سرّ زيارته في جعبة بري....
على عكس ما هو متعارف عليه، وما تكشفه زيارات الموفدين الأجانب، لم يعلن أي من المسؤولين الذين استقبلوا أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي لاريجاني، الهدف الذي جاء من أجله إلى لبنان، أو فحوى الزيارة أساسًا. أكثر ما ركز عليه المسؤولون، ولا سيما في الرئاستين الأولى والثالثة، تمحور حول ما قالوه للموفد الإيراني من عبارات شجب واستنكار للتصريحات الإيرانية حيال لبنان.
كانت الصور التي التُقطت للضيف في المقرات الرسمية كفيلة بالتعبير عن أنه ضيف إيراني غير مرحَّب به في لبنان، أو لنقل بصريح العبارة، ضيف استُقبل مجاملةً، إلى حدّ أن أحد المسؤولين كان على وشك عدم استقباله التزامًا بالنصائح التي أُسديت له. وقد شكّل استقباله فرصة لإيصال الرسالة اللبنانية إلى من يعنيهم الأمر من الدول الخارجية، بأن لبنان لم يتهاون مع إيران؛ بل بدا حازمًا وجازمًا.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، وليس دفاعًا أو ترحيبًا بالمواقف الإيرانية المرفوضة، التي قيلت تعليقًا على جلسة الحكومة وموضوع السلاح، إلا أنه كان حريًّا بهذه السياسة؛ أي سياسة المواجهة، أن تُتَّبع رداً على كل الإملاءات التي يتلقاها لبنان من الخارج، وأن يجري التعاطي معها بالطريقة نفسها التي تعامل بها المسؤولون أمس.
تجميع أوراق ضغط
في المقابل، كان واضحًا أن لاريجاني، الذي زار لبنان بعد العراق، التزم الأصول البروتوكولية في جولته على المسؤولين، مع أن أبعاد زيارته تجاوزت المقرات ومن فيها، لتحاكي توازنات إقليمية أوسع. وفي ظل الضغط الأميركي، جاء ليؤكد أن بلاده لا تزال تتمتع بحضورها وموقعها في المعادلة، وفي جانب من الزيارة رسالة ضمنية إلى المملكة العربية السعودية، التي شنّت هجومًا إعلاميًا على إيران في الآونة الأخيرة. إذن، هي مواجهة سياسية إيرانية–أميركية (وإسرائيلية)، وإيرانية–سعودية، على الأرض اللبنانية.
الزيارة كانت استعراضًا دبلوماسيًا للقوة في سياق جولة تهدف إلى تجميع أوراق ضغط للمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة. من العراق إلى لبنان، تثبّت إيران أذرعها في المنطقة. وبعد خسارتها الساحة السورية، جاءت لتقول إنها لا تزال موجودة، ولتؤكد للأميركيين أن المقاومة في لبنان ليست متروكة لقدرها.
عبر زيارته، قال لاريجاني أمس إن امتداد بلاده حاضرٌ، وهذا ما يجب أن يأخذه الأميركيون في الحسبان. جاء بصفته ممثلًا لمواقف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، ومعبراً عن موقفه، الذي يدعم المقاومة، كما يدعم القرارات "الميثاقية" للحكومة على وجه الخصوص.
لم يأتِ لاريجاني لتغيير المعادلات؛ بل لتثبيتها. ولم يأتِ ليوافق على سحب سلاح المقاومة؛ بل ليمنح حزب الله هامشًا أكبر للتحرك، ويشدّ على موقفه ويؤازره. وببعدها الطائفي، حملت الزيارة رسالة دعم للشيعة من العراق إلى لبنان.
أهداف الزيارة الحقيقية
في المعلومات، أن الموفد الإيراني لم يأتِ إلى لبنان لبحث موضوع سلاح حزب الله مع المسؤولين، فموقف إيران معروف ولم يتغير حيال هذا الملف، ولا يحتاج إلى نقاش. زيارته من العراق إلى لبنان، حيث الوجود الشيعي، تعكس قلقًا إيرانيًا من المخطط الأميركي تجاه الشيعة. وتقول المصادر المواكبة إن إيران تبدي خشيتها من تطورات سلبية في العراق. وبالنسبة إلى لبنان، هناك معلومات عن تحركات مشبوهة على الحدود مع سوريا.
كما استشفت إيران من مضمون ورقة الموفد الأميركي، توم باراك، مؤشرات إلى خطر محدق يهدد وجود لبنان وتعدد طوائفه. وكان اللقاء الأبرز للاريجاني مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لدوره ورمزيته ومكانته داخل الطائفة الشيعية، حيث أودعه "كلمة السر" الإيرانية، وأبلغ جزءًا منها للمسؤولين الروحيين داخل الطائفة. وإذا كان هناك عتب شيعي على إيران على خلفية مرحلة الحرب، فإن ما حمله لاريجاني تضمن تأكيدًا أن زمنًا مضى قد تغيّر، وأن هناك تعديلًا في استراتيجيات طهران وسلوكها عما كان عليه في السابق.
تختصر الدوائر القريبة من إيران الزيارة بالقول إنها زيارة لتثبيت الموقف الإيراني ودعمه للمكون الشيعي والمقاومة. وهي تتوقف عند شخصية الزائر وموقعه بوصفه مستشاراً للسيد علي خامنئي، وتوقيت الزيارة، لتمنحها خصوصية تجاه بري، مؤكدة في العمق أن إيران لن تتخلى عن لبنان... ومقاومته.
غادة حلاوي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|