
يومها، لم تنفعه الحصانة المعنوية ولا الدعم السياسي المتآكل. واليوم، يواجه بوشيكيان واقعاً مشابهاً، بعد أن كان يحظى بدعم من “التيار الوطني الحر” و”الطاشناق” والرئيس ميقاتي، قبل أن ينسحب بعض هذه القوى من خلفه تباعاً، خصوصاً “الطاشناق” الذي رفع الغطاء عنه إثر خلافات سياسية وحزبية.
لكن الفارق أن بوشيكيان لا يزال نائباً حالياً، وبالتالي فإن تحريك الملاحقة القضائية ضده يحتاج إلى رفع الحصانة، وهو ما يجعل الكرة الآن في ملعب مجلس النواب.
معركة الحصانات والمساءلة
لبنان اليوم أمام اختبار جديد لمنظومة الحصانات السياسية والقضائية: هل سيتمكن البرلمان من رفع الحصانة عن نائب حالي لمحاكمته في قضايا فساد واضحة الاتهام؟ وهل سيُسمح للقضاء بعبور جدار الحماية السياسي، أم أننا سنشهد حلقة جديدة من حلقات التواطؤ أو التسويات التي تنتهي بلا محاسبة؟
نبيه بري أطلق إشارة واضحة: لا حصانة في ملفات الفساد، لكن هل سيجرؤ النواب على الالتزام بذلك عندما يُطرح الملف في الهيئة العامة؟ أم أن الانقسامات السياسية ستعيد إحياء معادلة “الحماية المتبادلة” بين القوى السياسية المتصارعة؟
في الانتظار…
الأيام المقبلة ستحدد المسار النهائي: إما رفع الحصانة عن بوشيكيان في جلسة نيابية قد تتحول إلى اختبار حقيقي للإرادة الإصلاحية، أو تأجيل جديد يسقط الملف في دهاليز السياسة اللبنانية.
وفي انتظار الحسم، يبقى المشهد اللبناني محكوماً بمعادلة قديمة تتجدد مع كل أزمة: القضاء يتحرك، السياسة تحمي، والشارع يراقب… لكن هل يكتمل هذه المرة مشهد العدالة إلى النهاية؟
محمد شمس الدين -لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|