"ترويقة فلافل" وذكريات في سن الفيل... زيارة مفاجئة للرئيس عون (صور)
كرة النّار في المحطة اللبنانية… والقطار يبتعد!

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth”:
عاد الموفد الأميركي توم باراك إلى واشنطن تمامًا كما حطّ الرحال في بيروت… بوفاضٍ خالٍ. عاد أدراجه من دون تسجيل أيّ خرق. الأسئلة نفسها بقيت معلّقة، وفي الرصيد، لا ضمانات ولا مبادرات. عاد وربما قد فاض به الكيل، وهو يشهد مرارًا وتكرارًا على الاستخفاف والاستعصاء اللبنانيّ المزمن.
كرة النار رُميت في الملعب الداخليّ رسميًّا… وهذا ما تُرجم بشكلٍ لا لُبس فيه في تصريح الموفد الأميركي حول رفض الولايات المتحدة التفاوض مع تنظيمٍ تُصنّفه بالإرهابيّ، واختصاره الوضع بـ”الشأن الداخليّ”… أي بالعربيّ الفصيح و”المشبرح”: “دبّروا رأسكم!”
وماذا عن إسرائيل؟ لا جديد أيضًا، وبالنسبة للموفد، “لا يمكن تقديم ضمانات”. وفي المحصّلة، إسرائيل تتصرّف على هواها، وحزب الله يحتفظ بسلاحه، أمّا لبنان… فيتكبّد على صفيح ساخن، الأثمان الباهظة كالمعتاد.
وبين المطرقة والسندان، يبقى لبنان رهينة أسرٍ مُضاعف: فهو يخضع من ناحية لميليشيا تُملي قوانينها وتزعم رفع شعار “المقاومة”، بينما تجرّ البلاد نحو الحرب أو العزلة القاتلة على أقلّ تقدير. ومن ناحية أخرى، يستسلم للتردّد أمام شبح التهويل من فتنةٍ ما، أو من “حرب أهليّة”… عبارة استخدمها الموفد الأميركيّ نفسه خلال زيارته السابقة.
كما يبدو أنّ الثقب الأسود الذي أسر لودريان من قبل، يكاد يبتلع الموفد الأميركيّ بدوره… فهذا الأخير بات عالقًا في حلقةٍ لامتناهيةٍ من الدوران الدبلوماسيّ، بينما يتفرّج اللبنانيّون عاجزين على بيتهم الداخليّ وهو يحترق. واللافت أنّ عيون الحكومة اللبنانيّة شاخصة نحو باريس على ما يبدو. وهذا ما يبرّر زيارة نوّاف سلام العاجلة إلى العاصمة الفرنسيّة الخميس… محاولة جديدة لإقناع الفرنسيّ بلعب دور الوساطة… مع الوسيط الأميركيّ؟ فهل يلقى الرئيس الفرنسيّ آذانًا صاغية من نظيره الأميركيّ؟ الأسئلة تبقى مفتوحة. وعلى أيّ حال، يبدو أنّ دونالد ترامب بدأ يضيق ذرعًا بالتسويف اللبنانيّ!
والحقّ يُقال إنّ لبنان عالق منذ شهور في دوّامةٍ مأساويّة… قوامها الردّ على الردّ على الردّ. وقد بلغ تقاطع الردود والرسائل درجةً اختلطت فيها كلّ الأمور. فمن تراه يردّ على من؟ وما المغزى من الردّ أصلًا؟ السياق ما عاد يُشبه المفاوضات، بل بات أقرب لمرآةٍ متفجّرةٍ، تعكس كلّ من شظاياها وجهًا من وجوه الأزمة: هدر السيادة، وغياب التضامن، والافتقار للرؤية والاستراتيجيّة. وقد حاول القادة اللبنانيّون المناورة بأسلوب “بلّش قبلي” (فلتبادر أوّلًا)؛ من قبيل: فلتتعهد إسرائيل بالانسحاب من “التلال الخمس” الشهيرة، وحينها يمكن إقناع حزب الله بنزع سلاحه. ولكن ما الذي حقّقوه بالنتيجة؟ فشلٌ ذريع! والإجابة أتت متوقّعة: “لا يمكن تقديم أيّ ضمانات!”
وبالانتظار، يعدّ اللبنانيّون الأيّام تحت طنين المسيّرات، التي عادت (ويا للصدفة!) لاستباحة السماء بكثافة. وفي المقابل، تُصرّ الميليشيا الموالية لإيران على تعنّتها، على الرّغم من إدراكها أنّ السلاح واحتجاز البلد لا يجتمعان مع السلام أو الإعمار أو الإنقاذ الاقتصاديّ.
حزب الله يواصل التلويح بـ”مهمّته الإلهيّة”، بينما لبنان يئنّ وينزف من كلّ جرح. ولكن أيّ مقاومةٍ هي هذه؟ أيّ مقاومةٍ تترك شعبها بلا طعام أو مأوى؟ أيّ استراتيجيّةٍ هي تلك التي تفرض على اللبنانيّين اختبار حربٍ دائمة كقدرٍ محتوم؟ وأيّ دولةٍ تحترم نفسها، تسمح لتنظيمٍ مسلّح ينظر لنفسه كـرديفها، بفرض سياساته عليها؟
ومن ثمّ، يبقى السؤال الذي يُطرح في الهمس: ضدّ من ينوي حزب الله استخدام سلاحه؟ ضدّ إسرائيل؟ بالطبع لا، فقد رأينا بأمّ العين أنّه لا يُشكّل أيّ تهديدٍ حقيقيّ بالنسبة لها. إذًا، ضدّ من؟ ضدّ من يخالفه الرأي؟ ضدّ المسيحيّين؟ ضدّ السنّة؟ ضدّ الدروز؟ لا شيء سوى الغموض…
لقد فرغت جعبة الأعذار بالنسبة للبنان… فكيف له أن يتّكل على الآخرين لحلّ أزماته، بينما يغرق أكثر فأكثر في الضبابيّة والازدواجيّة؟ الزيارة الأميركيّة لم تحمل معها طوق نجاة… بل أتت أقرب لصافرة إنذار وورقة نَعوة لمبادرةٍ لا يتجرّأ أحد على تبنّيها فعليًّا… إنّها شهادة فشلٍ واضحة لا تقبل التأويل.
لبنان يكاد يفوّت فرصةً جديدة… والقطار لا ينتظر أحدًا. ومن يدري، ربما لن تُفتح نوافذ الأمل في القريب القادم… أمّا القادة اللبنانيّون، فيقفون كالعادة على قارعة الطريق… في محطّة بلا وجهة واضحة. يعدّون قطارات الفرص وهي تمرّ الواحد تلو الآخر… مشهديّة جميلة في بلدٍ خسر مجازيًّا وعمليًّا قطاره، لأنّه قرّر بحكمةٍ نادرة، أن يبني فوق سكك الحديد!
كم يُذكّرنا لبنان بمقولةٍ للفكاهيّ الفرنسيّ الشهير ريمون ديفوس: “أنتظر القطار… يمرّ القطار… ربما ليس قطاري… أنتظر التالي… ترحل كلّ القطارات وأبقى وحدي… أنتظر على الرصيف!”.. أما آن الأوان ليكسر لبنان حلقة التردّد وينطلق على سكّة الشجاعة؟.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|