الصحافة

نهاية عصر الكاش!؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعقد مجموعة العمل المالي الدولية اجتماعها نصف السنوي في تشرين الأول المقبل وذلك بهدف أخذ القرار في ما يخص تصنيف الدول على اللوائح الرمادية والسوداء. والمعروف أن هذه المجموعة تلتئم مرتين في السنة : في شهر أيار لمراجعة وتقييم الإصلاحات التي تقوم بها الدول لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وفي شهر تشرين الأول لأخذ قرار تصنيف هذه الدول.


ولبنان المُدرج على اللائحة الرمادية منذ تشرين الأول من العام 2024، لم يقم بأي خطوة تذهب باتجاه معالجة نقاط القصور التي رفعتها المجموعة في تقريرها إلى السلطات اللبنانية. أكثر من ذلك، تشارك الدولة اللبنانية وتشجّع استخدام الكاش من خلال دفع الضرائب والفواتير والرسوم نقدًا. وبالتالي، احتمال إدراج لبنان على اللائحة السوداء عالٍ جدًا في غياب المعالجة الحكومية.

في خطّوة استباقية لاحتمال إدراج لبنان على اللائحة السوداء، قام حاكم مصرف لبنان كريم سعيّد بإرسال تعميم إلى المصارف يمنع فيه التعامل مع المؤسسات المالية والصرافين الذين لا يحملون تراخيص. وإذا كان الرأي العام قد رأى في هذه الخطوة إجراءات موجّهة ضدّ القرض الحسن فقط، فإن قراءة التعميم بتعمّق، تُشير إلى أن الرسالة الأساسية هي أن نهاية عصر الكاش قد بدأت.

الخطوة الثانية التي قام بها سعيّد هي توقيع عقد استشاري مع شركة الاستشارات الأميركية «K2 Integrity»، وذلك بهدف استعادة الثقة الدولية بالنظام المالي اللبناني. هذا الأمر يمكن استنتاجه من المعلومات المتداولة عن العقد ومن الإطار السياسي والاقتصادي العام. وبالتالي وبحكم مكانة وسمعة هذه الشركة، من المتوقّع أن يكون لها دور أساسي في رفع اسم لبنان عن اللائحة الرمادية – أو أقلّه عدم إدراجه على اللائحة السوداء مع ما لذلك من تداعيات كارثية.


أهداف الاتفاقية
تتمحّور الاتفاقية حول ثلاثة أهداف رئيسية:

أولًا - مكافحة الجرائم المالية: تُمثل هذه الاتفاقية ردًا مباشرًا على التعاملات الاقتصادية والتجارية غير القانونية المخالفة للقانون 44/2015، وعلى نمو اقتصاد الكاش – مصدر كل الشبهات.

ثانيًا – الخروج من اللائحة الرمادية: هذا الهدف بحدّ ذاته هو أولوية للبنان إذا ما أراد عودة الاستثمارات الخارجية مع ما لها من دور كوقود للاقتصاد. الجدير ذكره أن مجموعة العمل المالي الدولية وضعت لبنان تحت مراقبة مشددة نظرًا الى أوجه القصور الاستراتيجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي تراجعت الاستثمارات بشكل كبير واقتصرت على الداخل بجزءٍ بسيط.

ثالثًا – إستعادة الثقة بالنظام المالي: من المتوقّع أن يكون لشركة «K2 Integrity» دور أساسي في تقديم المشورة لضمان تنفيذ الإصلاحات اللازمة التي تُلبّي مطالب مجموعة العمل المالي الدولية. وهذا الدور يتمثّل بوضع خطة عمل صارمة لمواجهة القصور في إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (والمساعدة في تنفيذها؟). ومن المفترض أن يُعطي توقيع الشركة ضمانة لمجموعة العمل المالي الدولية ويعيد الثقة العالمية والداخلية بالنظام المالي اللبناني.


مكافحة اقتصاد الكاش
بناءً على المعلومات المقدمة على صفحة الإنترنت الخاصة بشركة «K2 Integrity»، ترتبط خدمات الشركة ارتباطًا مباشرًا باقتصاد الكاش وكيفية دمجه الأمثل بالنظام المالي الرسمي. وبحسب المعطيات المتداولة، وُضعت خطة لتصنيف اقتصاد الكاش بحسب مستوى المخاطر:

أولًا – الفئة الخضراء: وهي الأموال المودعة من قبل المواطنين في منازلهم. وبالتالي الهدف الأساسي هو إعادة هذه الأموال إلى مكانها الطبيعي أي المصارف (إلى حساب المودع). وتبقى أسئلة يجب على المعنيين الإجابة عنها: هل سيتمّ التحقق من مصدر هذه الأموال؟ وماذا لو عجز المواطن عن إثبات مصدر الأموال؟ هل سيتمّ استخدام بياناته المصرفية للتحقّق من قدرته على امتلاك المبلغ الموجود في المنزل؟

ثانيًا – الفئة الصفراء: وهي الأموال التي تدخل إلى لبنان من دون وجود أوراق رسمية تُبرّر دخولها أو حتى معرفة السلطات اللبنانية بها. وبالتالي، سيتمّ وضع معدات تقنية على الحدود البرية والبحرية والجوية للتحقق من مصدر هذه الأموال وقيمتها. ومن المتوقّع أن تتمّ مصادرة هذه الأموال لمصلحة الدولة اللبنانية في حال عدم التصريح عنها وعدم قدرة أصحابها على تبرير مصدرها كما ينصّ عليه القانون 42\2015 (التصريح عن نقل الاموال عبر الحدود).


ثالثًا – الفئة الحمراء: وهي الأموال المرتبطة بالأعمال غير المشروعة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون 44\2015 وتشمل الفساد وتجارة المخدرات والأسلحة والاتّجار بالبشر وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي والفساد في القطاع العام... وهذه الأموال ستتمّ مصادرتها فورًا من قبل السلطات اللبنانية.

وضع هيكلية مراقبة
في الواقع ومما تقدّم، نرى أن عمل شركة K2 Integrity يشمل بالدرجة الأولى وضع إطار هيكلي للرقابة والتقييم. وبحسب كل حالة سيتمّ إمّا إعادة الأموال إلى القطاع المصرفي (إلى حساب المودع) وإمّا مصادرة الأموال غير المشروع منها (إلى حساب خاص في مصرف لبنان). وهو ما يوحي بالكثير من التغيّرات على عدة أصعدة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر، توحيد المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية عن الفاسدين كما ورد في تقرير مجموعة العمل المالي الدولية بتاريخ كانون الأول 2023.

منهجية عمل الشركة
من البديهي القول إنه لا يتمّ التصريح عن منهجية الشركة لغير المعنيين بالاتفاقية، ولكن يمكننا وضع تصوّر لما ستكون عليه هذا المنهجية:


أولًا – تقييم المخاطر: تحديد المناطق عالية المخاطر، والثُغر في النظام، وأوجه القصور في الإطار التنظيمي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

ثانيًا – وضع برامج امتثال أكثر ملاءمة لحالة لبنان وبالتحديد وضع إجراءات أكثر صرامة في ما يتعلق بعمل المصارف والمؤسسات المالية وعلى رأسها تعزيز آلية تقديم تقارير الأنشطة المشبوهة (SARs) وتقارير معاملات العملات (CTRs) لتتبع تدفق الأموال.

ثالثًا –إعتماد التكنولوجيا: تقديم حلول تكنولوجية متطورة مبنية على الذكاء الاصطناعي، تسمح بالتحقق من البيانات المالية وتتبع المعاملات المالية المشبوهة، وتحديد المعاملات الخطرة واستطرادًا الأموال غير المشروعة.

رابعًا – تعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: نعتقد أن هذا الأمر هو الردّ المباشر على شرط سحب اسم لبنان من اللائحة الرمادية. ومن بين الخدمات التي قد تُقدّمها الشركة في هذا الإطار لمصرف لبنان، التدريب على التنظيم المالي وأفضل الممارسات الدولية، ومواءمة الرقابة المالية في لبنان مع القواعد الدولية (بالتحديد قانون باتريوت وقواعد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية).


خامسًا – الشركة مع القطاع الخاص: التركيز على الشركة بين السلطات الرسمية والمؤسسات الخاصة لتوفير تعاون واستجابة سريعة لمكافحة الجرائم المالية. وقد يترجم هذا الأمر من خلال قانون أو من خلال توقيع المؤسسات على تعهدات تلتزم فيها التصريح عن العمليات المشبوهة.

في الختام، من الواضح أن الشركة لا تحمل عصًا سحرية، إلا أن منهجية عملها وخبرتها الواسعة قد تُعيد إلى لبنان الثقة الدولية بنظامه المالي، وتعفيه من تداعيات اللائحة السوداء الكارثية.

جاسم عجاقة - الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا