الصحافة

باسيل المعارض للحكومة يدعم حصر السلاح... صفعة لـ"حزب الله"؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على الرغم من أنّ رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ كان الثاني على لائحة الشخصيات التي زارها وفد "​حزب الله​"، بعد رئيس الجمهورية السابق ​ميشال عون​، في محاولةٍ منه لاستمالته ربما لدعم موقفه في مواجهة الضغوط التي يتعرّض لها لسحب سلاحه، تحت عنوان "حصر ​السلاح بيد الدولة​"، جاء موقف باسيل حازمًا ومفاجئًا، قريبًا من موقف خصوم الحزب، حتى إنّ هناك من وصفه بـ"الصفعة السياسية غير المتوقعة" التي تلقاها الحزب.

ففي مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء، أعلن باسيل بصريح العبارة دعمه "مبدأ" حصر السلاح بيد الدولة، ورفض ما وصفه بـ"الابتزاز والتهديد بحرب أهلية من أي جماعة كانت بهدف منع وحدة السلاح بيد الدولة"، بل إنه ذهب لحدّ القول إنّ "وظيفة السلاح الردعية سقطت بفعل مشاركته في حرب الإسناد الأحادية"، وفق وصفه، متناغمًا في ذلك مع مواقف خصوم حزب الله التقليديين وعلى رأسهم رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​.

وبدا موقف باسيل المتقدّم هذا مفاجئًا لكثيرين، ولو أنّه عبّر في الأشهر الماضية عن تأييده لحصر السلاح، إذ كان يحرص على إيجاد "توازن" في الوقت نفسه، بين الفكرة العامة، والتطبيق الواقعي، من خلال رفض أيّ محاولة "استقواء" على الحزب مثلاً، عبر فرض تنفيذ مثل هذا القرار بالقوة، بل يدعو إلى حوار شامل وصريح مع "حزب الله" من أجل التفاهم على الآليات المثلى لذلك، وهو ما لم يكرّره بالحدّ الأدنى في مؤتمره الصحافي.

ولعلّ ما فاجأ كثيرين في موقف باسيل، أنه جاء بعد أيام فقط ليس على زيارة وفد "حزب الله" له، بل على انتقاده لقرار الحكومة تبنّي "أهداف الورقة الأميركية"، مستهجنًا مثل هذه الخطوة، من حيث الشكل قبل المضمون، باعتبار أنّه كان الأجدى بالحكومة أن تحوّلها إلى ورقة "لبنانية" قبل إقرارها، وهو ما يثير تساؤلات عدّة: فهل يشير موقف باسيل هذا إلى رسائل ضمنية لـ"حزب الله" تعلن رفض العودة إلى الوراء، أم أنه محاولة منه لاستمالة الشارع المسيحي الميّال إلى نزع السلاح، في ظل تصاعد خطاب جعجع الذي يربط "التيار" بسلاح الحزب؟.

في مؤتمره الصحافي الأخير، شدد جبران باسيل على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، معتبرًا أن أي سلاح خارج إطار الشرعية الوطنية يهدد السلم الأهلي. وفي ردّ ضمني على محاولات تصويره، خصوصًا من قبل جعجع وآخرين، بأنّه شكّل "الغطاء" لهذا السلاح على مرّ السنوات الماضية، منذ توقيع تفاهم مار مخايل بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، قال باسيل إنّ "أي سلاح خارج الدولة غير شرعي، إلا في حال الدفاع عن النفس وتحرير الأرض وإذا أذنت به الدولة بحسب دستورها وقوانينها"، وهو ما أشار إلى أنه لم يعد قائمًا بعد 2025.

لعلّ ما يميز خطاب باسيل هذه المرة هو تناوله القضية بأسلوب جديد يبتعد عن لغة المحاور التقليدية التي كانت تميّز مواقفه سابقًا. فهو لم يتبنَّ خطابًا مساندًا للحزب، بل حاول الموازنة بين دعم الدولة وأداء المقاومة، مشددًا على أن الدولة وحدها هي التي يجب أن تحتكر السلاح، وأن ​الاستقرار الداخلي​ هو الأولوية القصوى. ووفقًا للعارفين، فإنّ هذا الخطاب يمكن تفسيره على أنه محاولة لإعادة توجيه صورة "التيار الوطني الحر" كشريك سياسي يسعى إلى ​الوحدة الوطنية​، بعيدًا عن الانقسامات الحادة التي سادت في السنوات الماضية.

لكنّ تحليل الموقف يكشف عن أبعاد متعددة. فمن جهة، هناك من يرى أن موقف باسيل يمثل ردًّا مباشرًا على الحزب، بعد سلسلة خلافات سياسية وتوترات بين الطرفين،بدأت في مرحلة الانتخابات الرئاسية، حين بدأ "الافتراق" بين الجانبين، على خلفيّة تبنّي الحزب لترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة للرئاسة، على حساب موقف باسيل من هذا الترشيح، وصولاً إلى انخراط الحزب في نهاية المطاف في "التسوية الرئاسيّة" لانتخاب الرئيس جوزاف عون، والتي بقي باسيل، وحده، خارجها.

ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ باسيل أراد أن يوجّه له هذه "الصفعة" اليوم بعد ما يمكن وصفه بـ"الورقة الأخيرة" التي قدّمها للحزب، في جلسة مساءلة الحكومة قبل أسابيع، حين قرّر أن يطرح الثقة بها من دون سابق إنذار، ليعطي الحزب "الفرصة" لإسقاطها في مجلس النواب، خصوصًا أنّ الحديث عن "سحب السلاح" كان قد بدأ، إلا أن الحزب اختار مرّة أخرى دعم الحكومة، التي كان قد دخلها أصلاً رغم "إخراج" باسيل منها عنوة.

لكن، بعيدًا عن هذه التحليلات التي قد تخرج عن الواقعية السياسية، وتربط التحالفات المرحلية بالأمور الاستراتيجية، ثمّة من يحصر موقف باسيل في خانة المزايدات السياسية المسيحية، إذ يحاول من خلاله استقطاب الجمهور المسيحي الذي يميل في الغالب إلى رفض سلاح غير شرعي خارج سلطة الدولة، وذلك قبيل عام على ​الانتخابات النيابية​ المرتقبة، والتي يصفها كثيرون بالمفصليّة والمصيرية، بعد سلسلة التحولات "الدراماتيكية" التي شهدها البلد.

ولعلّ هذا تحديدًا هو ما يفسّر التوافق الظاهري، أو ربما "التقاطع" مع جعجع، الذي ينشط منذ فترة في استهداف سلاح "حزب الله"، ويحاول توجيه أصابع الاتهام إلى "التيار" باعتباره الغطاء السياسي لهذا السلاح. وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال أن باسيل يسعى إلى استعادة جزء من قاعدة الناخبين المسيحيين، التي شهدت تذبذبًا في الولاءات السياسية خلال السنوات الماضية، خصوصًا بعد انتهاء "عهد" الرئيس السابق ميشال عون.

في مطلق الأحوال، يرى كثيرون أنّ خطاب باسيل المستجدّ، وإن لم يرقَ إلى مستوى الانقلاب، خلافًا لما يروّجه البعض، بوصفه "استمرارية" لمسار بدأ منذ ما قبل "حرب الإسناد" الأخيرة، يمثل تحديًا واضحًا لـ"حزب الله"، إذ يعكس أن الرجل لم يعد يلتقي معه حتى في الملفات الاستراتيجية والثوابت الكبرى. ومن شأن هذا الأمر أن يعقد المشهد السياسي ويضع الحزب أمام معادلة صعبة، خصوصًا في ظل الضغوط الخارجية المتزايدة التي تطالب بحصر السلاح.

على صعيد داخلي، يواجه الحزب خطر انقسام في بيئته المسيحيّة، إذا ما نجح باسيل في استقطاب مزيد من المسيحيين حول هذه القضية، وهو ما قد يؤثر على تحالفاته التقليدية ويغير موازين القوى في الساحة السياسية.

في النتيجة، لا شكّ أنّ موقف جبران باسيل، معطوفًا على مواقف سائر القوى السياسية، يدفع إلى تساؤلات عدة حول تطورات المشهد السياسي اللبناني في الفترة المقبلة، وهل ستتمكن القوى السياسية من إدارة الخلافات على قاعدة الحوار والتفاهم، أم أن لبنان مقبل على مزيد من التعقيدات التي قد تؤدي إلى انفجارات داخلية. قد لا تكون الإجابة واضحة اليوم، بانتظار نضوج المواقف ربما، أو حتى بانتظار توازنات سياسية جديدة يمكن أن تعيد رسم الخريطة اللبنانية...

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا