حرائق إطارات وكسارات... وتهديد صامت يفتك بسكان هذه البلدة!
بين مطرقة الكسارات العشوائية وسندان التلوث البيئي الناتج من حرائق الاطارات، كارثة بيئية صحية تطل هذه المرة من محلة كرم شباط، هذه المنطقة الجبلية الرائعة المميزة بغابات الارز والشوح في أعالي القبيات بمحافظة عكار شمال لبنان، والتي تتبع عقارياً بلدة عيدمون ويقطنها حوالى 500 شخص من منطقة بيت جعفر-الهرمل، وهي تنذر بعواقب وخيمة على الصحة العامة.
وبات من الملح على الجهات الرسمية المعنية الصحية على وجه التحديد، متابعة الموضوع بسرعة وتقصي الحقائق، وإجراء المعاينات والاختبارات اللازمة كي يبنى على الشيء مقتضاه الصحي، بما يضمن صحة ابناء هذه المنطقة وسلامتهم، إذ سجلت إصابات عدة بسرطان الكبد والجهاز الهضمي أدى معظمها الى الوفاة.
وكأنه لم يكف هذه المنطقة الجبلية الجميلة، ما دهمها من تدمير وتخريب، بدءاً بقطع الأشجار المعمرة من شوح وأرز ولزاب، وافتعال حرائق، مروراً بكارثة الكسارات التي أكلت الأخضر واليابس وشوهت جمال طبيعتها، وتقاعس الدولة بكل أجهزتها عن تطبيق قرار انشاء محمية كرم شباط المعلن منذ سنوات طوال، ليحضر اليوم بقوة كابوس جديد يقض مضاجع سكانها.
وفي إحصاء محلي غير رسمي، تبين ان أكثر من عشرة أشخاص، 7نساء و3 رجال، مصابون بسرطان الكبد توفي 7 منهم في أقل من ثلاث سنوات، عدا إصابات أخرى مسجلة بأنواع مختلفة من السرطان.
وتشير الناشطة البيئية من ابناء كرم شباط أمل جعفر التي توفيت والدتها جراء إصابتها أيضاً بسرطان الكبد، الى أن هذه المنطقة مهملة بشكل شبه كلي، وحتى الآن لم يتمكن الأهالي من معرفة مسببات انتشار حالات سرطان الكبد التي بدأت بالظهور منذ حوالى سنتين ونيف، وحصدت حتى الآن 7 من سكانها وثمة حالياً من يعانون منها وهم قيد المعالجة.
وتمنت على بلدية عيدمون التي أحيطت علما بهذا الواقع، "الاهتمام بالمسألة والسعي لدى الجهات الصحية الرسمية لاستقدام مراقبين صحيين ومعاينة هذا الوضع، وأخذ عيّنات من التربة والهواء والمياه وفحصها لتحديد المسببات والبحث عن حلول لهذا الواقع الصحي المقلق".
يذكر أن أحد مصادر مياه الشرب الرئيسية لأبناء هذه المحلة هو "نبع النصارى" المحاط ببيوت بعضها مبني تماماً فوقه، علماً أن كل المنازل تعتمد الحفر الصحية للتخلص من المياه الآسنة، في غياب تام لشبكات الصرف الصحي .
كذلك، فإن حرق إطارات السيارات لبيع الأسلاك المعدنية الموجودة داخلها، أمر شائع في هذه المنطقة، وهذا ما يحصل مراراً، أقله مرة في الأسبوع، حيث لا حسيب ولا رقيب.
ويشير الناشط الطبيب انطوان ضاهر وهو طبيب وناشط بيئي متابع لهذا الملف، الى أن ملوثات عدة بيئية وكيميائية تتسبب بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد، أبرزها: الزرنيخ في المياه الملوثة، والمبيدات مثل الـ DDT والديوكسينات والأفلاتوكسين (مصدرها الأكل الفاسد) والمركبات العطرية المتعددة الحلقة PAHs والمركبات الفينولية PCB .
ويوضح: "تؤدي عملية حرق إطارات السيارات (الكاوتشوك) إلى انبعاث مجموعة خطيرة من الملوثات التي تؤثر سلباً على البيئة وصحة الإنسان، ومنها:
⁃ الديوكسينات والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقة (PAHs) التي تُطلق عند الاحتراق غير الكامل للإطارات، وتُصنف مسبّبات رئيسية للسرطان وتنتقل مسافات طويلة عبر الهواء، وتتراكم في التربة والمحاصيل الزراعية، مما يلوث السلسلة الغذائية .
⁃ المعادن الثقيلة والجسيمات الدقيقة، وتشمل الرصاص، الكادميوم، الزنك، والكروم والتي تتطاير مع الدخان.
- الغازات السامة مثل أول أوكسيد الكربون (CO)، أوكسيد الكبريت (SOₓ)، وأوكسيد النيتروجين (NOₓ) التي تؤدي إلى الاختناق وتفاقم أمراض الربو .
- الزرنيخ والزئبق وهما يُضعفان الجهاز المناعي ويتسببان بتشوّهات الأجنة .
⁃ تسرب المعادن الثقيلة عند سقوط الأمطار على رماد الإطارات المحترقة، مثل الكادميوم والرصاص إلى التربة والمياه الجوفية، مما يهدد الحياة النباتية والحيوانية وصحة الانسان جراء تلوث الينابيع.
كذلك تتلوث التربة أيضاً بالنفايات الزيتية السامة التي تنتج من الاحتراق والتي تحتوي على هيدروكربونات وديوكسينات، تتسرب إلى الأنهار والبحيرات وتسمم الانسان والكائنات المائية ".
تلوث مياه الشرب
ويشير الى "أن ثمة ارتباطاً علمياً ما بين اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد، وهنا توجه أصابع الاتهام إلى:
⁃ الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقة ( .(PAHs
⁃ الديوكسينات التي تنتج من تحلل النفايات الصناعية والمنزلية، وتُسبب طفرات جينية في خلايا الكبد عند تراكمها .
- النيتروزامينات التي تتكون من تفاعل النترات (في مياه الصرف) مع الأمينات في الطعام، وهي مسرطنة كبدية معروفة.
⁃ المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والكادميوم والتي تتسرب من الأنابيب التالفة أو التربة الملوثة، وتُحدث إجهاداً تأكسدياً وتلفاً للحمض النووي في الكبد .
⁃ الملوثات البيولوجية مثل الأفلاتوكسين التي ترتبط بسرطان الكبد خصوصاً عند مرضى التهاب الكبد "بي" أو "سي".
ويؤكد "أن المخاطر الصحية التي يتسبب بها غبار الكسارات على الجهاز التنفسي، وهي عديدة في منطقة بيت جعفر، مدروسة ومعروفة علمياً وعالمياً، وخطرها على الكبد يكون عبر مادة الزرنيخ التي تصل من التربة الى مياه الشرب.
واعتبر "أن المطلوب الآن عاجلاً إعلان حالة طوارئ صحية في كرم شباط، وأن تقوم وزارة الصحة بإجراء مسح دقيق للحالات السرطانية في المنطقة بالتعاون مع المراكز العلمية الجامعية، و اجراء التحاليل الكيميائية والعضوية للمياه والهواء والتربة".
كذلك شدد على "قيام السلطات المحلية من بلديات وقوى أمن وجيش بمنع حرق الإطارات منعاً كلياً، وأن يصار إلى تطبيق القانون في ما خص الكسارات".
يذكر أن ضحايا سرطان الكبد، هم:
ر.ج. ع. 47 سنة، م.ج. 33 سنة، ي.ج. 70 سنة، ر.ج. 70 سنة، ا.ج. 50 سنة،
ز.ج. 47 سنة، س.ج 62 سنة.
أما المصابون قيد المعالجة فهم: ع.ج. 64 سنة، ن.ج. 70 سنة ون.ج. 31 سنة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|