لبنان يسير على التوقيت الأميركي ... ومجال المناورة لم يعد متاحاً!
خطة للقطاع الزراعي في الجنوب... وأسواق عالميّة جديدة قريباً!
في أحضان الغابات اللبنانية، تختزن الطبيعة كنوزاً حيوية لا تقدر بثمن. وتمثل الأشجار المعمرة والمثمرة القلب النابض لهذه الثروة الطبيعية، التي لطالما حملت رمزية الحياة والخصوبة والاستدامة. لكن اليوم، هذا القلب يئن تحت وطأة الصراعات الخفية بين الحماية والاستغلال، حيث أضحت آليات الاقتلاع العشوائية ظاهرة مقلقة تهدد مستقبل الاحراج، وأمنها البيئي والغذائي والاقتصادي على حد سواء.
في جميع الأحوال، مع اقتراب الشتاء، الموسم الذي يفرض برودته تحديات قاسية على المناطق الباردة، تبدأ عمليات تجريف البراري الكثيفة، تلك الأشجار التي من المفترض أن تبقى رمزاً للاستمرارية، لكنها تتحول إلى ضحية للاستغلال التجاري، تحت ذريعة "التشحيل" أو "التهيئة". هنا تنكشف ازدواجية مزعجة، إذ ينتهز بعض التجار هذه الفترة ليخدعوا الجهات المعنية، مدعين صيانة ضرورية، في حين يقطعون أشجاراً ليست بحاجة لذلك، ويغرقون السوق بأخشاب التدفئة الشتوية، ضاربين عرض الحائط استدامة الغابات وحقوق الأجيال القادمة.
انطلاقا من كل ما تقدم، فان هذه الظاهرة ليست مجرد أزمة بيئية أو اقتصادية سطحية، بل هي جرس إنذار يسلط الضوء على هشاشة منظومة الرقابة والتشريع، التي تبدو عاجزة عن ضبط استنزاف مواردنا الطبيعية. مواجهة هذه الانتهاكات تتطلب أكثر من مجرد قوانين رنانة، بل تتطلب وعياً مجتمعياً متجذراً يدرك أن خسارة هذه الثروات تعني خسارة مستقبل لا يعوض.
الإخبارات بدأت!
الى جانب كل ما ذكر، تحمل الوقائع الميدانية قصصاً أكثر إيلاماً. ففي منطقة صغبين، وصلت "الديار" إلى تفاصيل حادثة استغلال لاستئصال اشجار من قبل عضو في البلدية ع ب ح، الذي أزال أشجاراً لشق طريق إلى معمل مياه يخصه، مستنداً إلى رخصة رسمية. لكن ذلك أثار استياء شعبياً واسعاً، اذ يرى السكان أن هذه الأشجار ليست ملكه، وأنها حق للبلدية التي يجب أن تعيد توزيعها بشكل عادل على الاهالي، خصوصاً أنها لم تعد تصلح إلا للتدفئة أو أعمال التحطيب.
ولم تقتصر الشكاوى على هذه الحالة، إذ يؤكد مصدر في المنطقة لـ "الديار" أنه مع اقتراب نهاية الشهر الحالي وبداية المقبل، ستتصاعد عمليات قطع التحطيب مستغلة أجواء الشتاء، حيث يقوم أشخاص كثيرون، ليسوا من ملاك البساتين، بسرقة وقطع هذه الأشجار، سواء للتدفئة أو للبيع بأسعار مرتفعة في المناطق النائية والصعبة الوصول، مما يعمق أزمة الغابات ويهدد التوازن البيئي والاجتماعي في هذه المناطق.
من هنا يطرح هذا الواقع الصادم أسئلة كبيرة حول فعالية الرقابة، وجدوى التشريعات، ومدى استعداد الدولة والمجتمع للحفاظ على هذا الإرث الطبيعي الثمين، قبل أن تتحول غاباتنا إلى مجرد ذكريات مؤلمة تروى عن زمن مضى.
الوزارة بالمرصاد
استنادا الى ما تقدم، تحاول وزارة الزراعة بجهودها المتواصلة أن تكون الدرع الواقي للغابات، وأداة التحرك الفاعل ضد كل تجاوز، كما يوضح الوزير نزار هاني في المقابلة الحصرية التي اجرتها "الديار" معه، حيث يستعرض واقع الحال، والإجراءات المتخذة، والتحديات الراهنة، إلى جانب الخطط المستقبلية للوزارة لحماية الثروات الغابية والزراعية.
ويؤكد الوزير أن "قطع الأشجار المثمرة أمر مرفوض، لا سيما في حال لم يكن مصدر الرزق عائداً إلى من يقومون بمثل هذه الأفعال، علماً بأن أي بستان يتضمن أشجاراً مثمرة يحتاج إلى تشحيل كل فترة زمنية محددة، وفقاً لما تقتضيه الحاجة".
ويشدد على أن "هذا الموضوع يتصدر أولويات الوزارة في الوقت الراهن، التي اتخذت العديد من الإجراءات، وأعلنت حالة الطوارئ في الغابات، واستقدمت الـ 106 حرّاس بموجب المرسوم الشهير، الذي كان لا يزال معلّقاً لأسباب معلومة لدى الجميع، من أجل دعم فرق الأحراج في مختلف المناطق اللبنانية، وهذا على رأس القضايا المركزية".
ويكشف أن "هناك مصادرات ومتابعات أسبوعية، وقد وضعت الوزارة خطة بالتعاون مع القوى الأمنية لمواكبة فرق عمل الوزارة وحراس الأحراج، لتمكينهم من التحرك بسرعة أكبر".
لا تساهل!
ويشدد على أنه "ليس هناك أي تهاون مع من يقطعون الأشجار، بهدف التحطيب أو التجارة خارج إطار الرخص، وإلا كان العمل غير شرعي. وحتى شقّ الطرق يتطلب رخصة خاصة تختلف عن رخصة البناء والإنشاءات إذ تكون هناك رخصة قائمة، ثم تعود الجهة المعنية للحصول على رخصة من وزارة الزراعة لإزالة الأشجار، وتكون هذه العملية مدروسة من حيث عدد الأشجار المراد اقتلاعها، فيقوم فريق بزيارة الموقع ومراقبة الحقل والأعمال".
ويضيف "يتم الاتفاق على توزيع الأشجار المزالة سواء للبلدية أو لطرف آخر، ضمن شروط الرخصة، وبالتالي لا يمكن لأي شخص حاصل على الرخصة مخالفة الشروط الواردة فيها، وإلا تعرّض للملاحقة".
الجزاءات تضاعفت فهل يتعظ المخالفون؟
ويحذّر قائلاً: "تُعدّ قضية قطع الأشجار والتعدّي على الأحراج خطا أحمر، ما يعني أنه لا تهاون في ملاحقة الفاعلين، حيث نسطّر محاضر ضبط بحق كل من يتجرأ على ذلك. وفي موازنة عام 2025، ضُربت قيمة هذه المحاضر بمئة ضعف، فأصبحت الغرامات مرتفعة جداً وموجعة بعدما كانت في السابق بسيطة، الأمر الذي كان يتيح للقاصي والداني القيام بالقطع العشوائي، أما اليوم فلا يستطيع أحد الإقدام على أي انتهاك".
ويقول: "كما نتعاون مع وزير العدل لإصدار الأحكام في جميع هذه التجاوزات، ما يمهّد لنا متابعة أي تفصيل مهما كان بسيطاً، عن كثب وفوراً".
توجيهات محددة!
ويتابع: "اقتربنا من انتهاء مدة الرخص، خمسة عشر يوماً لرخص التحريج، وشهر واحد لرخص التفحيم، انطلاقاً من أننا في موسم صيفي قاسٍ، يضاف الى ذلك خطر حرائق الغابات. لذلك نقوم بكل هذه التعاميم للبلديات بهدف تنظيف الأراضي، من خلال كتاب أرسلناه إلى وزارة الداخلية التي قامت بتعميمه على جميع البلديات، لاتخاذ الإجراءات الوقائية المتعلقة بحرائق الغابات، إضافة إلى التشدد في تنظيم المحاضر وملاحقة المخالفين، والاستعانة بالأجهزة الأمنية والجيش".
الجنوب المنتج في بؤرة الاهتمام الرسمي!
ويستكمل قائلاً: "في الجنوب لدينا تقييم شامل يتعلق بالغابات والزراعات، وقد أعددنا تقريراً موسّعا بالتعاون مع منظمة الفاو تحت عنوان: "تقييم أضرار العدوان الإسرائيلي على الجنوب في الزراعة والغابات". وقد تم تحديد المساحات التي تضررت، وهي مساحات كبيرة جداً، كما وُضع برنامج مفصّل يبيّن ما يجب علينا القيام به لإعادة تأهيل هذه الغابات والتخفيف من تأثير العدوان عليها، ولا سيما في الأماكن التي قُصفت بالفوسفور، مما أدى الى احتراق هيكتارات شاسعة من الغابات".
ويضيف: "يشمل التقييم أشجار الزيتون، والبيوت البلاستيكية، وجميع أنواع المحاصيل الزراعية. إلى جانب ذلك، أطلقنا في حزيران مشروع زراعة خمسين ألف شجرة زيتون في الجنوب؛ وقد غرسنا نحو ألفي شجرة، وسيُستكمل تشجيرها خلال فترة الشتل في شهري تشرين الأول والثاني، مع تأمين شتلات الزيتون".
يشير الى ان "الهدف من زراعة هذه الخمسين ألف شجرة زيتون، هو تعويض الخسارة التي لحقت بنا جراء الاعتداءات، والمقدّرة بنحو خمسين ألف شجرة زيتون دمرت إبّان الحرب على الجنوب. لذا، نعمل جاهدين لإعادة تأهيل هذا القطاع، وهناك عدة مشاريع بدأت لدعم المزارعين الجنوبيين، رغم أن هذه الأعمال لا تعوّض الأضرار الجسيمة التي وقعت".
لبنان يدخل أسواق عالمية جديدة!
وعن الاستيراد والتصدير، يقول الوزير هاني: "إن الدول التي اعتدنا تصريف المنتجات الزراعية إليها جميعها متعاونة، وليس لدينا مشكلات معها، وتشمل الأردن والعراق وسوريا ومصر".
ويلفت إلى "أن الطريق البري إلى الخليج لا يزال مقفلاً، لكن المشاورات قائمة، ولا سيما عبر سعادة سفير المملكة العربية السعودية. وكان هناك توقع بأن يُعلن خلال فترة عيد الأضحى عن فتح الطريق، على الأقل إذا لم تفتح جميع الاسواق السعودية، اذ كنا نأمل فك الاغلاق. وقد قمنا بكل المراسلات والإجراءات اللازمة بهذا الخصوص، وقد دعم هذا الموضوع دولة رئيس مجلس الوزراء وفخامة رئيس الجمهورية، لكننا لم نصل إلى نتيجة بعد".
خطط على نار حامية!
ويكشف عن انه "في الأسبوع الثالث من شهر آب الحالي، لدينا لجان مشتركة مع مصر لتنظيم الموسم القادم من الصادرات، وبخاصة التفاح وغيره من أنواع الخضار والفواكه، وزيادة حجم الصادرات. ونرجو فتح المنفذ البحري-البري عبر السعودية إلى دول الخليج قريباً".
ويضيف: "جميع المحاصيل الزراعية حالياً تُنقل عبر البحر، ونحن ندرك صعوبة وكلفة النقل عبر هذا المسار، إضافة إلى المدة الزمنية الطويلة التي تحتاجها المنتجات للوصول إلى الخليج. ونجري تشاورات مكثفة مع عدة أسواق بعيدة نسبياً، مثل البرازيل والهند وغيرها من الأسواق، لكنها تتطلب بعض الوقت لتنضج، وحتى يتعرّف المورّدون والمستوردون على بعضهم بعضاً بشكل أكبر".
وينوه في ختام حديثه الى انه: "خلال الفترة الماضية، انقطع تصدير بعض المحاصيل الزراعية إلى بعض الأسواق، ما يستدعي وقتاً لبناء الثقة وتعزيز التعاون بين البلدان المختلفة. ونحرز تقدماً ملموساً في ما يخص العنب، إذ يتم تصديره إلى نحو أربعين بلداً حول العالم، ونتعاون مع مزارعيه لفتح أسواق جديدة مثل إندونيسيا وغيرها".
ندى عبد الرزاق - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|