"مستشفى المشرق الفرنسي يفتتح مركز HOPE للعلاج الكيميائي: الأمل قبل الدواء"
" الحرب بالدراجات"
ليل بيروت وبعض ضواحيها لم يعد هادئًا، أصوات دراجات نارية، هتافات، وأعلام ترفع، ليست لمواجهة إسرائيل عند الحدود، بل لاستعراض القوة في قلب المناطق الآمنة. مشهد يتكرر كل ليلة، يزرع الخوف بين الناس، ويطرح سؤالًا مريرًا: من يهدد أمن اللبنانيين أكثر...الخارج أم الداخل؟
هؤلاء الذين يملأون الشوارع اليوم، هم أنفسهم الذين نزلوا خلال ثورة 17 تشرين إلى وسط بيروت، ليس لمساندة مطالب الناس بل لتعطيل احتجاجاتهم والاعتداء على المتظاهرين. والمفارقة الأكبر أن الأمين العام السابق لـ "حزب الله"، حسن نصرالله، قال يومًا للمتظاهرين: "لا تعيقوا حياة الناس خلال ذهابهم إلى أعمالهم وممارسة حياتهم اليومية". فكيف اليوم تُعطّل حياة الناس، وتُقلق راحتهم ليلًا، تحت عنوان الاعتراض على قرار حكومي؟
منذ سنوات ويردد "الحزب" في خطاباته أن لديه "مئة ألف مقاتل" وهم جاهزون لخوض أي معركة مع إسرائيل، صورة ضخمة عن كتائب مدربة وصواريخ دقيقة وحرب شوارع. لكن المشهد على الأرض جاء مختلفًا تمامًا: بدل الصواريخ رأينا الدراجات النارية، وبدل الكتائب العسكرية، شاهدنا مواكب استعراضية تجوب شوارع وتزعج السكان. وكأن الرقم الشهير تحوّل إلى "مئة ألف موتوسيكل"، سلاحها الأصوات المزعجة والطرق المقطوعة، لا أكثر ولا أقل.
كثيرون تمنوا رؤية هذه الأعداد الكبيرة من مناصري "الحزب" في الجنوب، يتظاهرون ويحتجون بوجه الإسرائيلي، بدلاً من تركيز جهودهم في الشوارع الداخلية حيث لا يوجد عدو على الأبواب، بل مواطنون لبنانيون يحاولون عيش حياتهم وسط ظروف اقتصادية وأمنية خانقة.
اللافت أن عددًا كبيرًا من هذه الدراجات النارية غير قانوني: بعضها مسروق، وبعضها بلا أوراق رسمية، وأغلب سائقيها بلا خوذ حماية. المشهد ليس فقط مخالفًا للقوانين، بل يشكل تهديدًا مباشرًا للسلامة العامة.
تحركات الدراجات النارية هذه تثير الخوف بين اللبنانيين، خصوصًا السياح. فهي تتحرك بأعداد كبيرة، وأصواتها المدوية توقظ الأحياء، ومعها القلق من أن أي دخول بالخطأ إلى شارع ذي لون طائفي مختلف، أو أي إشكال فردي بسيط، قد يُدخل البلد في حرب أهلية. هذا الاستهتار بالتبعات الخطيرة يطرح علامات استفهام حول مدى إدراك هؤلاء خطورة ما يفعلونه.
هذه الظاهرة ليست جديدة على المشهد الإقليمي. فاستعراضات الدراجات النارية سبق أن ظهرت في إيران، وكأننا لا نستورد منها إلا المظاهر المستفزة التي لا تضيف شيئًا إيجابيًا للبنان. ويكفي أن نتذكر مشاهد مناورة "سنعبر"، فيديو يتضمن مشاهد تلخص مراحل المناورة العسكرية التي نظمتها "المقاومة الإسلامية" بمناسبة عيد المقاومة والتحرير بتاريخ 21 أيار 2023. ظهر مشهد غريب أثار السخرية أكثر مما أثار الإعجاب: عشرات الدراجات النارية تتحرك وتستعرض. أقرب إلى لقطات من فيلم هندي مبالغ فيه، لا إلى استعداد حقيقي لمواجهة أحد أقوى الجيوش في المنطقة. فهل يُعقل أن تُهزم إسرائيل بهجوم بالدراجات النارية؟
منذ اليوم الأول لهذه الاستعراضات، انتشر الجيش اللبناني على مداخل المناطق المجاورة للضاحية الجنوبية، وخاصة الحدث وكفرشيما. في الأيام الفائتة، أُغلقت هذه المداخل بالكامل، مع إبقاء مدخل واحد مفتوحًا يتواجد فيه حاجز للجيش، وذلك منعًا لأي احتكاك أو فتنة. الملفت أن هذه الإجراءات لا تُتخذ في ساعات النهار، بل يقتصر انتشار الجيش على الليل، في مشهد يعكس واقعًا صادمًا: الجيش اللبناني يحمي لبنانيين من لبنانيين آخرين.
لغاية الآن يواجه "حزب الله" مسألة استيعاب قرار نزع السلاح وكذلك إقناع جمهوره، خلال حرب الإسناد أو بعد حرب الإسناد، وبالرغم من كل الخسائر التي مني بها، استمر "الحزب" بتقديم نفسه لجمهوره وللبنانيين بأنه قد ربح الحرب، وأنه لا يزال قادراً على القتال، وأن قدراته قد تمكن بفترة قصيرة من تجديدها، قرار الحكومة أتى لكي ينقض كل هذه النظرية التي حاول "حزب الله" تعميمها.
وفي حديث مع "نداء الوطن"، أشار الخبير العسكري خالد حمادة إلى أنّ صدور القرار، الذي ربما لم يكن "حزب الله" يتوقعه، صَعَقَ "الحزب"، وكذلك كانت ردود الفعل التي أظهرتها الجمهورية الإسلامية على لسان مسؤوليها دليلًا على عدم استيعاب طهران موقف الحكومة اللبنانية، الذي أتى طبعًا وفقاً لاتفاق الطائف، ووفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وكذلك تنفيذًا للقرارات الدولية المتخذة بشأن السلاح.
وأوضح حمادة أنّ "حزب الله" يحاول أن يقدم نفسه بهذا الاستعراض، الذي ربما يعتقد أنه قادر أولًا على رفع معنويات الجمهورية، أو على التأثير على الحكومة اللبنانية للتراجع عن قرارها. ما يقوم به الجيش هو محاولة منع "حزب الله" من تهديد الاستقرار في لبنان، ومنع الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة خارج حدود المنطقة التي ربما تعيش فيها بيئة إلى حدّ ما موالية لـ "حزب الله"، أو ربما البعض منها مقتنع بخطابه".
وتابع قائلاً: "إقفال مداخل الضاحية، خاصة الطريق الممتد من كفرشيما وصولًا إلى مستديرة الطيونة، خطّ التماس التقليدي، هو طبعاً محاولة من الجيش لمنع أي اعتداء قد يقوم به جمهور "حزب الله" بالدخول إلى مناطق تقع أساساً في الموقع السياسي الآخر. قد تكون هناك ارتكابات من "حزب الله" أو إخلال بالأمن، وربما يحدث ذلك في بيئة فيها اختلاف سياسي واختلاف طائفي، وبالتالي تذهب الأمور إلى منحى وتتفاعل بطريقة سلبية".
وأضاف "الحكومة والجيش نجحا في لجم كل هذه الاستفزازات التي يقوم بها "حزب الله"، ففي اليومين الماضيين رأينا تقليصًا كبيرًا لهذه التظاهرة، وبالتالي أعتقد أنّ الجيش سيستمر باتخاذ هذا التنبيه، ريثما تذهب الأمور إلى ما يمكن تسميته بخفض التوتر لدى جمهور "حزب الله"، والتسليم بأن ما قامت به الحكومة لا توجد إمكانية للتراجع عنه".
وأشار حمادة إلى أنّه "لا يمكن القول إنها حماية منطقة أو عزل منطقة، فهنا يدخل الأمن ويأخذ طابعًا شعبويًا ويقدم تصرفات فوضوية مسيئة طبعًا للبنان ومسيئة للأمن اللبناني والاستقرار المجتمعي. لذلك يجب النظر بإيجابية إلى هذه الإجراءات، سيما أنّ الجيش لم يستعمل حتى الآن سوى الوسائل القانونية والإجراءات التي تتيحها التعليمات المعطاة له، كما تتيحها حرية التعبير، علمًا أنّ ما يجري قد تجاوز بكثير حدود حرية التعبير نتيجة الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة في بعض المناطق".
وختم قائلًا: "حتى داخل الضاحية الجنوبية، أصبح المواطنون متضايقين من هذه الإجراءات، وبدأنا نسمع أصواتًا ونرى تصريحات كثيرة لعدد من المواطنين يعبرون عن عدم قبولهم بما يقوم به "حزب الله". ربما ستستمر هذه الحالة لفترة ليست قصيرة، ولكن في النهاية لن تؤدي إلى أي شيء، وأعتقد أنّ الأمن ممسوك بطريقة ممتازة، ولن يستطيع "حزب الله" كسر هذه الإجراءات وفرض واقع جديد على الحكومة".
يرفع مناصرو "الحزب" في خطابهم العلني شعارات تطالب الجيش اللبناني بمواجهة إسرائيل أو طردها من الأراضي اللبنانية، لكن الواقع على الأرض يكشف مفارقة لافتة: بدلًا من ترك الجيش يركز جهوده على أي خطر خارجي، يلهونه بتحركاتهم اليومية على الدراجات النارية، ويجبرونه على استنفار قواته لساعات طويلة في الليل، لإغلاق المداخل وتسيير الحواجز ومنع الاحتكاكات. بهذه الطريقة، يتحول الجيش من مؤسسة وطنية معنية بحماية الحدود والدفاع عن الوطن، إلى قوة مضطرة للتفرغ لضبط فوضى داخلية واحتواء استعراضات استفزازية، في حين يبقى العدو الحقيقي على الحدود بلا مواجهة مباشرة. على "الحزب" أن يدرك أن استعراضاته وضغوطه على الحكومة لن تفلح، فهل سيستمر في هذا العبث، أم سيحين الوقت لاحترام الدولة وقراراتها؟
ماريانا الخوري - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|