قبلان: إننا في قلب أزمة وجود كبرى تضرب عمق بلادنا العربية الإستراتيجي
لبنان بين لائحة (FATF) الرمادية والسوداء الأوروبية
كتب العميد الدكتور غازي محمود :
يأتي قرار المفوضية الأوروبية بإدراج لبنان على لائحة الدول الثالثة العالية المخاطر، التي تعاني من قصورٍ استراتيجي في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بها، أو ما يُعرف باللائحة السوداء، مكملاً لإدراجه من قبل مجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force, FATF)، على اللائحة الرمادية في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2024. وكان قرار المفوضية الأوروبية قد اتُخذ في العاشر من حزيران/يونيو 2025، ودخل حيز التطبيق اعتباراً من 5 آب/أغسطس،
وتؤكد المفوضية أن اعتماد الاتحاد الأوروبي لهذه القائمة يراعي التوصيات التي قدمتها مجموعة العمل المالي. سيما وأن المفوضية تعتبر أن مجموعة العمل المالي (FATF)، هي الجهة المسؤولة على مستوى العالم، عن وضع المعايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تعمل على تحديد الدول التي تعاني من قصور استراتيجي في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقد أشار الاتحاد الأوروبي في قراره إلى سبعة أوجه قصور استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان، بما في ذلك ضعف آليات تقييم المخاطر، وضعف الهياكل الرقابية، ونقص الشفافية بشأن المالكين المستفيدين.
ويُلزم القرار جميع المؤسسات المالية التابعة للاتحاد الأوروبي بتطبيق إجراءات مُعززة للعناية الواجبة (Enhanced Due Diligence, EDD) في المعاملات التي تشمل كيانات لبنانية، وتتضمن:
• جمع معلومات إضافية عن العميل والمستفيد النهائي من العمليات المالية للإحاطة بشكل أعمق بالمعايير المعتمدة (معرّفات، ملكية فعلية).
• التعرف على طبيعة العمليات المالية ومصدر الأموال والثروات، ويشمل طلب بيانات مفصلة عن سبب وأصل الأموال المتداولة.
• المراقبة المكثفة على العلاقات والعمليات المالية، عبر زيادة عدد ونوع إجراءات الرقابة وتواتر مراجعات المعاملات.
• التحقق من عدم وجود عقوبات مالية (TFS) التي قد تطال العميل أو الكيان اللبناني المتعامل، والتأكد من خلو العلاقة منها، بما فيها تلك التي قد تكون تحت تأثير عقوبات المفوضية.
• الحصول على موافقة الإدارة العليا في المصارف المراسلة، قبل تنفيذ أو مواصلة العمليات المالية مع الأطراف اللبنانية.
ويترتب على هذه الإجراءات الإضافية زيادة تكاليف التحويلات المالية وتراجع في حجمها، بالإضافة الى تعقيد العلاقات مع المصارف الأوروبية وعرقلة التحويلات الى المنظمات غير الحكومية (NGOs) وتشمل:
١- تكاليف إضافية وتأخير في التحويلات:
• ستؤدي المراجعات المستفيضة للتحويلات المالية، وخاصة التحويلات باليورو إلى تأخير محتمل، أو حتى رفض لبعض المدفوعات.
• قد تتسبب التكاليف الإضافية المرتبطة بمنظومات الالتزام الرقابي، ارتفاعاً في الرسوم المفروضة على خدمات التحويل.
٢- تأثير على التحويلات من المغتربين:
• التشدد بمراقبة تحويلات المغتربين قد يتسبب بتراجع في حجم التحويلات التي تمثل مصدراً مهماً لنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان.
• قد تتراجع التحويلات باليورو بنسبة تتراوح بين 10% و%15 بسبب ارتفاع التكاليف وصعوبة الإجراءات، بحسب محللون محليون.
٣- انعكاس على العلاقات المصرفية وتحويلات المجتمع المدني:
• بعض البنوك الأوروبية قد تقرر قطع العلاقات المراسلة (Correspondent Banking) مع مؤسسات لبنانية لتفادي التعقيدات، على الرغم من أن ثمة ضمانات كلامية بعدم اتخاذها.
• المنظمات غير الحكومية (NGOs) والمنظمات المدنية قد تواجه عقبات إضافية في الحصول على تمويل من أوروبا، بسبب الحاجة إلى وثائق مكثفة ورقابة عالية، مما قد يُعرقل عملياتها الإغاثية أو التنموية.
وبقدر ما يُعدّ قرار تحديد الدول عالية المخاطر أمراً ضرورياً لحماية النظام المالي للاتحاد الأوروبي وضمان حسن سير العمل في السوق الداخلية، والحد من المخاطر التي قد تُشكّل تهديدًا للنظام المالي للاتحاد، إلا أنه بالنسبة للبنان، يسلط الأضواء على التأخير الذي يعتري تحقيق الإصلاحات المطلوبة للنهوض بلبنان من حال المراوحة في ازمته المالية والاقتصادية وصولاً الى التعافي المنشود.
وتجدر الإشارة الى أن المفوضية الأوروبية تعتمد في تصنيف الدول لإدراجها على لائحة الدول الثالثة العالية المخاطر، على النظم والإجراءات التي تتّبعها الدولة المعنية في مكافحة التهرّب الضريبي بالدرجة الأولى وقدرتها على تنفيذ هذه الإجراءات. حيث يعتبر الأوروبيون التهرّب من الضريبة مرحلة من مراحل تبييض الأموال لأنه يؤدي إلى الإثراء غير المشروع. الامر الذي يُعتبر السبب المباشر الذي أدى الى إدراج لبنان على اللائحة السوداء الأوروبية.
وعل الرغم مما يُشكله قرار المفوضية الأوروبية من زيادة في العوائق امام معاملات لبنان المالية مع دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يمكن أن يكون حافزاً للحكومة اللبنانية للإسراع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من مجموعة العمل المالي وصندوق النقد الدولي. خاصةً وأن ثمة علاقات اقتصادية واسعة بين لبنان ومعظم دول الإتحاد الأوروبي، وعلى مستويات مختلفة أفراداً ومؤسسات.
ويعود التركيز على ضرورة تنفيذ الحكومة اللبنانية الإجراءات المطلوبة منها، الى أن مصرف لبنان نفذ الإجراءات المطلوبة منه وصولاً الى وقف طباعة الليرة وتشجيعه اعتماد العمليات المصرفية بين العملاء الاقتصاديين، وحثه المصارف على تشجيع المواطنين العودة الى استخدام بطاقاتهم الائتمانية عند شراء احتياجاتهم.
بناءً على ما تقدم، إن رفع اسم لبنان، سواءً عن لائحة الإتحاد الأوروبي السوداء، أو عن لائحة مجموعة العمل المالي (FATF) الرمادية، أمر لن يكون بعيد المنال إذا ما تابعت الحكومة اللبنانية العمل على تحقيق الإصلاحات البنيوية المطلوبة من ناحية، ومعالجة الأسباب المباشرة التي أدت الى إدراجه عليها من ناحية ثانية، ولعل اهم هذه الأسباب:
- عدم استيفاء لبنان لمتطلبات المفوضية الأوروبية المتعلقة بتبادل المعلومات المالية لمكافحة التهرب الضريبي.
- البطء في تنفيذ العقوبات المالية، وخاصة التي تستهدف الأعمال والمهن غير المالية وبعض المؤسسات المالية غير المصرفية.
- عدم إظهار زيادة مستدامة في التحقيقات والملاحقات والأحكام القضائية لعمليات غسل الأموال.
- التأخير في تحقيقات تمويل الإرهاب وتبادل المعلومات حولها مع الشركاء الأجانب.
- سيادة الاقتصاد النقدي منذ بدء الأزمة، وعلى مدى السنوات الست الماضية.
- تعثر القطاع المصرفي، والتأخر في مباشرة إصلاحه.
- عدم مراقبة شركات تحويل الأموال.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|