هل يسعى "الحزب" إلى "دوحة 2"؟
عندما لمس "حزب اللّه" أنّ خروج جيش الأسد من لبنان رفع الغطاء الرسمي عنه، وأدّى إلى نشوء أكثرية وزارية ونيابية ضدّ مشروعه المسلّح، وضع مخططًا للتخلُّص من هذا الواقع، استهلّه بإبرام تحالف مع العماد ميشال عون والبحث عن تحالفات أخرى، وتواصل معه اغتيال النواب من أجل إنقاص الأكثرية النيابية، وافتعل حرب تموز 2006 حرفًا للأنظار عن قطار الدولة الذي انطلق مع انتفاضة الاستقلال، وخرج من بعدها من الحكومة إلى الشارع محاصرًَا السراي الحكومي وساعيًا إلى تعطيل عمله ببسط سلطة الدولة بقواها الذاتية، وصولًا إلى استخدام سلاحه ضد أهالي بيروت والجبل في أيار 2008، والذي قاد إلى "اتفاق الدوحة" الذي انتزع من خلاله الثلث المعطِّل وحق الفيتو بهدف فرملة اندفاعة الدولة، وقد أنهى هذا الاتفاق فعلًا دينامية انتفاضة الاستقلال.
ويبدو أن "حزب اللّه"، وعلى الرغم من اختلاف الظروف، يعتبر أنّ تعطيل قطار الدولة الذي انطلق مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة، يستحيل إيقافه وفرملته سوى من خلال مسار تعطيليّ يقود في نهايته إلى "اتفاق دوحة 2" يكون كفيلًا بإنقاذ مشروعه المسلّح المتداعي الذي أصبح بخطر فعليّ وجدّي مع قرار الحكومة في 5 آب الحالي بنزع السلاح غير الشرعي وفي طليعته سلاح "الحزب".
إنّ إعلان "حزب اللّه" رفضه الانصياع لقرار الحكومة، وتمسّكه بسلاحه، وإصراره على أدبيّاته، ونزول أنصاره إلى الشارع يوميًا، تؤشر على أنه يعدّ العدّة لخطوة ما ينتظر تبلورها، خصوصًا أنّ الوقت لم يعد يعمل لمصلحته، حيث يُدرك أنّ الحكومة لن تتراجع عن قرارها، وأن الوقائع الجغرافية التي أطبقت عليه مع النظام الجديد في سوريا ليس من السهولة تغييرها، وأنّ الوقائع العسكرية التي منحت إسرائيل، بتوقيعه، الحقّ باستهدافه لن تتبدّل، وأنّ الوقائع السياسية التي أدّت إلى نشوء سلطة جديدة مع رئيس جمهورية ورئيس حكومة وأكثرية وزارية متمسّكة بتطبيق الدستور لجهة حصرية السلاح بيد الدولة لن تتبدّل، وأنّ الوقائع المتصلة بانفكاك تحالفاته من حوله من الصعوبة ترميمها بعد هزيمة مشروعه في لبنان والمنطقة.
لا شك أنّ "حزب اللّه" يدرك ذلك كلّه، ويدرك أيضًا أنّ وضعه اليوم أصعب بكثير من وضعه بعد خروج جيش الأسد من لبنان، ولكنه لا يريد لا هو ولا مرجعيته الإيرانية التنازل عن ورقة استُثمِر فيها كثيرًا وطويلًا، وجاءت زيارة علي لاريجاني إلى بيروت لتعالج في الشكل المواقف التي صدرت عن أكثر من مسؤول إيراني وشكّلت استفزازًا كبيرًا للبنانيين بسبب الكلام عن منع الحكومة اللبنانية من تنفيذ قرارها بنزع السلاح غير الشرعي، ولكن من دون التغيير في مضمون الموقف الإيراني الذي أشاد بما يسمّى المقاومة، ودعا إلى الحوار بين الدولة وما يسمّى المقاومة، ما يعني أنه رافض خطوة نزع السلاح، وما زال يعوِّل على حوار حول السلاح، الأمر غير الوارد حكوميًا بعد صدور قرار الخامس من آب والذي لا عودة عنه إطلاقًا، ولا حوار حول تنفيذ الدستور اللبناني، وقد عبّر الرئيس جوزاف عون بصراحة تامة أمام ضيفه الإيراني "بأنه من غير المسموح لأي جهة كانت ومن دون أي استثناء أن تحمل السلاح وتستقوي بالخارج ضد اللبناني الآخر".
وواهم من يعتقد أنّ إيران ومعها "حزب اللّه" سيتنازلان عن ورقة السلاح بهذه السهولة، ولا قيمة أساسًا ولا معنى لأي ذراع إيرانية من دون سلاح، خصوصًا أنّ هذه الدولة لم تقرِّر بعد الانتقال من سياسة النفوذ العسكري والأمني إلى سياسة النفوذ السياسي، وطالما لم تتخِّذ هذا القرار فيعني أن تمسّكها بسلاح "الحزب" لم يتبدّل على الرغم من المعطيات الداخلية والخارجية التي لم تعد لمصلحة "الحزب" ولا أذرعها في الدول الأخرى ولا مشروعها التوسّعيّ في المنطقة، ولكن يبقى السؤال علامَ تراهن إيران؟
رهانها الأساس على الصمود وسط العاصفة بانتظار متغيّرات معيّنة، ولكن هذه المتغيّرات لن تأتي كون صراعها هذه المرّة هو مع إسرائيل التي تمكّنت من "حزب اللّه" عسكريًا، ولن تتراجع بعد "طوفان الأقصى" عن تحقيق أهدافها بإنهاء الأذرع الإيرانية، وصولًا إلى اقتلاع أنياب إيران النووية والبالستية والتوسّعيّة، ورغم هذا المعطى لن تسلِّم إيران ورقة سلاح "الحزب"، وستتمسّك بهذا السلاح وتحاول منع الحكومة من تنفيذ قرارها.
قد تكون خطة "حزب اللّه" وخلفه إيران مواصلة التصعيد ورفض تسليم السلاح وصولًا إلى اتفاق دوحة جديد تحافظ بموجبه على السلاح من ضمن ترتيب جديد، ولكن هذا الرهان هو وهم بعد التبدّلات الخارجية والداخلية، ومحاولة ستبوء بالفشل حتمًا وتؤدي إلى تأخير الحلّ اللبناني وتُبقي باب الخسائر المجانية مفتوحًا في صفوف "الحزب" لمجرّد أنّ طهران ترفض الاعتراف بالوقائع الاستراتيجية الجديدة التي يستحيل تبدّلها.
فلا "اتفاق دوحة 2" ولا أي شيء من هذا القبيل، ولا خيار أمام "حزب اللّه" سوى الالتزام باتفاق الطائف الذي سيطبّق بقرار دولي حازم هذه المرة، وهو أساسًا اتفاق بين اللبنانيين برعاية عربية ودولية، وبقدر ما يؤخِّر في تنفيذه، يخسر من رصيده السياسي المتبقي، لأنّ مشروعه المسلّح انتهى إلى غير رجعة.
شارل جبور - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|