الصحافة

64% من البلديات تحت خط الفقر: الموازنات لا تتجاوز سقف الـ 7500 دولار

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

راجانا حمية - الاخبار

بلديات لبنان في عهد جديد... 64% منها تحت خط الفقر، وموازنات بالكاد تكفي للبقاء. أزمة مستمرة وهيكل منهار، فهل تصمد المجالس المنتخبة؟

انتهى موسم الانتخابات البلدية، وبدأت المجالس المنتخبة حديثاً مسيرتها وسط تحديات وجودية حقيقية. فالأزمة المالية المستمرة منذ ست سنوات أنهكت البلديات وأفرغت خزائنها من الإيرادات التي كانت تشكّل سنداً أساسياً لتلبية الحاجات المتراكمة عبر سنوات طويلة. وإن وُجدت إيرادات، فهي فقدت معظم قيمتها نتيجة الانهيار الحاد في سعر صرف الليرة.

هذا الواقع يضع البلديات أمام مهمة شبه مستحيلة، في ظل عجزها المتزايد عن تأمين أبسط الخدمات للسكان. والحديث هنا ليس تهويلاً، بل حقيقة مدعومة بالأرقام؛ إذ تشير بيانات «الدولية للمعلومات» إلى أن 64% من البلديات، أي نحو 680 من أصل 1064، لا تتجاوز موازناتها السنوية سقف 7500 دولار أميركي، بحسب الباحث محمد شمس الدين، ما يعني أن غالبية البلديات اللبنانية باتت فعلياً تحت خط الفقر.

الخلل بدأ قبل الأزمة
وإذا كانت الأزمة المالية الأخيرة قد سرّعت تفكك الهيكل الإداري والمالي للبلديات، فإن مسار الانهيار لم يبدأ معها، بل تعود جذوره إلى تسعينيات القرن الماضي، مع التعديلات التي شوّهت المرسوم الاشتراعي الرقم 118/77 (قانون البلديات في لبنان).

إذ يرى وزير الداخلية السابق زياد بارود أن الخلل البنيوي انطلق فعلياً عام 1997 مع صدور القانون 665، الذي أفرغ المرسوم الاشتراعي من مضمونه.

فرغم أن قانون 1977 كان متقدماً في زمانه، إذ أدخل مفاهيم حديثة منها إنشاء اتحادات البلديات ومنح المجالس البلدية صلاحيات موسعة «على سبيل التعداد لا الحصر»، وفق المادة 47، فإن ما ألحق الضرر البالغ بهذا الإطار التشريعي، هو التعديلات التي أدخلها القانون 665، وأسوأها، وفق بارود، «تقويض المعايير والشروط المتعلقة بإنشاء البلديات».

فبينما كان القانون الأصلي يربط إنشاء بلدية جديدة بعدد محدد من السكان، إلى جانب توافر مقومات حدّدها المشرّع حينها بما يعادل 10 آلاف ليرة لبنانية، ألغى القانون 665 هذه المعايير، وأخضع نشوء الكيانات البلدية لـ«شحطة قلم» وزير الداخلية والبلديات واستنسابيته. إذ بات يكفي تقديم عريضة من سكان أي بلدة، ليصار إلى إنشاء مجلس بلدي بموجب قرار من وزير الداخلية، من دون العودة إلى شروط الحد الأدنى من الجاهزية أو الموارد.

تعديل بسيط... ونتائج كارثية
ورغم بساطة التعديل القانوني الذي أدخل عام 1997، إلا أنه شكّل نقطة التحوّل التي رسمت ملامح الانهيار البلدي الحالي.

إذ فتح الباب أمام «تفريخ» المجالس البلدية، ليرتفع عددها تدريجياً إلى 1064 بلدية، 84% منها تضم أقل من 5 آلاف نسمة.

ويصف بارود هذا الرقم بـ«الفاضح»، بالنظر إلى المساحة الجغرافية الصغيرة للبنان، مقارنة بدول أكبر بكثير، كالأردن، الذي لا يضم سوى 100 بلدية فقط، رغم أن مساحته تفوق مساحة لبنان بأضعاف عدة.

ولا تأتي هذه المقارنة عبثاً، بحسب بارود، بل تسلط الضوء على التفاوت الكبير في كفاءة البُنى الإدارية، إذ إن وجود أكثر من ألف مجلس بلدي في لبنان، «ثلثاه عاجز عن تنفيذ أبسط المهمات»، يشير إلى خلل بنيوي عميق. بمعنى آخر، نحو 894 بلدية تعاني من عجز شبه كامل عن أداء دورها، وتحوّلت إلى هياكل إدارية فارغة.

«فائض العجز» هذا، أدى بفعل الانهيارات المالية المتلاحقة، إلى أن تصبح غالبية البلديات بلا جباية فعلية، ومرهونة بالكامل لأموال الصندوق البلدي المستقل التي لا تكفي حتى لتغطية نفقات التشغيل الأساسية.

صحيح أن بعض التعديلات التي طرأت على قانون البلديات لم تكن جوهرية في ظاهرها، إلا أنها، وفق بارود، «أعطبت» النظام البلدي من الداخل، وأسهمت في إفراغ العمل البلدي من مضمونه الحقيقي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تحويل المجالس البلدية إلى «دُكما» سياسية أو عائلية.

ففي الصيغة الحالية، يُنتخب أعضاء المجلس البلدي أولاً، ثم يُصار إلى التوافق لاحقاً على اسم رئيس البلدية، غالباً ضمن تسويات حزبية أو عائلية.

وهذا النمط لم يكن موجوداً في المرسوم الاشتراعي 118/77 الذي اعتمد نظاماً أكثر وضوحاً وشفافية، حيث كان رئيس البلدية يُنتخب مباشرة من قبل المواطنين، في اقتراع مستقل عن انتخاب الأعضاء.

و«هذا أقرب إلى المنطق، إذ إن للرئيس صلاحيات خاصة، وعملياً عندما يقترع الناخب لرئيس معين، فهو يختار هذا الرئيس ليمارس هذا النوع من الصلاحيات، وهو ما ينعكس تالياً على الأداء».

ثالث الثغرات التي أسهمت في إضعاف المجالس البلدية وعجزها عن أداء مهماتها، تكمن في جانبين مترابطين: من جهة، غياب الرقابة الفعلية وافتقار عدد من البلديات إلى الإرادة أو القدرة على تطبيق قانون الرسوم والعلاوات البلدية (القانون الرقم 60 الصادر عام 1988)، الذي يُفترض أن يشكّل أحد مصادر التمويل الأساسية للبلديات. ففي كثير من الحالات، يُترك تطبيق هذا القانون لـ«همّة» البلدية، ما يعني أن التحصيل المالي بات خاضعاً للاجتهاد والاستنساب، لا لنظام ثابت وواضح.

ومن جهة أخرى، أدى هذا الواقع إلى تكريس مفهوم الاتكالية على الدولة المركزية، وتحديداً على ما يُعرف بأموال «الصندوق البلدي المستقل» الذي أُنشئ بموجب قانون البلديات لتوزيع المساعدات المالية على البلديات.

وبحسب دراسة لـ«الدولية للمعلومات»، فإن معظم البلديات الصغيرة والمتوسطة - وهي تمثل نحو ثلثي المجالس البلدية في لبنان - تعتمد بشكل شبه كامل على أموال هذا الصندوق لتأمين نفقاتها الأساسية، في ظل غياب أي مصادر محلية فاعلة للدخل.

وفرة صلاحيات وشحّ في الجباية وقيمة شبه معدومة
في عام 1988، أُقرّ القانون الرقم 60 الذي حدّد بوضوح ما يحق للبلديات استيفاؤه من رسوم وعلاوات. وقد شكّل هذا القانون خطوة متقدمة آنذاك، إذ منح البلديات سلّة واسعة من الضرائب والرسوم التي يمكن جبايتها مباشرة، تشمل على سبيل المثال لا الحصر: الرسوم على القيمة التأجيرية، وأماكن الاجتماعات، وأندية المراهنات، والإعلانات، وإشغال الأملاك العامة، والذبيحة، ومحطات توزيع المحروقات، والمؤسسات المصنفة، والمزايدات، واحتراف المهن بالتجول، والدخول إلى الأماكن العامة، وتسجيل عقود الإيجارات، وترخيص البناء، ورسوم المجارير والأرصفة، وحتى رسوم عدادات المياه ضمن نطاق البلدية.

ورغم أن القانون صدر مقروناً بمراسيم تطبيقية وافية سهّلت تنفيذه، إلا أن قصوره برز على مستويين أساسيين، بحسب وزير الداخلية السابق زياد بارود. الأول، يتمثل في تلكؤ البلديات في تحصيل هذه الرسوم، حيث تبقى الجباية مرهونة بـ«همّة» المجلس البلدي، وغالباً ما تغيب آليات التنفيذ الجدية أو الإرادة السياسية الفعلية لتحصيلها. والثاني، في تدنّي القيمة الفعلية لهذه الرسوم، التي كانت أساساً بالكاد تكفي لتغطية جزء يسير من النفقات التشغيلية، قبل أن تفقد معظم قيمتها الفعلية اليوم مع انهيار سعر صرف الليرة.

وإذ يشير بارود إلى أن تفعيل الجباية يبقى ضرورياً حتى لو كانت العائدات ضئيلة، باعتبارها «سنداً» ضرورياً للبلديات في هذه المرحلة الدقيقة، ولكنه في الوقت نفسه يلفت إلى انعدام التوازن بين ما يمكن أن يجبى وما صارت عليه قيمة الأموال.

فرسم القيمة التأجيرية، مثلاً، كان قبل الأزمة يعادل 300 ألف ليرة، أي ما يقارب 200 دولار، في حين «عُدّل» اليوم ليبلغ 3 ملايين ليرة، أي ما لا يتجاوز 34 دولاراً فعلياً.

ورغم بعض التعديلات التي لحقت بقانون الرسوم في موازنة عام 2024 - رُفعت الرسوم على الوحدات السكنية عشرة أضعاف، والتجارية 15 ضعفاً، والأرضية 20 ضعفاً - إلا أن هذه الزيادات تبقى بعيدة جداً من الواقع المالي الجديد، إذ إن كلفة التشغيل والرواتب والصيانة ارتفعت هي الأخرى بنحو 60 ضعفاً، ما يعني أن البلديات لا تزال تدور في حلقة العجز نفسها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا