كيف أعادت حرب روسيا وأوكرانيا رسم "خريطة النفوذ" في آسيا الوسطى؟
تجاوزت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، في عامها الرابع، حدود المعارك لتعيد رسم الخريطة الجيوسياسية في آسيا الوسطى.
وتشهد دول كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان تحولات استراتيجية غير مسبوقة بفعل الحرب، مع تأثير مباشر على التنافس الروسي الصيني في المنطقة.
وعلى الرغم من الضغوط الغربية، أثبتت روسيا مرونتها الاقتصادية والعسكرية. فإنتاجها العسكري من القذائف المدفعية تجاوز مستويات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فيما يكسب الجيش خبرة قتالية كبيرة.
وبحسب صندوق النقد الدولي، نما الاقتصاد الروسي بنسبة 3.2% في 2024، مستفيدًا من إعادة توجيه التجارة نحو آسيا وتعزيز الصناعات المحلية.
هذه المرونة عززت صورة موسكو كقوة هائلة في آسيا الوسطى، وأصبحت سردية مقاومتها للحصار الغربي تلقى صدى لدى بعض النخب والقادة في المنطقة.
لكن تركيز روسيا على أوكرانيا حدّ من مشاركتها الإقليمية؛ ما أتاح الفرصة للصين لتوسيع نفوذها، بينما يراقب قادة آسيا الوسطى بحذر النوايا الروسية، خصوصًا في المناطق ذات السكان الروس العرقيين، مثل شمال كازاخستان.
نفوذ صيني
تاتيانا غفولر، من مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، أشارت إلى أن بكين استغلت الحرب لتعزيز حضورها الاقتصادي في آسيا الوسطى عبر مبادرة الحزام والطريق، مستثمرة مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية وخطوط الطاقة والسكك الحديدية.
وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، متجاوزة روسيا. كما توسعت صادرات الأسلحة الصينية، حيث تسعى أوزبكستان لاقتناء طائرات مقاتلة جديدة لاستبدال المعدات الروسية القديمة.
وتتبنى الصين موقفًا حياديًا رسميًا تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، داعية للسلام؛ ما يعزز جاذبيتها الدبلوماسية مقارنة بروسيا، كما يتيح لها توسيع النفوذ المالي من خلال القروض والسيطرة على البنية التحتية والطاقة، خصوصًا الغاز والطاقة المتجددة.
مقاومة محلية
وترى غفولر أنه على الرغم من النفوذ الاقتصادي، تواجه الصين مقاومة محلية في دول آسيا الوسطى، حيث يثير الاعتماد على العمالة الصينية والمشاريع منخفضة الجودة استياء السكان المحليين، مثل ردود الفعل في قيرغيزستان تجاه خيام بلاستيكية صينية بديلة عن المنتجات التقليدية المحلية.
كما تثير معاملة الصين للأويغور في شينجيانغ مخاوف أكبر بين الأغلبية المسلمة في المنطقة؛ ما يحد من انتشار نفوذها الناعم.
تعتمد دول آسيا الوسطى سياسة متعددة الاتجاهات، تستغل الحرب لموازنة النفوذ الروسي مع الفرص الصينية.
كازاخستان حافظت على الحياد العسكري إلى جانب تعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين، فيما وسعت أوزبكستان وتركمانستان صادرات الطاقة إليها.
كما توفر شراكات بديلة مثل قمة C5+1 الأمريكية ومشاركة الاتحاد الأوروبي فرصًا محدودة للتحوط.
ما بعد الحرب
وذكرت غفولر أنه إذا انتهت الحرب بفرض روسيا سيطرتها على الأراضي الأوكرانية، قد يعزز ذلك نفوذها الإقليمي، ويقوي سمعتها بين الدول الصغيرة الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
في المقابل، قد تلجأ الصين إلى ملء الفراغ الاقتصادي، خاصة في الطاقة والتجارة، إذا انحسرت الأولويات الروسية نحو أوكرانيا.
في كل الأحوال، يبقى التفاعل بين الطموحات الروسية الجيوسياسية، والصبر الاستراتيجي الصيني، وبراغماتية قادة آسيا الوسطى، العامل الحاسم في تحديد النظام الإقليمي بعد الحرب، مع إبقاء المنطقة في حالة ديناميكية متغيرة تتسم بالتنافس والتعاون في آن واحد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|