“حفلة الأوهام”: عندما تفضّل الحكومة المظاهر على السيادة
كتبت Tylia El Helou لـ”Ici Beyrouth“:
بينما يغرق لبنان يومًا بعد يوم في هوّةٍ بلا قرار، تتمسّك حكومة نواف سلام (باستثناء وزيرَيْن أو ثلاثة) بحالةٍ من الإنكار السياسي المتهوّر والخطير في آنٍ معًا. وعوضًا عن مواجهة التهديدات الوجوديّة المحيطة بالدولة، تركن الحكومة إلى أداءٍ مسرحيّ باهت للبنان “مثقف ينبض بالحياة والاحتفالات”… واجهة أنيقة، لكن هشّة تخفي حقيقة مرّة: الشلل الكامل في التعاطي مع أزمات تتجاوز السياسة لتلامس مصير البلاد نفسه، من فوضى السلاح غير الشرعي إلى قبضة حزب الله على السيادة مرورًا بالميليشيات الفلسطينية الخارجة عن السيطرة، والغياب التام لأي رؤية دبلوماسية مستقبلية، وصولًا إلى الانفلات الأمني في الجنوب.
وبينما تنهال القذائف على قرى الجنوب والبقاع وتُجبَر العائلات على النزوح تحت هدير المُسيّرات وتتفكّك حدود الوطن في دوّامة العنف الإقليمي، تُطالعنا صورة رئيس الحكومة وهو يصفّق ويرقص في مهرجان ثقافي… مشهدٌ غير عبثيّ يبدو مستفزًّا لمشاعر اللبنانيين. ولا يمكن تفسير هذا التناقض الفادح بالمرونة أو الصمود، لأنه يشي بهروبٍ سافر من الواقع.
سلطة تتهرّب من الحقيقة
لا تعاني حكومة نواف سلام من العجز فحسب، بل تبدو وكأنّها تتعمّد الغياب حيثما يُفترض بها التدخل بشكل عاجل. وهي لم تبادر فعليًّا منذ لحظة تولّيها الحكم، لاتخاذ أي خطوة جديّة لحل الأزمات المتفجّرة في البلاد. وتركت الملفات لتتآكل… الواحد تلو الآخر: من سلاح الفصائل الفلسطينية التي تفرض سلطتها في المخيمات والجزر الأمنية الخارجة عن القانون والمعارك التي تخدم أجندات إقليمية، وصولًا إلى التطرّف المبني على فوضى محصّنة بالسلاح والإهمال.
أمّا الأخطر من كل ذلك، فهو الصمت الرسمي الذي يكاد يرادف التواطؤ حيال سلاح حزب الله. فالميليشيا الشيعيّة، بثقلها العسكري، ترسم سياسة الحرب والسلم في لبنان على مقاسها، من دون الرجوع للحكومة أو البرلمان. وقرارات الحرب تُتّخذ في “حارة حريك”، لا في مجلس الوزراء. بالتالي، لا تقتصر خطيئة حكومة سلام على التقصير الأمني، بل تتعدّاه إلى شبه التنازل الكامل عن قرار الدولة السيادي لصالح مجموعة حزبية مسلّحة. ولا يمكن بأي حال تسمية ذلك بالحكمة أو الحياد… إنّه انسحاب كامل من موقع المسؤولية.
غيابٌ تام للرؤية الاستراتيجية
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، فحدّث ولا حرج! لم يتجرّأ أحد بالدعوة في الحدّ الأدنى، إلى إطلاق نقاش وطني حول مسألة التطبيع مع إسرائيل. ولم تتخذ أي مبادرة باتجاه التهدئة المستدامة في الجنوب، أو خطوة جريئة باتجاه وساطة تُخرج لبنان من دائرة المواجهة المزمنة. ولم تسجّل أي مبادرة استباقية أو جريئة تُظهر للولايات المتحدة رغبة حقيقية في المضي قدمًا، والانخراط في الشرق الأوسط الجديد الذي صاغ دونالد ترامب ملامحه.
لبنان لا يزال أسير عقيدةٍ خشبية… في سياق إقليمي يُعيد رسم خطوطه، تجلس فيه السعودية إلى طاولة الحوار مع إيران، وتُطبّع فيه الإمارات والمغرب العلاقات مع تل أبيب، يتخلّف لبنان عن الركب ويبقى رهينة جبن سياسي مقنع بالشعارات. وعوضًا عن طرح مشروع فعلي لإعادة بناء الدولة، ينشغل فريق نوّاف سلام بإطلاق الحملات الفارغة وتغطية فعاليات ثقافية تلفزيونية وعقد شراكات مع منظمات غير حكومية من أجل “تلميع صورة لبنان”… وكأنّ المأزق أزمة تسويق، لا أزمة وجود. لكنّ وجه لبنان لا يتغيّر بهذه الطريقة… فالخلل ليس شكليًّا.. إنه متغلغل على المستوى البنيوي والأمني والسياسي. والحلّ لا يتطلّب فريق علاقات عامة… بل دولة سيدة القرار، قادرة على أن تحكم لا أن تتزيّن قبل الاصطدام بالهاوية.
الثقافة تصرف الانتباه
لا شك أنّ الثقافة عنصر جوهري في الهوية اللبنانية، ولا شكّ أن الاحتفاء بالفن والموسيقى والإبداع ضرورة وحاجة. ولكن حين تستحيل الثقافة الساحة الوحيدة التي يظهر فيها أهل السلطة، تفقد جدواها. وفي الوضع الحالي، لم تَعُدْ هذه الاحتفالات الثقافية تعبيرًا عن صمودٍ حضاري، بل باتت وسيلة لتشتيت الانتباه. إنّها محاولة لإلهاء الناس عن الفشل الكبير في إدارة شؤون الدولة.
وبينما يشارك نوّاف سلام في حفلات وفعّاليات فنية، ينهمك “حزب الله” بتعبئة مقاتليه. وفيما يرقص وزراؤه في المهرجانات، يضطرّ اللبنانيون لتقنين الكهرباء والمياه ويكابدون غلاء المعيشة ويراقبون المُسيّرات فوق الجنوب، ويبقون رهينة الانتظار العقيم لدولة قادرة على حمايتهم.
حكومة الصورة لا السيادة
التاريخ لن يرحم… وسيحكم بقسوةٍ على حكومةٍ قرّرت أن تغضّ الطرف أمام الأخطار، وركنت للصمت في وجه طبول الحرب، وأهدرت بسبب جبنها، فرصة ذهبية لن تتكرّر. إنّ لبنان لا يحتاج إلى حكومة تجيد الاستعراض، بل إلى دولة حقيقية وإلى قيادة شجاعة ومسؤولة.
كان بمقدور حكومة نوّاف سلام أن تصنع لحظة فارقة في تاريخ استعادة مؤسسات الدولة… لكنّها تحولت للأسف، إلى مجرد مشهد جمالي فارغ… وإلى سلطة تؤثر التألّق في الصالونات والحفلات، بدلًا من النهوض بالمسؤوليات والدفاع عن الوطن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|