"الحزب" يكابر والشيعة يضرسون
في متابعة ردّ "حزب الله" على قرار الحكومة تحديد جدول زمني لحصر السلاح، يمكن تسجيل جملة من الملاحظات اللافتة.
أولًا، لم يُقدم "الحزب" حتى اللحظة على أيّ تحرّك عسكري أو أمني داخلي، على الرغم من التهديدات التي سبقت الجلسة الحكومية بإعادة تكرار مشهد 7 أيار 2008. هذا الامتناع يعود إلى تغيّر الظروف الداخلية والإقليمية، إذ لم يعد "الحزب" يمتلك القوة والهيمنة والدور المحلي والإقليمي الذي كان يتمتع به آنذاك. كما أنه يفتقر اليوم إلى تحالفات عابرة للطوائف تمنحه الغطاء السياسي لمثل هذه الخطوات. يضاف إلى ذلك أنّ الرئيس نبيه بري، لا يبدو مستعدًا للدخول كشريك سياسي وميداني في أي تحرّك أمني، وهو ما ظهر جليًا في رفض حركة أمل مسيرات الدراجات النارية ودعوتها مناصريها إلى عدم النزول إلى الشارع.
ثانيًا، يسعى "الحزب" بوضوح إلى تحييد رئيس الجمهورية جوزاف عون، وحصر المواجهة بالرئيس نوّاف سلام وتحميله وحده مسؤولية اتخاذ هذا القرار. فخطاباته وتصريحات مسؤوليه تتقصّد الإيحاء بوجود تناقض بين موقفي الرئيسين، واتهام سلام بالانقلاب على مواقف عون. لكن هذه المناورة تسقط أمام الحقائق البسيطة: الجلسة انعقدت برئاسة عون، وكان بوسعه رفعها، لكنه لم يفعل. كما أنّ وزراءه صوّتوا لصالح القرار.
من الواضح أنّ "حزب الله"، عبر هذا الفصل المصطنع بين الرئيسين، يسعى إلى التلاعب بالمشهد السياسي وتصويره كأنه صراع مع جزء محدود من السلطة، أي مواجهة سياسية كلاسيكية بينه ورئيس الحكومة، وفي ذلك محاولة متعمّدة لتشويه الحقيقة. الحقيقة هي أنّ "الحزب" يقف اليوم في مواجهة مباشرة مع الشرعية اللبنانية، وليس مع طرف سياسي، ما يجعل من سلاحه ومواقفه خارجين عن إطار الشرعية والقانون.
ثالثًا، يصف "حزب الله" قرار الحكومة بأنّه انقلاب على اتفاق الطائف، مدّعيًا أنّ وثيقة الوفاق الوطني تمنح "المقاومة"، وبالتالي سلاحه، غطاءً شرعيًا. غير أنّ المفارقة اللافتة أنّ كلمة "مقاومة" لا ترد في أيّ من بنود الوثيقة. ما يجعل هذه الرواية أقرب إلى إعادة تأويل انتقائية تخدم مصالحه.
وإذا سلّمنا جدلًا بصحة ما يدّعيه "الحزب"، يبرز سؤال مشروع: لماذا كان من أشدّ المعارضين لاتفاق الطائف، إذا كان هذا الاتفاق ـ وفق روايته ـ يُشرعن قضيته الأقدس؟ وكيف نُفسّر أنّ قوى سبقت "حزب الله" في العمل المقاوم، كـ "الحزب الشيوعي" اللبناني وحركة "أمل"، سلّمت سلاحها استنادًا إلى نفس الاتفاق، بينما احتفظ هو بسلاحه؟
أن يعمل "حزب الله" على التذاكي وتشويه الحقيقة، لا يغيّر من جوهر الواقع شيئًا. فالحقيقة تبقى حقيقة، والتزييف مصيره السقوط مهما طال عمره. واليوم، يبدو أنّ ساعة الحقيقة قد دقّت، إيذانًا بانهيار كل التشوّهات التي راكمها ونشرها نظام الأسد، و"حزب الله"، ومنظومة الفساد والسلاح.
"حزب الله"، وبإيعاز إيراني بات علنيًا، ماضٍ في المكابرة والإنكار، يواصل الغرق في وهم شراء الوقت وإمكانية تبدّل الظروف لصالحه. لكن كل يوم يمرّ من دون الإقرار بالواقع يزيد من حجم الخسائر البشرية والدمار، وتتضخم معه الفاتورة السياسية. هكذا فعل حين أغلق الباب أمام أي مبادرة لفكّ جبهة لبنان عن جبهة غزة، وهذه المرة قد تكون النهاية أكثر مأسوية.
الإيراني يصرخ بالشعارات من طهران، فيما شيعة لبنان يُساقون من مجزرة إلى مجزرة. ليت "حزب الله" يدرك أنّ البطولة ليست انتحارًا جماعيًّا. حمى الله الشيعة من هذا الجنون.
مروان الأمين-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|