سقوط ليونتوبيتشي وتطويق باكروفسك.. تحوّل دراماتيكي في حرب أوكرانيا
في تحوّل ميداني سريع على جبهة دونيتسك الشرقية، حققت القوات الروسية خلال الساعات الـ24 الماضية تقدمًا استراتيجيًا، أدى إلى سقوط بلدة ليونتوبيتشي بالكامل، وتطويق مدينة بوكروفسك من 3 محاور رئيسة، في خطوة تُعد تهديدًا خطيرًا لدفاعات أوكرانيا في هذا القطاع الحيوي.
وتكتسي مدينة بوكروفسك أهمية استراتيجية كبيرة، فهي آخر مركز حضري رئيس تسيطر عليه أوكرانيا في غرب دونيتسك. كما تُعد عقدة إمداد حيوية للقوات الأوكرانية المنتشرة على طول الجبهة الجنوبية. وبالتالي، فإن سقوطها يعني قطع شريان الإمداد الأخير، ما يؤدي إلى تقييد حركة القوات الأوكرانية بشكل كبير في المنطقة.
فيما تكمن أهمية بلدة ليونتوبيتشي، التي سقطت في أيدي القوات الروسية، في كونها البوابة الشمالية الشرقية لمدينة بوكروفسك. وقد منحت السيطرة عليها موسكو مواقع مرتفعة استراتيجية، تمكنها من استهداف الطرق المؤدية إلى بوكروفسك مباشرةً. وهذا يجعل أي محاولة لإرسال تعزيزات أو انسحاب القوات الأوكرانية شبه مستحيلة.
التطويق العملياتي
الهجوم الروسي الأخير خالف النمط التقليدي للمعارك السابقة، فبدلاً من القصف المدفعي المطوّل والتقدم البطيء، اعتمدت موسكو على مجموعات هجومية صغيرة وسريعة الحركة، استغلت الإنهاك الأوكراني ونقص الذخائر.
واللافت، أن روسيا فضلت التطويق العملياتي بدلًا من الاقتحام المباشر، محاصرة المدينة تدريجيًا عبر كماشة من الشرق والجنوب، لتضع المدافعين في مأزق خانق دون الدخول في حرب شوارع طويلة.
ولا يقتصر التطور الأخير على خسارة مواقع، بل يعيد رسم موازين القوة، خاصة وأن سقوط بوكروفسك المحتمل قد يفتح الطريق أمام القوات الروسية للتقدم نحو حدود دنيبروبتروفسك، مما يهدد بتقسيم الجبهة الشرقية الأوكرانية.
ومن الناحية السياسية، يمنح هذا التقدم بوتين ورقة ضغط قوية قبل أي محادثات سلام، خاصة في ظل الحديث المتجدد عن معادلة "الأراضي مقابل السلام".
وفي المقابل، تجد كييف نفسها أمام خيارات صعبة، إما القتال حتى النهاية بمخاطر فادحة، أو الانسحاب التكتيكي لإنقاذ القوات، أو محاولة تنفيذ هجوم مضاد محفوف بالمخاطر لكسر الطوق.
اختراق استراتيجي
وفقًا للخبير العسكري، العميد نضال زهوي، فإن الهجوم الروسي الأخير الذي أدى إلى سقوط ليونتوبيتشي وتطويق بوكروفسك يمثل اختراقًا استراتيجيًا ذا تأثير بالغ على مسار الحرب.
وأوضح زهوي أن تأثير هذا التقدم لا يقتصر على المكاسب العسكرية فحسب، بل يمتد ليشكل ضغطًا اقتصاديًا كبيرًا على أوكرانيا بسبب توقف الأنشطة الإنتاجية وقطع خطوط الإمداد اللوجستية. واعتبر أن هذا التطور قد يؤدي إلى انهيار منظومة الدفاع الأوكرانية بالكامل في إقليم دونيتسك.
ويشير زهوي في تصريح لـ«إرم نيوز» إلى أن هذا التقدم جاء قبل أيام من القمة المرتقبة بين بوتين وترامب، في خطوة تعكس استراتيجية روسية معتادة تتمثل في رفع سقف التصعيد العسكري قبل أي محادثات سياسية.
ويضيف أن القوات الروسية، من الناحية الاستراتيجية، باتت قادرة على كسر كامل الدفاعات الأوكرانية شرق البلاد، بينما تمكنت من الناحية العملياتية من خنق الاقتصاد الأوكراني، أما تكتيكيًا فقد لجأت موسكو لأول مرة إلى استخدام نحو 80 طائرة مسيرة في قلب المعركة، بينها طائرات شبيهة بـ«شاهد» الإيرانية، تم إسقاط ما بين 30 و34 منها.
ويصف هذه العملية بأنها اعتمدت على تمهيد ناري كثيف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، إلى جانب إدخال تكتيكات جديدة عززت قدرة القوات الروسية على اختراق واحد من أصعب خطوط الدفاع الأوكرانية.
ويربط زهوي هذه التطورات بملفات دولية أخرى، أبرزها الملف السوري، حيث قد تستغل موسكو هذا الزخم لتعزيز نفوذها في غرب سوريا، وكذلك ملف المصالحة بين أرمينيا وأذربيجان الذي يرتبط بمشروع «ممر زنجزور»، بما قد يؤثر على التواصل الإيراني الروسي عبر ممر الشمال – الجنوب.
مرحلة جديدة
ومن جانبه، يعتبر المحلل السياسي الدكتور سعد خلف، أن ما جرى في الساعات الأخيرة يمثل دخول الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث تجاوزت روسيا حدود المكاسب التكتيكية لتبدأ في تثبيت مواقع استراتيجية، ما قد يمهّد لاختراق واسع إذا استمرت العمليات في الأشهر المقبلة ولم تتوقف بنتيجة القمة المقررة بين بوتين وترامب في 15 أغسطس/ آب الجاري بألاسكا.
ويشرح خلف في تصريح لـ«إرم نيوز» أن الجيش الروسي يركز عملياته على محاور رئيسة تشمل باكروفسك، ميرنوغراد، سيفيرسك، كوستانتينوفكا، وكوبيانسك، وأنه نجح خلال العام الماضي في السيطرة على مئات القرى والبلدات بهذه المناطق، إضافة إلى تطويق مدن استراتيجية من 3 جهات، مما يجعل سقوطها مسألة وقت في حال قطع خطوط الإمداد.
ويؤكد أن الوضع الحالي يقرب روسيا من السيطرة الكاملة على إقليم دونباس، خاصة بعد سيطرتها الكاملة على لوهانسك وبقاء نحو 25% من دونيتسك خارج قبضتها، فيما تضع معارك اليوم مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك في مرمى العمليات المقبلة.
التجنيد القسري في أوكرانيا
ويلفت خلف إلى تراجع القوة النارية الأوكرانية إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث لا يتجاوز معدل الانتشار دبابة واحدة لكل كيلومتر، ومدفعين لكل كيلومتر، وجندي واحد لكل 100 متر، وهو ما يعكس أزمة حادة في القوى البشرية والمعدات، واضطرار الجيش الأوكراني للتجنيد القسري في بعض المناطق، مقابل تراجع الدعم الغربي مقارنة بسنوات الحرب الأولى.
ويرى أن موسكو تنظر إلى قمة ألاسكا كفرصة لتحويل مكاسبها الميدانية إلى أوراق ضغط سياسية، بينما يسعى ترامب إلى صفقة كبرى توقف القتال مقابل ترتيبات أمنية تمنحه إنجازًا داخليًا، لكنه يحذر من أن أي اتفاق محتمل قد يعني تجميد الصراع وفق الشروط الروسية لا إنهاءه، مع الإبقاء على القدرة على الضغط على كييف.
مسقط رأس زيلينكسي
أما الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور نبيل رشوان، فيضع المشهد في سياق تقدم ميداني مهم لكنه ليس حاسمًا بعد، موضحًا أن باكروفسك، بموقعها الجغرافي المرتفع نسبيًا وحجمها الكبير، تمثل محورًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، ولهذا قاتلت أوكرانيا للحفاظ عليها.
ويرى أن السيطرة عليها ستفتح الطريق نحو دنيبروبتروفسك، وهو ما يهدد مدينة كريفي ريه، مسقط رأس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بما يحمله ذلك من رمزية سياسية ومعنوية.
ويؤكد أن القوات الروسية تحقق منذ فترة طويلة انتصارات تكتيكية لا تعني بالضرورة اقتراب الحسم العسكري أو إسقاط النظام الأوكراني، وهو سيناريو يرفضه الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي.
ويشير رشوان إلى أن الأنظار تتجه لاجتماع ألاسكا، الذي قد يمهّد لاجتماع لاحق في إسطنبول بين بوتين وزيلينسكي، لكنه يبدي شكوكه في إمكانية تحقيق اختراق سياسي حقيقي في هذه المرحلة.
ويؤكد أن روسيا تواصل الضغط لتحقيق أهدافها، وفي مقدمتها تخفيف أو رفع العقوبات الغربية، مشيرًا إلى أن القرار في هذا الملف بيد الدول الأوروبية التي تفرض الحصة الأكبر من العقوبات، في ظل تاريخ طويل من العلاقات الاقتصادية قبل اندلاع الحرب.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|