الصحافة

نهاية حكومة نواف سلام

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

من يراقب المشهد السياسي اليوم يدرك أنّ ما يجري لا يُقاس بمنطق إسقاط الحكومات أو بقائها، بل بمنطق الوظيفة السياسية والزمن المتبقّي لها. فحكومة الرئيس نواف سلام لم تأتِ أصلًا كحكومة مشروع متكامل، بل كحكومة مرحلة أُنيط بها تنفيذ مجموعة مهام محدّدة، داخلية وخارجية، في لحظة إقليمية ودولية دقيقة. وحين تُنجَز هذه المهام، يبدأ طبيعيًا تآكل الدور، ولو من دون إعلان رسمي.

منذ ولادتها، بدت الحكومة محكومة بسقف واضح، وهو تمرير التعيينات الأساسية، فتح المسار مع الخارج وخصوصاً مع دول الخليج، وإحالة الملفات المالية الشائكة إلى مجلس النواب، وعلى رأسها مشروع "الفجوة المالية"، وهذا ما حصل حرفيًا.

المشروع المالي أُقرّ حكوميًا، لكن من دون توافق وطني واسع، بل بأغلبية وزارية لا تعكس موازين القوى داخل مجلس النواب، ثم رُميت مسؤوليته السياسية في حضن المجلس، بكل ما يحمله من تناقضات سياسية وحسابات انتخابية.

في موازاة ذلك، شهدت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ما يمكن تسميته تفاهمًا غير معلن بين أضداد السياسة اللبنانية، القوات اللبنانية، وحزب الله وحركة أمل. هذا التلاقي لم يكن وليد مصالحة وطنية ولا نتاج تبدّل جذري في المواقف، بل تقاطع مصالح واضح عند خط الخطر. كل طرف أخذ ما يحتاجه من الحكومة، ثم بدأ التحضير للمرحلة المقبلة.

القوات اللبنانية، على سبيل المثال، خرجت من المشهد الحكومي وهي ممسكة بورقة شعبية ثمينة عنوانها حماية أموال المودعين، ونجحت في تسجيل موقف سياسي متقدّم من دون أن تتحمّل كلفة تمرير قانون مالي ملتبس. أما الثنائي الشيعي، في المقابل، تجنّب تحمّل مسؤولية مباشرة في ملف حساس شعبيًا، وترك الحكومة تواجه الصدمة الأولى وحدها. أما الحكومة نفسها، فبقيت في المنتصف، بلا أكثرية نيابية تحميها، وبلا غطاء سياسي جامع يدافع عنها.

هنا تحديدًا يبدأ العدّ العكسي، لا لأن هناك قرارًا بإسقاط الحكومة، ولا لأن الشارع على وشك الانفجار بوجهها، بل لأن الحكومة فقدت تدريجيًا عناصر القوة السياسية، وهي التوافق، الحماية والقدرة على المبادرة.

ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، يصبح من المستحيل تقريبًا تمرير قوانين موجعة أو اتخاذ قرارات كبرى، فيما تتحوّل الحكومة إلى إدارة تصريف سياسي موسّع، لا أكثر. لكن الأخطر أنّ الحكومة لا تُستهدف مباشرة، لكنها تُترك من دون سند. لا أحد يريد إسقاطها، ولا أحد مستعد للدفاع عنها. والخبرة اللبنانية تقول إن الحكومات لا تسقط دائمًا بالتصويت أو الاستقالة، بل أحيانًا تُنهَك، وتفقد معناها، وتخرج من المشهد بهدوء.

بهذا المعنى، يمكن القول إن العدّ العكسي السياسي لحكومة الرئيس نواف سلام قد بدأ فعليًا. ليس كحدث درامي، بل كمسار بطيء، ناتج عن انتهاء الوظيفة، وتقدّم الحسابات الانتخابية على أي مشروع إصلاحي فعلي. وفي بلد كلبنان، حين تنتهي وظيفة الحكومة، لا يعود السؤال كم ستبقى، بل ما الذي سيأتي بعدها، وعلى أي توازنات.

محمد مدني -ليبانون ديبايت

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا